الحديث مع الباحث السوسيولوجي وعضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي اللبناني عماد سماحة يغطي مختلف القضايا الحقوقية والخدماتية، ويدخل في خبايا الحراك الشعبي في لبنان الذي يؤكد أنّه لم يفشل
في الدور السابع لمبنى المقر الرئيسي للحزب الشيوعي اللبناني في بيروت، ما زال أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتور عماد سماحة يعيش أجواء المؤتمر الحادي عشر للحزب الذي عقد الأسبوع قبل الماضي. القاعة نفسها شهدت انتخابه في اللجنة المركزية للحزب مع وجوه جديدة عديدة، من بينها الكثير من الشباب. كما شهدت فوز رفيق دربه المناضل الحقوقي والنقابي حنّا غريب بمنصب الأمين العام للحزب بالتزكية.
بسنواته الثلاث والستين يحمل سماحة الكثير من روح الشباب. هو الذي سلك درب النضال باكراً وشهدت تجربته الأكاديمية محاربة من قبل كلية التربية في الجامعة اللبنانية، التي نال منها الدكتوراه، لكنّه منع من التدريس فيها لأنّه "شيوعي"، كما قيل له. كما منع لفترة من التدريس في معهد العلوم الاجتماعية لأنّ "الطرف المسيطر" كان يعتبره خطأ من "خصومه المباشرين".
تلك المواقف المسبقة والاصطفافات اللبنانية يعرفها سماحة جيداً، خصوصاً مع اتفاق كلّ القوى السياسية المختلفة فجأة ضد النقابات، وهي موضوع أطروحته التي استمر 10 سنوات في إعدادها قبل نشرها عن "دار الفارابي" بعنوان "جدلية الحركة والوعي بين أفراد الحركة النقابية". وكذلك، اتفاق تلك القوى على حقوق الناس.
اقــرأ أيضاً
اتهام
فلماذا لا نرى الناس يتحركون من أجل حقوقهم؟ يعتبر سماحة ذلك "اتهاماً غير دقيق". يتابع أنّنا إذا استعرضنا التاريخ، وجدنا تحركات مستمرة للمواطنين دفاعاً عن حقوقهم ومصالحهم. مع ذلك، يقول: "قد لا يصل كلّ تحرك إلى النجاح، بل غالباً ما يفشل. لكن، هنالك تراكم كمي يتحول لاحقاً إلى نوعي، ويؤدي إلى التغيير الفعلي. وهي عملية قد تستمر عشرات السنين، كما حصل في أعقاب الثورة الفرنسية عام 1789 التي جاءت بالجمهورية، لتحكم بعدها الملكية، ثم انتظرت أكثر من قرن حتى طبقت العلمانية عام 1905".
يمرّ على ثورات وانتفاضات الربيع العربي، يحيّيها جميعها ويشدد على إعجابه بالنموذج التونسي، خصوصاً لجهة تشكيل حكومات ائتلافية تضمّ القوى الإسلامية والعلمانية معاً. يشير إلى أنّ هذا نابع من "دينامية الشعب التونسي. فحتى هذه الحكومة القائمة قد لا تستمر. مع ذلك، فالحراك التونسي سيستمر ويقرر ما يريده".
في لبنان، يستعرض سماحة التحركات المطلبية والحقوقية السابقة طوال عشرين عاماً التي وصلت بنا إلى الحراك الشعبي في صيف 2015 على خلفية أزمة النفايات. يقول إنّ اللبنانيين فقدوا في العقدين الأخيرين الثقة بالسلطة السياسية التي جاءت بعد اتفاق الطائف عام 1989 الذي أعلن إنهاء الحرب الأهلية. كما فقدوا ثقتهم بالأحزاب جميعها.
