عن أخت الرجال

14 سبتمبر 2020

(فاتح المدرس)

+ الخط -

في الثمانينيات، وفي لحظة غضب تلفزيونية، قالت نائبة أردنية شهيرة تنتمي إلى المعارضة، إنها الرجل الوحيد في مجلس النواب، وذلك في سياق إدانة المجلس الذي اعتبرته متخاذلا وجبانا. لم تدرك تلك السيدة حينها أن منطقها كان ذكوريا محضا، يحمل، في طياته، نظرة دونية إلى الأنوثة باعتبارها نقيض الشجاعة والجرأة والمروءة والكرامة والوعي السياسي الحر. وصدورا عن إحساسها بالتفوق على زملائها، وصفتهم ضمنا بالنساء، واحتكرت لذاتها صفة الرجولة امتيازا لا يُجارى! ولطالما استضافتها القنوات الإخبارية الكبرى، وأعجب كثيرون بجرأتها غير المسبوقة، ومواقفها السياسية الثابتة، وتمرّدها على الثوابت، ما عرّضها للمحاكمة. وقد وصل الأمر بمتطرفين أن طالبوا بتطبيق حكم الردّة عليها، وتطليقها من زوجها وهدر دمها، بينما حازت على إعجاب جمهور الشابات والشباب، على وجه الخصوص، الذين اعتبروها مثلا أعلى، على الرغم من رفضها فكرة الكوتا، حيث تخصص بموجب القانون نسبة معينة لمقاعد النساء في المجلس، معتبرة ذلك تقليلا من شأنها نائبة وطن تمثل الجميع، مع أن مقعدها الذي ترشحت بموجبه كان عن مقعد مخصص لأقلية. وقد رفضت كوتا النساء في سياق مقاومة كل أشكال التمييز ضد المرأة، حتى لو كان إيجابيا.
لم تطرح نفسها يوما نسوية، حريصة على تحصيل مزيد من الحقوق للمرأة. وبذلك خسرت، كما أرى، جماهير النساء التي كانت ستشكل قاعدةً شعبية لا يستهان بها. وكثيرا ما عبرت قياديات في الحركة النسائية الأردنية عن خيبة أملها بالسيدة الرمز التي تنكّرت لأنوثتها، عن سبق إصرار وتصميم، وتماهت مع عالمٍ يحكمه نمط تفكير ذكوري متخلف، لا يرى في المرأة ندّا يستحق الاحترام والتقدير.
انسحبت تلك السيدة من المشهد السياسي، على إثر إخفاقاتٍ عديدةٍ وخيباتٍ كثيرة، وفوّتت على الحركة النسائية فرصة حضور قوي ومؤثر، ولم تمهد الطريق، كما كان مفترضا بها، رائدة، لظهور أسماء نسائية جادّة، تتميز بالوعي الحر، إلى عضوية المجلس. جرى ذلك ضمن استثناءاتٍ قليلةٍ لسيداتٍ نجحن بالوصول إلى مجلس النواب، بسبب انتمائهن الحزبي، مقيدات بأفكار الحزب ذاته الذي لم يكفّ عن ممارسة الوصاية على أدائهن المنضبط الذي لم يخدم حركة تحرّر المرأة، بل عمل على تهميشها والتقليل من أهمية دورها في الحياة العامة، إضافة إلى أسماء نسائية بلا أدنى كفاءة شبه أمية، ليس لها أي وزن، أوصلتها الكوتا والحسابات العشائرية، وقبلن بدورهن حمولةً فائضةً، تقضي وقتها في أثناء انعقاد المجلس الذي يناقش قضايا الأمة بالثرثرة عن تنشيف الملوخية، والتوسط لأبناء مناطقهن طمعا في الترشّح من جديد.
ولا يمكن، في هذا السياق، تبرئة ساحة المنظمات النسائية من التقصير في إيجاد كوادر نسائية ذات كفاءة، لأنها انهمكت في الحصول على التمويلات الأجنبية من أجل مشاريع تنموية شكلية، أدت إلى إثراء بعضهن بالكسب غير المشروع، من خلال المتاجرة المكشوفة بقضايا المرأة، من دون أن يُحدثن أي تغيير في الواقع البغيض الذي يشهد انتهاكا واعتداءً دوريا على حقوق المرأة، ويرى خروجها إلى الحياة العامة وسوق العمل مزاحمةً غير مشروعة للرجل، فتدفع بلا ذنب، سوى الأنوثة، ثمن جهل وتعسف مجتمع معادٍ لها من حيث المبدأ. ولا يؤدي كل ذلك الضجيج والجعجعة الفارغة في المحافل وأمام الكاميرات إلا إلى مزيد من الظلم والافتراء. من هنا، لا تجد المرأة في ساحة الذئاب تلك مناصا سوى التماهي مع المنطق السائد، فتتخلى عن وصمة الأنوثة، وتتحول، سعيا إلى تحقيق ذاتها، إلى نموذج ذكوري فج، تفرح ببلاهة، وتعتبر نفسها حققت إنجازا كبيرا، وخطوة باتجاه المجد، حين يصفونها بأخت الرجال!

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.