عندما نملك معبراً

13 ديسمبر 2015
+ الخط -
أحلامنا، نحن الفلسطينيين، "على قدنا"، بسيطةٌ، تتمثل بإقامة معبر مستقل يتيح لنا حرية السفر، حتى نمارس طقوس المسافرين الذين يحجزون تذاكرهم في لحظة عفوية، قرروا فيها زيارة عواصم مجاورة لأداء مهمة عمل أو نزهةٍ صيفيةٍ أو لاقتناء ماركاتهم المفضلة من متجر عالمي، أو حتى لنكاح امرأة، المهم أن لكل منهم هجرته التي هاجر إليها.
لا يمكننا أن نفعل فعل هؤلاء، كل ما نستطيع القيام به، مسلمين ومسيحيين، أن نصلي حتى يفرج الله محنتنا، ثم إننا نسجل أسماءنا في مخفر مهترئ مخصص للمسافرين، نعبئ استمارات مملة ومقيتة عن حاجتنا للسفر، وتدرج الأسماء ضمن قوائم طويلة تعددت غايتها، لكنها قطعاً ما كانت لترف، إما لتلقي علاج أو لاستكمال دراسة. نحن لا نعرف شيئاً عن السياحة، لأن التفكير في قضاء إجازة سياحية، من دون معبر مستقل، ضرب من الخيال، فقط نعرف السياسة ولا شيء غيرها.
أليس الحصار سياسة، والتجويع سياسة، والحرب وراءها أيضا أهداف سياسية؟ نعرف ذلك كله جيداً، لكن الشيء الوحيد الذي لا نجيد تفسيره إلى الآن: لماذا ليس لدينا معبراً مستقلاً يمكّننا من تحقيق غايتنا في السفر كما يفعل الآخرون؟
لم أكتب لأدافع عن أهداف بعض الأحزاب والفصائل من المناداة بتسليم المعبر ومبررات رفض التسليم من الطرف الآخر، لكني أكتب لأتساءل عن ماهية عدم الاستفادة من القوانين الناظمة للعلاقة بين الدول، فيما يخص الحدود والمعابر؟ وكيف سيؤرخ لهذه الحالة البائسة التي يعانيها الفلسطيني جراء إغلاق معبر يفصل بين قطاع غزة ومصر مدة تزيد عن 100 يوم من دون مراعاة للإنسانية والإشفاق على مريض أو طالب جامعي أو لشخص ثنائي الجنسية، جاء لزيارة أهله في غزة فوقع في فخ الحصار؟
إذا كانت الغاية معاقبة حماس، فلا حاجة، يا سيدي، لأن يعاقب الشعب كله، لأننا الشعب والشعب ليس حماس، واذا كان غاية السلطة أن تمارس سياسة لي ذراع خصمها، فلا حاجة أن تكسروا أذرعنا وسيقاننا، لأن الذين يلدغهم البرد، وينخر في عظامهم على بوابة المعبر ليسوا حماس.
عندما يعلن استثناء فتح المعبر، تحج قوافل المسافرين بعضهم على كراسي متحركة، مثل أموات بعثت من مرقدها، وبعضهم يحمل حقيبته على كتفه، وفيها شهادات القيد الجامعية ورزمة أوراق وأختام لا حصر لها، لا يتقلدون الجيبات الفارهة ولا ينامون محاطين بفرق الحماية الشخصية، هم يتوسدون الحقائب، من دون رأفة مسؤول، بائسون هم، معلقون بين الأمل والأمل.
عندما نملك معبراً، لن تصبح لنا حاجةً في السفر، أما عندما نملك وطناً، فلن نقيم معبراً حتى لا نقتل تباريح الشوق في قلوب الأئِمَّة والقَساوسة بصلاةٍ هادئةٍ لا يقطعها رصاص، لذا لن تصبح لنا دائرة للعلاج في الخارج، ولن نصاب بالدوار على الحاجز، ولن نفزع ولن نجزع من إغلاق البوابات.
عندما يصبح لدينا وطن سنسن قانوناً يحظر استخدام الشبك على النوافذ، لأن لعنة السجون والحصار أصابت أرواحنا بالعفن. أحلامنا "على قدنا" لا تقتلوها بالسياسة، امنحوها تذكرة عبور.

avata
avata
فادي الحسني (فلسطين)
فادي الحسني (فلسطين)