على هذا الأساس، بدأت منذ سنوات التسعينات تحركات اصطدمت بسلطة رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري القائمة في ظل الوصاية السورية. يقول: "كان هنالك انسجام ومصالح مشتركة ما بين الحريري والسوريين على قمع الحريات في لبنان". يتابع أنّ السنوات الأخيرة شهدت تحركات ذات طابع "متقدم". وهي التي بدأت مع مسيرات "الشعب يريد إسقاط النظام" عام 2011، التي يؤكد أنّ الطابع السياسي لم يغلب عليها، بل تمكنت من استقطاب مشاركين من الفريقين السياسيين المتخاصمين الأساسيين في لبنان، 8 و14 مارس/ آذار. عدة تظاهرات جرت يومها تبدّت خلالها رغبة الناس في بلورة نظام يؤسس الدولة المدنية ودولة الرعاية الاجتماعية، كما يقول.
هيئة التنسيق
أما السنوات التي تلت ذلك، فقد شهدت نزول هيئة التنسيق النقابية إلى الشارع. هي التي رفعت شعارات تصحيح الأجور وإعطاء الموظفين حقوقهم المالية المغيّبة. يذكّر أنّ الحريري ومن بعده فريقه السياسي انقضّوا على الحقوق المكتسبة للقطاع العام وأخضعوا لبنان لشروط البنك الدولي. مع ذلك، ينوّه أنّ الحريري وفريقه ليسا وحدهما المسؤولين عن ذلك بل كلّ الطاقم السياسي في لبنان.
يقول سماحة إنّ هذه التحركات استمرت ثلاث سنوات، وانتهت باتفاق كلّ الطبقة السياسية باختلاف أقطابها على إقصاء هذا النهج الذي كان رمزه الأمين العام الجديد للحزب الشيوعي اللبناني حنّا غريب. كما أقصي وزير العمل السابق شربل نحّاس لدفاعه عن الحدّ الأدنى للأجور. يشير إلى أنّ هدف مثل هذه الإقصاءات هو "تأديب الناس". لم يتأدب الناس في ما يبدو ولم ينكفئوا عن مطالبهم. ففي يوليو/ تموز الماضي بدأ الحراك الشعبي الذي استفاد من كلّ ما سبق، بحسب سماحة، وظهر في موقع أكثر تقدماً من هيئة التنسيق النقابية. وهو الحراك الذي بدأ بعد فشل السلطة في حلّ أزمة النفايات، إلاّ عبر المطامر المضرة بالبيئة. يقول إنّ الحراك الذي انطلق من سبلين (ساحل الشوف إلى الجنوب من بيروت بالقرب من مطمر النفايات الرئيسي) خطط له الشيوعيون في المنطقة، وهم من أطلقوه.
تظاهرة 22 أغسطس/ آب 2015 في وسط بيروت استخدمت فيها السلطة العنف ضد المتظاهرين، وأصيب سماحة خلالها. يؤكد أنّ الجيش اللبناني والأمن الداخلي وشرطة مجلس النواب كلّها ساهمت في قمع المتظاهرين الذين بلغ عددهم نحو 3 آلاف شخص: "لاحقتهم حتى مسافة بعيدة، وأطلقت عليهم قنابل الغاز والرصاص الحي". بعد تلك التظاهرة، اكتسب الحراك زخماً كبيراً، وخلال الأسبوع اللاحق نظمت العديد من الوقفات الاحتجاجية، لتتوج في تظاهرة 29 أغسطس بمشاركة نحو 25 ألف متظاهر.
اقــرأ أيضاً
إزالة حاجز الخوف
كباحث سوسيولوجي، يشير سماحة إلى أنّ مكونات الحراك لم تكن من العمّال فقط: "في البداية غلب على الحراك الطابع الطلابي، بالإضافة إلى العاطلين من العمل، وكذلك أصحاب المهن الحرة كالأطباء والمهندسين. هؤلاء يمكن اعتبارهم من الطبقة المتوسطة، وقد أحصيت ما بين 300 شخص و400 منهم". يتابع: "هذا الأمر يبيّن أنّ تركيبة الطبقة العاملة تتغير، فقد باتت تضمّ الأجراء وأصحاب المهن الحرة وموظفي الدولة".
