بات المواطن المصري على موعد مع زيادات جديدة في أسعار السلع الرئيسية والخدمات العامة، كالكهرباء والمياه والمواصلات العامة والاتصالات، وكذا زيادة الضرائب والرسوم الحكومية مع قرب تطبيق الموازنة الجديدة لعام 2020-2020 التي سيتم العمل بها خلال عشرة أيام.
وربما تزيد وتيرة سرعة وقيمة الزيادات الجديدة مع دخول الحكومة في مفاوضات ماراثونية للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة 5.2 مليارات دولار ولمدة عام، لتقترب القروض التي حصلت عليها البلاد من صندوق النقد من 20 مليار دولار في فترة لا تزيد عن الثلاث سنوات والنصف.
إضافة إلى التفاوض للحصول على قروض أخرى من مؤسسات وبنوك إقليمية ودولية تزيد قيمتها عن 5 مليارات دولار، آخرها التفاوض للحصول على مليار دولار من البنوك الإماراتية. كما وافق البنك الأفريقي للتنمية قبل ساعات على تقديم 225 مليون دولار قرضا لمصر.
ومع إقرار البرلمان المصري، يوم الأربعاء، مشروع الموازنة الجديدة لعام 2020-2020، فإن الباب بات مفتوحا أمام الحكومة لتطبيق بنودها التقشفية الصعبة، والتي لا تأخذ في الاعتبار التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة لتفشي وباء كورونا، وما أفرزته الأزمة الصحية من زيادة ملحوظة في نسب البطالة ومعدلات الفقر، خاصة المدقع، وتدهور في مستوى العمالة الموسمية.
إضافة إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطن وتراجع إنفاق الأسرة المصرية وضعف القطاع الخاص وتضرر نحو 10 ملايين يعملون بصورة مباشرة أو غيرة مباشرة في قطاع السياحة، المورد الثالث للنقد الأجنبي في البلاد.
وإذا أردنا أن نصف الموازنة الجديدة في كلمات فإننا يمكن القول إنها مخالفة للدستور، مبالغة في التقديرات المتعلقة بسعر النفط، تضغط على المواطن البسيط والفقير، وتتيح للحكومة اغتراف ما تبقى من سيولة محدودة لديه، إن كان هناك سيولة فائض مالي أصلاً، تحمل عدة مفاجآت غير سارة للمصريين، ولا تراعي الظروف الصعبة التي يمر بها معظم المواطنين، تتسم بالغموض خاصة على مستوى بعض النفقات.
ولا تتحدث النقاشات التي جرت للموازنة الجديدة داخل البرلمان عن مصير الفوائض الضخمة المحققة في موازنة العام الحالي من تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية، وهو ما خفض بشدة مخصصات الوقود والكهرباء، كما أنها مفتوحة حيث يتم تعديل بنود المصروفات والنفقات من وقت لآخر، أحدثها ما تم أول من أمس.
كما تم تخصيص 550 مليون جنيه لموازنة مجلس الشيوخ الجديد الذي تقرر إعادته إلى الحياة بعد اختفاء دام سنوات طويلة، ولا يجد المصريون مبررا واحدا لهذه الخطوة سوى محاباة بعض الشخصيات والرموز والمؤسسات الداعمة للسلطة القائمة، سواء من الشرطة أو القضاء أو الإعلام.
ومن زاوية مخالفة الموازنة الجديدة لعام 2020-2021 للدستور، فإن هذا يظهر وبشكل واضح في عدم التزام الحكومة بنصوص الدستور، للعام الخامس على التوالي، والتي تلزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي لقطاع الصحة، و4% للتعليم قبل الجامعي، و2% للتعليم العالي، و1% للبحث العلمي.
ومن زاوية استمرار الموازنة الجديدة في دهس المواطن، فنظرة لبنود الإيرادات نجد أن هناك إصرارا من الحكومة على زيادة الضرائب والرسوم، رغم الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع الأعمال وموظفو الدولة في مصر بسبب وباء كورونا.
وهناك زيادات مرتقبة في أسعار السجائر، إذ أن الحكومة تستهدف زيادة الإيرادات من ضريبة السجائر والتبغ (الدخان) نحو 13.3% في مشروع موازنة 2020-2021 لتصل إلى 74.6 مليار جنيه.
وهناك خفض كبير يصل إلى 47% في الدعم المقدم للمواد البترولية، سواء البنزين أو السولار، لتتهاوى قيمة دعم الوقود في الموازنة الجديدة إلى 28.193 مليار جنيه (1.61 مليار دولار) مقابل 52.963 مليار جنيه في الموازنة الحالية، وهو ما يعني زيادة كبيرة في أسعار البنزين والسولار والكهرباء والمواصلات العامة كالقطارات والمترو، إذا ما زادت أسعار النفط في الأسواق العالمية.
أما من حيث المبالغة في التقديرات، فإن وزارة المالية حددت سعر برميل النفط في مشروع موازنة 2020-2021 عند 61 دولارا، مقابل 68 دولارا في الموازنة الحالية، وهو سعر مبالغ فيه ومرتفع كثيراً عن السعر الحالي في الأسواق العالمية.
والملفت أنه رغم الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المصري جراء أزمة كورونا، خاصة على مستويات قطاعات مهمة مثل السياحة والصادرات وتحويلات المغتربين، إلا أن الموازنة الجديدة لا تتحدث عن أي خطوات للتقشف الحكومي أو ترشيد الإنفاق العام أو مكافحة التهرب الضريبي، أو خفض نفقات البرلمان وغيره، بل تستهدف فقط جيب المواطن "المخروم".