عنف في حقّ المنتخَبين بفرنسا

03 أكتوبر 2019
"حريق غضب" بشمال شرق فرنسا قبل أيام (فرانس برس)
+ الخط -

يشتدّ العنف في فرنسا ضدّ الأشخاص المنتَخَبين، من عمد ومسؤولي بلديات وبرلمانيين، في الفترة الأخيرة. ويأتي ذلك بطريقة غير مسبوقة في البلاد، الأمر الذي جعل مجلس الشيوخ يعمد إلى استطلاع هؤلاء المنتخَبين، بعد مقتل عمدة مدينة سينيي في إقليم فار، جنوب شرقي البلاد، جان ميشال، في الخامس من أغسطس/ آب المنصرم، بعدما دهسته شاحنة صغيرة رفض سائقها وقف إفراغ أنقاض في مكبّ نفايات غير قانوني. وعند الاطلاع على أجوبة المستطلَعين، يظهر واضحاً شعورهم بالعزلة ويتأكّد تعرّضهم إلى مختلف أنواع العنف اللفظي والمعنوي والجسدي، بالإضافة إلى تعرّض عائلاتهم إلى تهديدات، وذلك على خلفية قضايا تتعلق بالطرقات وركن السيارات ورمي النفايات ومصادرة أراض. وهؤلاء المنتخَبون يريدون فقط أن تهتمّ الدولة بمشاكلهم وهمومهم، وخصوصاً مادياً. ويأملون أن تزوّدهم بكاميرات مراقبة تمثّل عامل ردع لكلّ من تسول له نفسه "الاعتداء على الجمهورية من خلال الاعتداء على ممثلي الشعب".

وقد أثارت تلك الاعتداءات موجة عارمة من القلق الشعبي، فرؤساء البلديات والمنتخبون المحليون في فرنسا يحظون بشعبية كبيرة ويُعَدّون مثالاً للديمقراطية المباشرة. لرؤساء البلديات على سبيل المثال دور في جمع تظلمات وهموم المواطنين ونقلها إلى السلطة التنفيذية، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيراً إلى الإقرار بأنّ دورهم أساسي في خدمة الجمهورية والمواطنين. ولا شكّ في أنّ الجميع في فرنسا لاحظ دور هؤلاء في "الحوار الوطني الكبير" الذي أطلقه ماكرون للردّ على حراك "السترات الصفراء". وقد استهدفت بعض الهجمات برلمانيين من الأغلبية الرئاسية، "الجمهورية إلى الأمام"، مع اندلاع حراك "السترات الصفراء". وصار منفّذو الهجمات يحاصرون مقار عمل هؤلاء النواب ويلحقون بها أضراراً، أو مقار سكنهم، فالمتظاهرون ينتقدون مواقف هؤلاء النواب التي تتماهى مع مواقف ماكرون وحكومته بالنسبة إليهم ولا تعبأ بمطالب الحراك غير المسبوق في فرنسا. يُذكر أنّ ثمّة برلمانيين هوجموا لأنّهم لم يعبّروا عن تعاطف مع ضحايا الإضرابات والصدامات مع الشرطة، بل ظلّوا يردّدون مواقف وزير الداخلية كريستوف كاستانير التي تثمّن تضحيات رجال الأمن والمتمسّكة بالحفاظ على النظام العام.




وسياسة الحكومة الفرنسية جعلت نواب الأغلبية الرئاسية يواجهون خصوماً آخرين، هم المزارعون الفرنسيون الغاضبون من اتفاقية التبادل الحرّ المثيرة للجدال بين الاتحاد الأوروبي وكندا أو "سيتا"، التي وقّعها الاتحاد الأوروبي مع كندا. بالتالي، تعرّض أكثر من 12 مقرّاً لنواب "الجمهورية إلى الأمام" إلى اعتداءات من قبل المزارعين الغاضبين الذين أرادوا إدانة التصويت على اتفاقية "سيتا"، فهم رأوا أنّها تفتح المجال أمام المنتجات الكندية التي من شأنها أن تؤثّر سلباً على منتجاتهم المحلية وقدرتهم الشرائية. ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، فالمزارعون الفرنسيون يصرّون على الدفاع عن مصالحهم، وقد عملوا في الأشهر الأخيرة على التصدّي لقرارات اتخذتها مدن وبلدات فرنسية لمنع استخدام المبيدات الحشرية. بالنسبة إليهم فإنّ تلك القرارات تنطوي على احتقار من قبل السلطات العمومية، ويقدّمون أنفسهم كضحايا، الأمر الذي دفعهم إلى إشعال حرائق ضخمة في الحقول أطلقوا عليها اسم "نيران الغضب".

ويرى المزارعون في العمد الذين أصدروا تلك القرارات خصوماً لهم، ويصنّفون كذلك ماكرون الذي صرّح بأنّه يتفهّم هؤلاء العمد الذين يتّخذون مثل تلك القرارات. وفي مقدّمة قائمة العمد الذين أثاروا غضب المزارعين، عمدة بلدة لانغويه (شمال غرب)، دانيال كويف، الذي اتخذ قراراً بحظر استخدام المبيدات الحشرية بالقرب من بلدته. يُذكر أنّ قرار كويف دفع العمد في 26 بلدة في منطقة باريس الكبرى وفي أقاليم أخرى إلى اعتماد المثل. بالنسبة إلى المزارعين فإنّ تلك القرارات "غير قانونية" ويقف وراءها "أشخاص غير مسؤولين". وهكذا، لم يعد نواب الأغلبية الرئاسية معرّضين للعنف فحسب، إنّما النواب البيئيون كذلك صاروا هدفاً للاعتداء.



تجدر الإشارة إلى أنّه بعد عجز "الحوار الوطني الكبير"، الذي راهَن عليه ماكرون، عن تهدئة الوضع المتأزّم، عمدت الوزيرة المفوضة لدى وزارة الداخلية جاكلين غورو إلى الإعلان عن قرب وضع قانون من شأنه تعزيز سلطات العمد في مجال الشرطة الإدارية من أجل مكافحة الاعتداءات على الأشخاص المنتخَبين.