أما العلامات المميزة للحراك فأبرزها "إزالة حاجز الخوف لدى اللبنانيين، وإعادة إحياء الأمل لدى المواطنين في إمكانية التغيير، وهو ما لم يقتصر على من يعيشون في لبنان فقط، بل المغتربين أيضاً". يدخل سماحة في تفاصيل ويوميات الحراك، فيقول: "كنت من بين الأشخاص الذين كانوا في صلب الحراك. كانت لدينا اجتماعات يومية كقيادات من أجل كلّ خطوة لاحقة. لم يكن لدينا وهم تغيير السلطة، بل توحيد المطالب".
وبخصوص النقاط السلبية في الحراك والتي تبدّت خصوصاً في الانقسامات بين المجموعات، يقول سماحة: "شاب الحراك خلل عدم التنسيق بين المجموعات، والتفرد بالتحركات. صحيح أنّ المبادرات الفردية جيدة، لكنّ التنافس من دون تنسيق سيئ. ليستكمل كلّ ذلك بانسحاب بعض المجموعات منها طلعت ريحتكم معتبرة أنّ اليسار يريد التسلّط على الحراك، وهو تجنٍّ".
مع إشارته إلى أنّ الحراك لم ينتهِ ولو أنّه فقد زخمه شيئاً فشيئاً، يؤكد سماحة أنّهم في صدد المرحلة التالية: "تشكل أخيراً اللقاء النقابي التشاوري الذي يضم التيار النقابي ومنظمات المجتمع المدني. وهذه التحركات ستستمر لأنّ السلطة فشلت. بينما يتلاشى النظام الطائفي شيئاً فشيئاً، أما الرئاسة الأولى فشاغرة، والحكومة هجينة، ومجلس النواب (البرلمان) ممدد. الدولة التي بنيت عام 1943 انتهت ولا أسف عليها. والبدائل موجودة في هذه التحركات. وهي تتجلى أكثر بعد المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي، حيث أعلن الرفيق حنا غريب مهمة نضالية للشيوعيين في توحيد جهود كلّ الحراك الشعبي والمجتمع المدني وكلّ التحركات الشعبية، من أجل تأسيس حركة ديموقراطية شعبية تتولى قيادة النضال في وجه السلطة والنظام القائمين".
في نقد ذاتي، يقول سماحة: "متفائل بنجاح هذه الحركة التي سيستمر عملها طوال سنوات، وسيخطئ الحزب الشيوعي إذا تفرّد بها. نحن حريصون على عدم التفرّد، وإن حصلت بعض التجاوزات يمكن لنا أن نتجاوزها".
يشير إلى نقطة أساسية في التغيير الذي طال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وقيادته في المؤتمر الأخير، وهي أنّه "لا يمكن قيام حركة نقابية متكاملة من دون رافعة سياسية. يفترض أن يشكل الشيوعيون جزءاً من هذه الحركة، ويجب أن تتضمن غير حزبيين، ونقابيين، ومستقلين. أميز هنا بين النقابة غير السياسية التي تسعى إلى رفع الرواتب فقط مثلاً، وبين النقابة المطلوبة وهي التي تعمل على التغيير السياسي ولا تكون في خدمة الأحزاب".
أهم من النيابة
بالانتقال إلى الانتخابات البلدية المرتقبة الشهر الجاري، يعلن سماحة أنّه سيبقى متشككاً حتى اللحظة الأخيرة في إمكانية إجرائها. يؤكد أنّ هذه الانتخابات أهم من النيابية (البرلمانية)، وهو ما يتضح في أوروبا مثلاً. يشير إلى ضرورة تغيير القانون الانتخابي ليصبح من حق المواطن الانتخاب بحسب مكان سكنه، لا بحسب مكان سجله الأساسي كما هو مطبق الآن.
يتابع أنّ الحزب الشيوعي خاض الانتخابات البلدية الأخيرة عام 2010، وحقق نتائج بارزة خصوصاً في جنوب لبنان حيث وصلت نسبة نجاحه إلى 40 في المائة في المناطق التي شارك فيها. أما في هذه الانتخابات فالشيوعيون يشاركون في المدن الكبرى أيضاً بالإضافة إلى القرى.
