تشهد مدن مصرية انهيارات عديدة لمبانٍ، نتيجة البناء العشوائي وعدم الالتزام بقوانين البناء أو زيادة ارتفاع المباني بلا تراخيص قانونية، إلى جانب الفساد الذي يضرب الإدارات المحلية. ويعيد خبراء في الإسكان أزمة انهيار العقارات القديمة إلى ارتفاع أسعار الشقق والمباني والعقارات التي بات يتحكّم بها محتكرون مقرّبون من النظام الحاكم. وما يفاقم الأمر هو اتّباع وزارة الإسكان نظام المزايدات في توزيع العقارات والأراضي التي غالباً ما يستولي عليها غير مستحقيها، الأمر الذي يدفع ساكني العقارات القديمة إلى التمسك بالإقامة في مبانٍ آيلة للسقوط، هرباً من نار الأسعار.
قبل أيام، لقي مواطنون مصرعهم في انهيار إحدى العمارات السكنية في منطقة الساحل في شبرا. وقد صرّح على الأثر مدير إدارة الدفاع المدني في القاهرة اللواء جمال حلاوة، بأن "القوات تمكنت من انتشال ثماني جثث، من بينهم خمسة أطفال وسيدتان، فيما أصيب آخرون من جراء انهيار عقار قديم في منطقة الساحل، وسط القاهرة". وأرجع مصدر أمني ذلك إلى أن المبنى "قديم ومكوّن من ثلاثة طوابق، وفيه تصدعات حاول صاحبه ترميمها".
ويرجع الخبير في التخطيط ونُظُم المعلومات المهندس سامي فرج أزمة العقارات الآيلة إلى السقوط إلى "البناء العشوائي غير الملتزم بالمواصفات الهندسية، وغياب الإشراف والرقابة من قبل المهندسين المتخصصين على أعمال التصميم والتنفيذ، وانعدام الصيانة الدورية للمباني، وتدهور حالة المرافق، من مياه وصرف صحي، وسوء استخدام العقارات لغير الغرض السكني، بالإضافة إلى إهمال المسؤولين في المحليات للدور المنوط بهم، فضلاً عن التكدّس السكاني في العقارات".
إلى ذلك، بيّنت دراسة من جامعة القاهرة أخيراً أن 90% من عقارات مصر مخالفة وأن 50% منها في حاجة إلى صيانة، ويمكن الحديث عن قنبلة موقوتة ما هي إلا العقارات الآيلة إلى السقوط، التي يبلغ عددها في محافظات الجمهورية مليونَي عقار آيلة إلى السقوط و132 ألف قرار إزالة مجمّدة.
في تقرير صادر عن محافظة القاهرة، حصلت أحياء وسط العاصمة على النصيب الأكبر من قرارات الإزالة مع ألفَين و700 عقار، فيما بلغ إجمالي القرارات في المحافظة ثمانية آلاف و800 عقار، تلتها أحياء المنطقة الجنوبية مع ألفَين و500 عقار في المناطق الشعبية في السيدة زينب والخليفة ومصر القديمة التي تشكّل نسيج القاهرة الشعبية وروحها، ومن ثم ألفا عقار في أحياء المنطقة الشمالية في شبرا والساحل وروض الفرج والزاوية والشرابية وحدائق القبة والزيتون.
وقد أكّدت دراسة لوزارة الإسكان أن الفساد في المحليات هو أبرز أسباب انهيار العقارات، وأن 10% من الثروة العقارية مهددة بالانهيار، و50 مليار دولار مهددة بالضياع، و50% من العقارات لم تجر صيانتها منذ إنشائها، و200 ألف قرار تنكيس وإزالة لم تنفذ بسبب الرشاوى.
وتحتل القاهرة الكبرى المركز الأول في العقارات الآيلة للسقوط، و40% من أحيائها في حاجة ماسة إلى إعادة تجديدها. أما محافظة الإسكندرية، فقد أصدرت 57 ألف قرار إزالة لم تنفّذ، بينما تحتل محافظة أسيوط المرتبة الأولى في عدد المخالفات.
ولفتت الدراسة إلى أن أكثر من 90% من العاملين في الإدارات الهندسية في 27 محافظة و186 مركزاً و92 حياً وفي ألف و411 وحدة محلية و214 مدينة، غير متخصصين. هم من ذوي المؤهلات المتوسطة، ومسؤولون عن قرارات الإزالة وتحصيل رسوم المخالفات.
أما الإحصائيات الصادرة عن وزارة التنمية المحلية، فتظهر أن إجمالي عدد قرارات هدم المباني على مستوى الجمهورية بلغ 111 ألفاً و875 قراراً، نُفّذ 69 ألفاً منها بينما طُعن بـ648 قراراً أمام القضاء. وقد صدرت أحكام نهائية بشأن تسعة آلاف و527 قراراً. وتشمل حالات الخطورة الداهمة ألفاً و838 مبنى، في حين بلغ عدد قرارات الترميم 98 ألفاً و392 قراراً، نُفّذ منها 39 ألفاً و97 قراراً، بنسبة 40% تقريباً.
في السياق ذاته، أحصى تقرير صندوق تطوير العشوائيات 189 مدينة تتضمّن عشوائيات، وقد حُدّدت 304 مناطق غير آمنة، منها 31 منطقة خطيرة يجب هدمها و186 منطقة خطيرة بدرجة أقل، وهي عشش متهالكة، و54 منطقة خطيرة بالدرجة الثالثة.
من جهته، يرى خبير الإنشاءات محمد صلاح أن حلّ هذه الأزمة يستوجب الإسراع في "مشروع الرقم القومي للعقار" الذي تُدوَّن فيه بيانات العقار كلها منذ تاريخ إنشائه، بالإضافة إلى مواصفاته وأعمال الترميم فيه وسجل الصيانة الخاص به، ومعلومات أخرى. وهذا كله واجب توفّره في قاعدة معلومات قومية ضخمة لجميع العقارات على مستوى الجمهورية. يضيف صلاح لـ"العربي الجديد"، أن "تلك القاعدة المعلوماتية تسهّل توجيه فِرق هندسية لمعاينة العقارات وكتابة تقرير فنّي عن حالة كلّ عقار على حِدة وفق الوضع الحالي، ومن ثمّ وضع علامات حمراء على العقارات الخطرة وعلامات صفراء على تلك التي تحتاج إلى الصيانة أو أعمال ترميم، وعلامات خضراء على العقارات الآمنة".
اقرأ أيضاً: تلاميذ مصر إلى مقاعدهم الدراسيّة اليوم