عمّال عراقيون خسروا يومهم في أزمة كورونا

01 مايو 2020
أصرّ على تحدّي الحجر (أسعد نيازي/ فرانس برس)
+ الخط -

زادت أزمة كورونا الضغوط الاجتماعية التي تثقل العمّال في العراق، علماً أنّ البلاد تعاني أساساً بطالة مقنّعة فيما يُقدَّر فيها عدد العمّال بالأجر اليومي بأكثر من 10 ملايين. وقد تسبّب حظر التجوّل وإجراءات غلق الطرقات في شلل شبه تام في القطاع الخاص الذي يشكل العمّال عموده الفقري. وتشعر شريحة واسعة من العمّال بغبن كبير نتيجة عدم اهتمام الجهات الحكومية بهم واضطرارهم إلى العمل في القطاع الخاص من دون حقوق يضمنها القانون في حين يتعرّضون للاستغلال. لكنّ غلاء المعيشة في البلاد دفع الطبقة الفقيرة التي تضمّ العدد الأكبر من العمّال، إلى البحث عن مداخيل إضافية، وهو ما جعل البسطيات تزداد انتشاراً في شوارع بغداد وأسواقها. ثمّ أتى فيروس كورونا الجديد ليجبر هذه الطبقة على التوقّف عن العمل. ويشكو كثيرون من أنّهم يعيشون ظروفاً سيّئة نتيجة الإجراءات الاحترازية التي فرضتها السلطات لمواجهة الوباء العالمي.

شريف الواسطي واحد من هؤلاء، يقول لـ"العربي الجديد": "صرت وعائلتي نعيش على المساعدات التي يقدّمها خيّرون ومنظمات إنسانية"، مضيفاً أنّه "مع حلول يوم العمّال، أكون قد قضيت شهرَين وأنا عاطل من العمل وغير قادر على تأمين مصدر رزق". ويشير الواسطي إلى أنه "في حال لم تتمكن الجهات الصحية من القضاء على فيروس كورونا في خلال فترة قصيرة، فلن نجد من يستطيع تقديم المساعدة لنا نحن العمّال المتضررين من حظر التجوّل".

وكانت الحكومة العراقية قد اتخذت إجراءات عدّة في محاولات لمنع انتشار فيروس كورونا في البلاد وزيادة عدد الضحايا. وبطبيعة الحال، شملت الإجراءات إغلاق مواقع عمل عدّة بسبب الاختلاط الذي تتطلبه الأعمال وعدم القدرة على المحافظة على التباعد الاجتماعي الذي يضمن عدم انتقال العدوى. بالتالي، أغلقت آلاف المطاعم والمعامل والورش والمحال والمراكز التجارية أبوابها، ليتأثر العمّال بشكل أساسي، خصوصاً أنّ مراكز عمل كثيرة في القطاع الخاص لا تلتزم بتوفير ضمان معيشي للعمّال في حال توقف عملهم.



منطقة الشيخ عمر التي تُعَدّ أهم وأكبر حيّ صناعي في بغداد والتي تشتهر بازدحامها صارت أقرب إلى منطقة مهجورة بسبب منع العمل، في حين كانت في كلّ عام تبتهج في مثل هذا اليوم، الأوّل من مايو/ أيار، إذ يوزّع أرباب العمل الإكراميات والهدايا على العمّال فضلاً عن احتساب هذا اليوم إجازة لهم. سيف كنعان يملك ورشة طلاء سيارات في هذا الحيّ الصناعي، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "سبعة عمّال يعملون في ورشتي، لكنّني نظراً إلى توقّف العمل، لست قادراً على دفع أجورهم". يضيف: "هذا اتفاق بيني وبين عمّالي. الأجر يتقاضونه عند العمل، ولست مسؤولاً عمّا يجري في خارج هذا الإطار". يُذكر أنّ وزارة العمل والشؤون الاجتماعية كانت قد أكدت في بيان سابق لها أنّ مسوّدة قانون التقاعد والضمان الاجتماعي تشمل العاملين في القطاع الخاص، ومن يعملون لصالحهم في مهن خاصة من خلال الاشتراك بقانون التقاعد والضمان الاجتماعي، وكان مقرّراً أن يقدّم القانون إلى مجلس النواب لتشريعه خلال الفصل التشريعي الأول من السنة الحالية.

ونظراً إلى فرص العمل المحدودة، يضطر كثيرون إلى الرضوخ لرغبات أرباب المهن، وإن كانت تخالف القانون. وفي هذا الإطار، يقول مهند زويني الذي تخرّج من كلية الزراعة قبل ستة أعوام لـ"العربي الجديد": "أعمل مذ كنت طالباً جامعياً في مطعم للوجبات السريعة. وأنا لم أتمكّن من الحصول على وظيفة حكومية ولا العمل في تخصصي في منشآت القطاع الخاص". وفي العادة، يحصل زويني على مكافآت في مناسبات سنوية، ومنها يوم العمّال، "لكنّنا لن نحصل عليها اليوم، وهمّنا كله العودة إلى العمل للحصول على أجورنا". زويني وعدد كبير من العمال لا يستفيدون من أيّ ضمان في حال فُصلوا من العمل أو توقّف العمل، فهم يعملون لقاء أجور يومية تُقتطع من رصيدهم في حال اضطرتهم الظروف إلى التغيّب عن العمل سواء لعارض صحي أو مشكلة معينة أو حادثة ما.



بالنسبة إلى محيي الدين نصيف الذي يعمل كرئيس طبّاخين ويحمل شهادة في فنون الطبخ، فإنّ "القطاع الخاص يضع في أولوياته الربح وإن كان من خلال الالتفاف على القانون وحقوق العمّال". لكنّ نصيف يُعدّ نفسه مستثنى في حال مقارنته بزملائه، "إذ إنّ أرباب العمل يوفّرون لأصحاب الكفاءات في مجالهم حقوقاً أكثر من سواهم". وليس هذا فحسب، فنصيف بحسب ما يقوله لـ"العربي الجديد" يفرض شروطه باستمرار، "ومن هذه الشروط عدم اقتطاع أجري اليومي في حال توقّفت عن العمل من دون إرادتي لأيّ سبب كان". يضيف نصيف أنّه "على الرغم من توقّف العمل في مطعمنا مثلما هي الحال في كلّ المطاعم، فأنا أتقاضى أجري، وهذا شرط أضفته إلى عقد العمل. وذلك نظراً إلى أنّني طبّاخ ماهر وأملك خبرة كبيرة في صنع أطباق محلية وعربية وعالمية ولي أسلوبي الخاص الذي جعلني مطلوباً للعمل في أفضل وأشهر مطاعم العراق". ويتابع نصيف: "لا يتطلّب العمل في المطاعم أو مؤسسات القطاع الخاص أن يكون العمّال كلهم مهرة، فالأعمال بمعظمها خدمية أو يمكن إتقانها خلال أيام قليلة. لذلك فإنّ كُثراً من زملائي غير المهرة يخسرون وظائفهم وينضمّون إلى صفوف العاطلين من العمل في حال تعرّض مجال عملهم لمشكلة ما، مثلما يجري اليوم على خلفية فيروس كورونا".