لا يريد سماحة حتى للحزب الشيوعي أن يتفرّد بالعمل البلدي، بل أن يشترك مع غيره في المجالس: "إذا شكل الحزب الشيوعي لائحة مرشحين من 13 شخصاً لبلدية من 21 عضواً سأقف ضدها. هو أمر لطالما ساد، لكنّه أثبت فشله". ومع تشكيكه بإمكانية إجراء الانتخابات يقول: "حتى لو أجّلوها فهي فرصة مناسبة للحراك الشعبي من أجل النزول مجدداً إلى الشارع والمطالبة بإجرائها. البلديات يفترض أن تتشكل مهما كانت نتائج الانتخابات".
بالعودة إلى المؤتمر الحادي عشر، يؤكد سماحة أنّ الحزب الشيوعي يحترم كلّ قيم الناس الدينية، لكنّه يقف ضدّ التزمتّ أكان دينياً أم غيره. يقول إنّ المطلوب الانفتاح على تطوير الفكر والمفاهيم وعدم اعتبار أيّ نصّ صالحاً لكلّ مكان وزمان. يشير سماحة إلى أنّ الحزب سيكون في مشكلة حقيقية إذا لم يتمكن من استقطاب الشباب، مع أنّه يشير إلى أنّ منظمات الحزب تستقبل طلبات انتساب، كما أنّ الكثير ممن انتخبوا في اللجنة المركزية هم من الشباب الذين شاركوا بفعالية في الحراك الشعبي. كذلك، يؤكد أنّ المؤتمر المقبل بعد ثلاث سنوات ستكتمل الوجوه الشابة فيه.
هي الوجوه التي يعوّل عليها كثيراً من أجل التغيير لا على مستوى الحزب الشيوعي بل على مستوى لبنان ككلّ، خصوصاً مع الانفتاح على مختلف القوى السياسية، وفي بدايتها اليسارية والديمقراطية، وصولاً إلى الإسلامية والمسيحية، من أجل السعي إلى الدولة العلمانية المدنية، دولة الرعاية الاجتماعية.
اقــرأ أيضاً
في الدور السابع لمبنى المقر الرئيسي للحزب الشيوعي اللبناني في بيروت، ما زال أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتور عماد سماحة يعيش أجواء المؤتمر الحادي عشر للحزب الذي عقد الأسبوع قبل الماضي. القاعة نفسها شهدت انتخابه في اللجنة المركزية للحزب مع وجوه جديدة عديدة، من بينها الكثير من الشباب. كما شهدت فوز رفيق دربه المناضل الحقوقي والنقابي حنّا غريب بمنصب الأمين العام للحزب بالتزكية.
بسنواته الثلاث والستين يحمل سماحة الكثير من روح الشباب. هو الذي سلك درب النضال باكراً وشهدت تجربته الأكاديمية محاربة من قبل كلية التربية في الجامعة اللبنانية، التي نال منها الدكتوراه، لكنّه منع من التدريس فيها لأنّه "شيوعي"، كما قيل له. كما منع لفترة من التدريس في معهد العلوم الاجتماعية لأنّ "الطرف المسيطر" كان يعتبره خطأ من "خصومه المباشرين".
تلك المواقف المسبقة والاصطفافات اللبنانية يعرفها سماحة جيداً، خصوصاً مع اتفاق كلّ القوى السياسية المختلفة فجأة ضد النقابات، وهي موضوع أطروحته التي استمر 10 سنوات في إعدادها قبل نشرها عن "دار الفارابي" بعنوان "جدلية الحركة والوعي بين أفراد الحركة النقابية". وكذلك، اتفاق تلك القوى على حقوق الناس.
