تكثرُ في ألمانيا نسبة المواطنين من أصول مهاجرة. ولد بعضهم في هذا البلد، أو عاشوا فيه سنوات طويلة حتى أصبحوا جزءاً منه. وعلى الرغم من اندماج العديد منهم في المجتمع الألماني، وحتى نجاحهم في العمل في مختلف المجالات السياسية والفنية والرياضية والثقافية، يعاني قسم منهم من العنصرية والتمييز في سوق العمل أو الجامعات، أو في حياتهم اليومية، بسبب أسمائهم وأزيائهم وحتى لون بشرتهم.
هذا التمييز يعد عائقاً حقيقياً أمام المهاجرين، وخصوصاً أنه يؤثر على فرص حصولهم على عمل أو سكن. ولا يتردد بعضهم في الإساءة إلى أصحاب البشرة السمراء الداكنة، أو ذوي الشعر الأسود الكثيف واللحى الطويلة، أو النساء المحجبات. وفي بعض الأحيان، قد يشكل الاسم مشكلة لدى هؤلاء. وتجدر الإشارة إلى أن الدستور الألماني ينص على أن الشخص يصبح ألمانياً إذ ولد في البلاد، أو حصل على الجنسية.
وحين يكون اسم المواطن ألمانياً، يواجه تعقيدات أقل في حياته. لذلك، يلجأ العديد من المهاجرين إلى تسمية أولادهم بأسماء ألمانية تكون مقبولة من المجتمع الألماني، حتى لا يتعرضوا في المستقبل لأي نوع من التمييز. على سبيل المثال، إذا كان الشخص الذي تقدم للحصول على وظيفة يحمل اسماً أجنبياً، يمكن إهمال ملفه، من دون استدعائه لإجراء مقابلة معه في حال كان يتمتع بالكفاءة المطلوبة. وبحسب معهد "مستقبل العمل" في مدينة بون الألمانية، فإن قبول طلبات أصحاب الأسماء الألمانية يفوق، وبنسبة كبيرة، أصحاب الأسماء ذات الأصول المهاجرة.
وبالإضافة إلى الاسم، فإن المظهر والشكل يعرض المهاجرين للتمييز والعنصرية. في بعض المطاعم الفاخرة على سبيل المثال، لا يستقبل الأشخاص ذوي البشرة السمراء الداكنة، بحجة أنه لا أمكنة شاغرة.
وفي عام 2006، أقرت ألمانيا قانون "المساواة في المعاملة"، الذي ينص على أن الشخص الذي يشعر أنه يتعرض للتمييز يمكنه التقدم بشكوى إلى أحد المراكز المعنية بمكافحة التمييز، علماً أن العقوبة قد تصل إلى غرامة مالية. وعلى الرغم من سعي الدولة إلى الحد من العنصرية والتمييز، إلا أن القانون لم يشكل رادعاً لدى البعض، ما دفع عدد من المهاجرين إلى طلب تغيير أسمائهم على الهوية، فيما اختار آخرون التخلي عن أزيائهم. منهم رازي، وهو هندي الجنسية. يقول لـ "العربي الجديد": "لم أعد أرتدي الزي الهندي حتى لا ينظر إليّ الناس باستهزاء". يضيف أنني "نجحت في الحد من هذه النظرة الاستفزازية نوعاً ما، لكنني لن أستطيع تغيير لون بشرتي حتى يتقبلني الجميع".
أما أسماء، وهي مغربية، فقر قررت خلع حجابها في في مكان عملها. تقول: "قررت ترك الحجاب لأحصل على عمل"، لافتة إلى أن حجابها كان عائقاً أمامها للحصول على وظيفة في أحد المصارف الذي تعمل فيه اليوم. تضيف: "كان هذا الشرط الوحيد لقبولي بعد محاولاتي الكثيرة للحصول على وظيفة في مجال دراستي، والتي استمرت لسنوات".
في السياق، تشير وكالة مكافحة التمييز الألمانية إلى أن هذا الشعور بالعنصرية والتمييز، الذي يعاني منه المهاجرون بشكل يومي، من خلال تعرضهم للشتائم أو الإقصاء وعدم تكافؤ فرص العمل، جعلهم يعانون من ضغط نفسي كبير. ويلفت إلى أنهم صاروا يبحثون عن بدائل علهم يصبحون أكثر قبولاً في المجتمع، وخصوصاً أنهم غالباً ما يشعرون بالإهانة، والتي تكون غير مباشرة في بعض الأحيان.
وعلى الرغم من اعتقاد المهاجرين أن اجتهادهم في البلاد سيجعلهم يتساوون مع الألمان الأصليين، لكن يبقى بعض الألمان الذين يظنون أن هؤلاء المهاجرين لا ينتمون لألمانيا. كما أن إقرار القوانين لمكافحة التمييز والعنصرية لا تكفي للحد من هذه الظاهرة. ولا يكمن الحل في تغيير أسماء المهاجرين أو مظهرهم، بل ارتقاء المجتمع لتغيير الصورة النمطية السلبية التي تسيطر على أذهان هؤلاء الألمان.
اقرأ أيضاً: لاجئو ألمانيا يخشون الانفلات العنصري