عندما تصبح الصحافة منبراً لجرائم الشرف

03 مارس 2018
+ الخط -

أتاحت الصحافة المعاصرة المنبر لمن لا صوت له، والوثيقة الصوتية أو المرئية أو المقروءة لكل من يملك فكراً ورأياً ورؤية، وأيضاً لمن لا يملك أياً من هذه، فأصبحت مكاناً لكل من ليس له عمل أو شغل يشغله، ولكل طامح إلى الشهرة والتسويق لشخصه أياً كان. 

وفي بادرة جديدة أطلّت الصحافة من منبر مختلف، اتخذه المجرم للتحريض على القتل، وللتشهير والتنكيل، واستعراض فوقيته الذكورية التي تسمح له بارتكاب جريمة "شرف" بحق أم أطفاله.

ما يعطي هذا المشهد بعده الصحافي هو سرعته الخارقة في الانتشار، والتفاعل الآني مع مرتكبه، سواء بالتأييد أو التنديد، وتأكيد المجرم على ضرورة نشر المقطع الصوري لتعمّ الفائدة، ولكي تعتبر النساء السوريات اللواتي خصّهن بالذكر، كي يرتدعن عن أفعالهن المشينة.

المشهد الصحافي تجاه هذه الجريمة يبدو مهلهلاً، فنقل الحادثة يبدو محايداً، وحتى خجولاً في بعض الأحيان. في حين أن مشاهدات المقطع تزداد بعدد الثواني، وتحرض الرعشة العظمى لدى كثيرين، فالدم والجنس وغسل العار، وتطهير الآثام بيد نازفة، تشبه في مضمونها ذبح الخروف في عيد الأضحى، الذي يسيل دمه في مشهد غريزي يدعو للفخر والسعادة.

الآن أصبح بإمكاننا إذاً أن نضحّي بنسائنا من أجل هدف سام نبيل، وأن نسلم أنفسنا للعدالة بصدر عارٍ، وفخر عالٍ. 

الآن يمكن أيضاً للصحافة أن تعلن فشلها في وجه وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب التي تنجح كل يوم في نشر مزيد من الحقد والعنف والسطحية البالية القادمة من سورية وغيرها، وتفشل في إيصال صوت المجزرة الجارية أيضاً في سورية وغيرها.

9BAC13F6-67B4-4BA6-A324-1015B2C63936
زينة قنواتي

صحافية سورية مقيمة في براغ، درست الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق، والصحافة والإعلام في جامعة براغ. عملت في مجال تأليف قصص الأطفال. وحاصلة على شهادة تدريبية في علاج الصدمة.