اتهام
فلماذا لا نرى الناس يتحركون من أجل حقوقهم؟ يعتبر سماحة ذلك "اتهاماً غير دقيق". يتابع أنّنا إذا استعرضنا التاريخ، وجدنا تحركات مستمرة للمواطنين دفاعاً عن حقوقهم ومصالحهم. مع ذلك، يقول: "قد لا يصل كلّ تحرك إلى النجاح، بل غالباً ما يفشل. لكن، هنالك تراكم كمي يتحول لاحقاً إلى نوعي، ويؤدي إلى التغيير الفعلي. وهي عملية قد تستمر عشرات السنين، كما حصل في أعقاب الثورة الفرنسية عام 1789 التي جاءت بالجمهورية، لتحكم بعدها الملكية، ثم انتظرت أكثر من قرن حتى طبقت العلمانية عام 1905".
يمرّ على ثورات وانتفاضات الربيع العربي، يحيّيها جميعها ويشدد على إعجابه بالنموذج التونسي، خصوصاً لجهة تشكيل حكومات ائتلافية تضمّ القوى الإسلامية والعلمانية معاً. يشير إلى أنّ هذا نابع من "دينامية الشعب التونسي. فحتى هذه الحكومة القائمة قد لا تستمر. مع ذلك، فالحراك التونسي سيستمر ويقرر ما يريده".
في لبنان، يستعرض سماحة التحركات المطلبية والحقوقية السابقة طوال عشرين عاماً التي وصلت بنا إلى الحراك الشعبي في صيف 2015 على خلفية أزمة النفايات. يقول إنّ اللبنانيين فقدوا في العقدين الأخيرين الثقة بالسلطة السياسية التي جاءت بعد اتفاق الطائف عام 1989 الذي أعلن إنهاء الحرب الأهلية. كما فقدوا ثقتهم بالأحزاب جميعها.
على هذا الأساس، بدأت منذ سنوات التسعينات تحركات اصطدمت بسلطة رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري القائمة في ظل الوصاية السورية. يقول: "كان هنالك انسجام ومصالح مشتركة ما بين الحريري والسوريين على قمع الحريات في لبنان". يتابع أنّ السنوات الأخيرة شهدت تحركات ذات طابع "متقدم". وهي التي بدأت مع مسيرات "الشعب يريد إسقاط النظام" عام 2011، التي يؤكد أنّ الطابع السياسي لم يغلب عليها، بل تمكنت من استقطاب مشاركين من الفريقين السياسيين المتخاصمين الأساسيين في لبنان، 8 و14 مارس/ آذار. عدة تظاهرات جرت يومها تبدّت خلالها رغبة الناس في بلورة نظام يؤسس الدولة المدنية ودولة الرعاية الاجتماعية، كما يقول.
هيئة التنسيق
أما السنوات التي تلت ذلك، فقد شهدت نزول هيئة التنسيق النقابية إلى الشارع. هي التي رفعت شعارات تصحيح الأجور وإعطاء الموظفين حقوقهم المالية المغيّبة. يذكّر أنّ الحريري ومن بعده فريقه السياسي انقضّوا على الحقوق المكتسبة للقطاع العام وأخضعوا لبنان لشروط البنك الدولي. مع ذلك، ينوّه أنّ الحريري وفريقه ليسا وحدهما المسؤولين عن ذلك بل كلّ الطاقم السياسي في لبنان.
يقول سماحة إنّ هذه التحركات استمرت ثلاث سنوات، وانتهت باتفاق كلّ الطبقة السياسية باختلاف أقطابها على إقصاء هذا النهج الذي كان رمزه الأمين العام الجديد للحزب الشيوعي اللبناني حنّا غريب. كما أقصي وزير العمل السابق شربل نحّاس لدفاعه عن الحدّ الأدنى للأجور. يشير إلى أنّ هدف مثل هذه الإقصاءات هو "تأديب الناس". لم يتأدب الناس في ما يبدو ولم ينكفئوا عن مطالبهم. ففي يوليو/ تموز الماضي بدأ الحراك الشعبي الذي استفاد من كلّ ما سبق، بحسب سماحة، وظهر في موقع أكثر تقدماً من هيئة التنسيق النقابية. وهو الحراك الذي بدأ بعد فشل السلطة في حلّ أزمة النفايات، إلاّ عبر المطامر المضرة بالبيئة. يقول إنّ الحراك الذي انطلق من سبلين (ساحل الشوف إلى الجنوب من بيروت بالقرب من مطمر النفايات الرئيسي) خطط له الشيوعيون في المنطقة، وهم من أطلقوه.
