عمّال النظافة وحرّاس الأمن في الكويت... شركات خاصة تتحّكم بالمستخدمين الوافدين

17 أكتوبر 2019
طويلة هي الساعات التي يقضيها في الشارع (العربي الجديد)
+ الخط -

تكثر مشكلات العمّال الوافدين إلى الكويت، لا سيّما الذين يشتغلون في النظافة وكذلك حرّاس الأمن، فالشركات لا ترحمهم وهم مضطرون إلى القبول بشروطها لتأمين قوت عائلاتهم.

ثمّة صعوبات مختلفة يواجهها عمّال النظافة وحراس الأمن في الكويت، نتيجة تحكّم الشركات التي توظّفهم فيها. فهي تجعلهم يعملون ساعات طويلة، فيما تتلاعب برواتبهم وتؤخّرها ولا تسدّدها في بعض الأحيان، تُضاف إلى ذلك مشكلات تتعلّق بتأشيرة السفر والإقامة والتأمين الصحي، على الرغم من المحاولات التي تأتي بها الحكومة الكويتية من أجل وضع حدّ لتلاعب الشركات الخاصة بعمّالها والضغط عليها لإجبارها على دفع رواتبهم ومعاملتهم معاملة إنسانية.

وينفّذ عمّال النظافة في البلاد، ومعظمهم من الجنسية البنغلادشية، إضرابات متكررة على مدار العام، بسبب تخلّف الشركات المشغّلة عن دفع رواتبهم لمدد قد تصل إلى أربعة أشهر وأكثر، علماً أنّ الحكومة الكويتية المتعاقدة مع تلك الشركات تزوّدها بالميزانية الخاصة بالرواتب في موعدها. تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة الكويتية لا توظّف عمّال النظافة مباشرة، بل تتعاقد مع شركات خاصة تقوم هي بتوفير اليد العاملة في تنظيف الشوارع والمرافق والإدارات العامة من وزارات وغيرها. وفي بعض الأحيان، يتعدّى دور العمّال الاهتمام بالنظافة، فنجدهم يقومون بأعمال مختلفة، من قبيل السكرتاريا ونقل الأوراق والمعاملات الرسمية وغير ذلك.

شفيق محمد، عامل نظافة بنغلادشي، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "عمّال النظافة يشتغلون في نوعَين من الشركات، إمّا في الشوارع وإمّا في الوزارات، ولكلّ وظيفة مميزاتها". ويخبر شفيق: "عملت على مدى أربعة أعوام في تنظيف الشوارع، لكنّني تمكّنت من الانتقال للعمل في وزارة الأوقاف، في مكتب مريح. وتقتضي وظيفتي اليوم تنظيف دورات المياه وتقديم الشاي والقهوة للموظفين فقط". ويشكو شفيق من أنّ "أحداً لا يعيش من راتبه الضئيل هنا والذي لا يتجاوز 60 ديناراً كويتياً (نحو 200 دولار أميركي) في أحسن الأحوال، من دون احتساب تكاليف المسكن والمأكل والتنقّل وغيرها"، مضيفاً أنّ "الحلّ الوحيد أمامك في حال كنت عامل نظافة في الشوارع هو التسوّل. أمّا في حال كنت تعمل في مكتب، فالحلّ يكمن في تقديم خدمات أخرى للموظفين، مثل التغطية عليهم في أثناء غيابهم عن العمل، فتحصل على بعض المال الإضافي". يُذكَر أنّ الهيئة العامة للقوى العاملة تعمد إلى حظر العمل عند الظهيرة في فصل الصيف، غير أنّ كثيرين من عمّال النظافة يتحايلون على هذا القرار لكسب أكبر قدر ممكن من المال من التسوّل وهدفهم تأمين احتياجاتهم.