تظاهرة 22 أغسطس/ آب 2015 في وسط بيروت استخدمت فيها السلطة العنف ضد المتظاهرين، وأصيب سماحة خلالها. يؤكد أنّ الجيش اللبناني والأمن الداخلي وشرطة مجلس النواب كلّها ساهمت في قمع المتظاهرين الذين بلغ عددهم نحو 3 آلاف شخص: "لاحقتهم حتى مسافة بعيدة، وأطلقت عليهم قنابل الغاز والرصاص الحي". بعد تلك التظاهرة، اكتسب الحراك زخماً كبيراً، وخلال الأسبوع اللاحق نظمت العديد من الوقفات الاحتجاجية، لتتوج في تظاهرة 29 أغسطس بمشاركة نحو 25 ألف متظاهر.
إزالة حاجز الخوف
كباحث سوسيولوجي، يشير سماحة إلى أنّ مكونات الحراك لم تكن من العمّال فقط: "في البداية غلب على الحراك الطابع الطلابي، بالإضافة إلى العاطلين من العمل، وكذلك أصحاب المهن الحرة كالأطباء والمهندسين. هؤلاء يمكن اعتبارهم من الطبقة المتوسطة، وقد أحصيت ما بين 300 شخص و400 منهم". يتابع: "هذا الأمر يبيّن أنّ تركيبة الطبقة العاملة تتغير، فقد باتت تضمّ الأجراء وأصحاب المهن الحرة وموظفي الدولة".
أما العلامات المميزة للحراك فأبرزها "إزالة حاجز الخوف لدى اللبنانيين، وإعادة إحياء الأمل لدى المواطنين في إمكانية التغيير، وهو ما لم يقتصر على من يعيشون في لبنان فقط، بل المغتربين أيضاً". يدخل سماحة في تفاصيل ويوميات الحراك، فيقول: "كنت من بين الأشخاص الذين كانوا في صلب الحراك. كانت لدينا اجتماعات يومية كقيادات من أجل كلّ خطوة لاحقة. لم يكن لدينا وهم تغيير السلطة، بل توحيد المطالب".
وبخصوص النقاط السلبية في الحراك والتي تبدّت خصوصاً في الانقسامات بين المجموعات، يقول سماحة: "شاب الحراك خلل عدم التنسيق بين المجموعات، والتفرد بالتحركات. صحيح أنّ المبادرات الفردية جيدة، لكنّ التنافس من دون تنسيق سيئ. ليستكمل كلّ ذلك بانسحاب بعض المجموعات منها طلعت ريحتكم معتبرة أنّ اليسار يريد التسلّط على الحراك، وهو تجنٍّ".
مع إشارته إلى أنّ الحراك لم ينتهِ ولو أنّه فقد زخمه شيئاً فشيئاً، يؤكد سماحة أنّهم في صدد المرحلة التالية: "تشكل أخيراً اللقاء النقابي التشاوري الذي يضم التيار النقابي ومنظمات المجتمع المدني. وهذه التحركات ستستمر لأنّ السلطة فشلت. بينما يتلاشى النظام الطائفي شيئاً فشيئاً، أما الرئاسة الأولى فشاغرة، والحكومة هجينة، ومجلس النواب (البرلمان) ممدد. الدولة التي بنيت عام 1943 انتهت ولا أسف عليها. والبدائل موجودة في هذه التحركات. وهي تتجلى أكثر بعد المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي، حيث أعلن الرفيق حنا غريب مهمة نضالية للشيوعيين في توحيد جهود كلّ الحراك الشعبي والمجتمع المدني وكلّ التحركات الشعبية، من أجل تأسيس حركة ديموقراطية شعبية تتولى قيادة النضال في وجه السلطة والنظام القائمين".
في نقد ذاتي، يقول سماحة: "متفائل بنجاح هذه الحركة التي سيستمر عملها طوال سنوات، وسيخطئ الحزب الشيوعي إذا تفرّد بها. نحن حريصون على عدم التفرّد، وإن حصلت بعض التجاوزات يمكن لنا أن نتجاوزها".
يشير إلى نقطة أساسية في التغيير الذي طال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وقيادته في المؤتمر الأخير، وهي أنّه "لا يمكن قيام حركة نقابية متكاملة من دون رافعة سياسية. يفترض أن يشكل الشيوعيون جزءاً من هذه الحركة، ويجب أن تتضمن غير حزبيين، ونقابيين، ومستقلين. أميز هنا بين النقابة غير السياسية التي تسعى إلى رفع الرواتب فقط مثلاً، وبين النقابة المطلوبة وهي التي تعمل على التغيير السياسي ولا تكون في خدمة الأحزاب".
أهم من النيابة
بالانتقال إلى الانتخابات البلدية المرتقبة الشهر الجاري، يعلن سماحة أنّه سيبقى متشككاً حتى اللحظة الأخيرة في إمكانية إجرائها. يؤكد أنّ هذه الانتخابات أهم من النيابية (البرلمانية)، وهو ما يتضح في أوروبا مثلاً. يشير إلى ضرورة تغيير القانون الانتخابي ليصبح من حق المواطن الانتخاب بحسب مكان سكنه، لا بحسب مكان سجله الأساسي كما هو مطبق الآن.
يتابع أنّ الحزب الشيوعي خاض الانتخابات البلدية الأخيرة عام 2010، وحقق نتائج بارزة خصوصاً في جنوب لبنان حيث وصلت نسبة نجاحه إلى 40 في المائة في المناطق التي شارك فيها. أما في هذه الانتخابات فالشيوعيون يشاركون في المدن الكبرى أيضاً بالإضافة إلى القرى.
لا يريد سماحة حتى للحزب الشيوعي أن يتفرّد بالعمل البلدي، بل أن يشترك مع غيره في المجالس: "إذا شكل الحزب الشيوعي لائحة مرشحين من 13 شخصاً لبلدية من 21 عضواً سأقف ضدها. هو أمر لطالما ساد، لكنّه أثبت فشله". ومع تشكيكه بإمكانية إجراء الانتخابات يقول: "حتى لو أجّلوها فهي فرصة مناسبة للحراك الشعبي من أجل النزول مجدداً إلى الشارع والمطالبة بإجرائها. البلديات يفترض أن تتشكل مهما كانت نتائج الانتخابات".
بالعودة إلى المؤتمر الحادي عشر، يؤكد سماحة أنّ الحزب الشيوعي يحترم كلّ قيم الناس الدينية، لكنّه يقف ضدّ التزمتّ أكان دينياً أم غيره. يقول إنّ المطلوب الانفتاح على تطوير الفكر والمفاهيم وعدم اعتبار أيّ نصّ صالحاً لكلّ مكان وزمان. يشير سماحة إلى أنّ الحزب سيكون في مشكلة حقيقية إذا لم يتمكن من استقطاب الشباب، مع أنّه يشير إلى أنّ منظمات الحزب تستقبل طلبات انتساب، كما أنّ الكثير ممن انتخبوا في اللجنة المركزية هم من الشباب الذين شاركوا بفعالية في الحراك الشعبي. كذلك، يؤكد أنّ المؤتمر المقبل بعد ثلاث سنوات ستكتمل الوجوه الشابة فيه.
هي الوجوه التي يعوّل عليها كثيراً من أجل التغيير لا على مستوى الحزب الشيوعي بل على مستوى لبنان ككلّ، خصوصاً مع الانفتاح على مختلف القوى السياسية، وفي بدايتها اليسارية والديمقراطية، وصولاً إلى الإسلامية والمسيحية، من أجل السعي إلى الدولة العلمانية المدنية، دولة الرعاية الاجتماعية.