في السياق، يقول عبد العزيز نايف، الموظف في بلدية الكويت، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مصدر الدخل الرئيسي لعمّال النظافة في الشوارع ليس رواتبهم المتدنية بل التسوّل الذي يلجأون إليه يومياً، في أثناء قيامها بمهامهم"، سائلاً: "ماذا تريدهم أن يفعلوا إذا كانت شركاتهم المتعاقدة معنا لا تدفع لهم رواتبهم إلا مرّة واحدة كل أربعة أو خمسة أشهر؟ كيف يمكن لهؤلاء أن يجعلوا أبناءهم يأكلون في بلادهم؟ بالتأكيد سوف يتسوّلون. أمّا موظفو البلدية فمهمّتهم غضّ النظر عنهم والتدخّل للفصل في خصوماتهم". وعن أسباب الخصومات، يوضح عبد العزيز أنّها "تتعلق بمكان التنظيف، إذ إنّ ثمّة أمكنة يزداد فيها ربح العامل نتيجة التسوّل، مثل الأسواق والمواقع القريبة من المساجد. وثمّة حلول نلجأ إليها، مثل جدولة عملهم دورياً في الأماكن المربحة". وبينما تلاحق وزارة الداخلية العمّال المتسوّلين وتعمد إلى إبعادهم على الفور، فإنّ بلدية الكويت، بحسب ما يشرح عبد العزيز، "لا تستطيع اتخاذ إجراءات حاسمة في حقّهم، لأنّها في حاجة إليهم لتنظيف الشوارع والمرافق العامة. والمشكلة تكمن في الجهات الحكومية التي لا تراقب الشركات المتعاقدة معها ولا تجبرها على دفع رواتب عمّالها".

ولا تقتصر المعاناة على عمّال النظافة فحسب، بل تمتد إلى حرّاس الأمن التابعين للشركات الأمنية التي تتعاقد معها الحكومة لحماية بعض المنشآت وتسيير عملها والذين يحملون بمعظمهم الجنسية المصرية. ويشكو هؤلاء من عدم انتظام الشركات في ما يتعلّق بدفع رواتبهم، فيما تطول ساعات عملهم لتصل إلى 15 ساعة يوماً في مقابل رواتب لا يتعدّى بعضها 90 ديناراً (نحو 300 دولار) من دون اشتمال تكاليف المسكن والمأكل. أحمد سيف الحق، واحد منهم، يخبر "العربي الجديد" بأنّه دفع 1000 دينار (نحو 3300 دولار) لأحد السماسرة في مقابل مجيئه إلى الكويت والعمل كحارس أمن، "لكنّني فوجئت بأنّ الراتب متدنّ جداً ولا يكفي لسداد ما اقترضته من مال للتمكّن من الانتقال إلى هنا".

يضيف سيف الحق: "للأسف، فإنّ وظيفة حارس الأمن تُعدّ أدنى وظيفة في الكويت بالنسبة إلى الوافدين إلى جانب وظيفة عامل النظافة، وذلك بسبب الراتب المتدنّي وساعات العمل الطويلة"، لافتاً إلى أنّ "المشكلة لا تُختصَر بذلك، بل تتعدّاها لتشمل الفيزا (تأشيرة الدخول) التي نحملها. فقد أشير فيها إلى أننا لا نستطيع العمل إلا كحرّاس أمن، حتى لو أتيح لنا المجال للحصول على وظيفة أفضل. وفي حالة لجأنا إلى عمل إضافي، فنحن نتعرّض إمّا إلى غرامة أو إلى الإبعاد عن البلاد نهائياً". ويتابع أحمد: "اشتغلت في محل بقالة لمدّة خمسة أشهر، كعمل إضافي، لكنّ الشرطة داهمته في أحد الأيام وراحت تتحقق من أوراقي الثبوتية. وبدلاً من إبعادي، اكتفى الشرطي بفرض غرامة عليّ والحصول على تعهّد منّي بعدم العمل في غير المهنة المشار إليها في تصريح إقامتي".




في السياق، تحاول الهيئة العامة للقوى العاملة مراقبة الشركات التي تتعاقد معها الحكومة الكويتية وإلزامها بدفع رواتب موظفيها عند استحقاقها بالإضافة إلى عدم تشغيلهم في ظروف غير إنسانية، لكنّ تلك الشركات بمعظمها تتحايل على الأنظمة والقوانين وتبتزّ العمّال في حال الشكوى وتهدّدهم بإنهاء إقاماتهم وطردهم إلى خارج البلاد. ويخبر أمين، وهو أحد حرّاس الأمن المصريين، "العربي الجديد"، بأنّ "شركة الحراسة الأمنية التي كنت أعمل فيها، تشغّل أكثر من 600 حارس أمن، وبقيت على مدى ثمانية أشهر لا تصرف رواتب موظفيها. وعندما هدّدنا مسؤول الشركة بالتوجّه إلى القنصلية المصرية وإلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والهيئة العامة للقوى العاملة، هدّدنا بدوره بطردنا من البلاد فوراً كون قانون الكفالة يقف إلى جانبه. بالتالي، علّقنا إضرابنا عن العمل وعدنا إلى أشغالنا ثمّ انتظرنا فترة طويلة قبل حصولنا على رواتبنا".
دلالات