علّة اسمها الأيديولوجيا في الأدب

03 ديسمبر 2014
عمل عبد الهادي الجزار / مصر
+ الخط -

تأسس الوعي الأدبي اليمني على أرضية سياسية. كثيرٌ من الأدباء كانوا يكتبون للأيديولوجيا، أو منها، وكثيرون كتبوا لأثرها في وعيهم، ولتواطئهم مع الثرثرة السياسية التي تلازم البلد منذ ربع قرن تحت شعار "الديمقراطية الناشئة".

لو سألت شخصاً ما عما يحفظه من قصائد عبد الله البردوني فسيتذكر "أمير النفط"، أو "أبو تمام وعروبة اليوم" من قصائده السياسية؛ وعما يحفظه من قصائد العزيز المقالح فسيردد مقطع "سنظل نحفر في الجدار/ إما فتحنا ثغرةً للنور/ أو متنا على وجه الجدار"، من إحدى قصائد رومانسيته الثورية. المثال نفسه ينسحب على زيد مطيع دماج ومحمد عبد الولي.

الطريف في الأمر، أن عناء عنترة بن شداد هانَ أمره مقارنة بنضال الأدباء اليمنيين. فإن كان قد انتصر لذاته ولرهاناته العاطفية في ملاحمه الأدبية، فإن هؤلاء الأدباء قد حملوا لسنين – وبعضهم ما زال حتى الآن – قضايا وطنية وقومية، وأحياناً أمَميَّة، لا تمت لأشواقهم وتطلعاتهم الشخصية بصلة، لكنهم لولاها لما اعتُرفَ بِهم وذاعَ صيتهم، وحنّطت صورُهم وذكراهم في أرشيف الذاكرة الأدبية والسياسية.

وإذا كانت الأيديولوجيا، قد حدّدت ما يُشاع وما لا يُشاع، وأعطت الشُهرة والجمهور لمن تريد، وعصمتها عمن لا تريد، فإن جريمتها لا تتوقف عند إبطال "مشاريعية" الكاتب، بل تصل حد تشويه مشروعية الأدب ذاته في ذهن المتلقي. فهي بقالبها التراجيدي الشجِن والحالِم صاغت ذائقة قراءٍ كثيرين غدوا يستكثرون قراءة أي عملٍ لا تنتصر فكرته، أو روحه على الأقل، لـ"فضيلة" نضالية ما، أو لا يستدعِي الآلام التي سببتها التعبئة الشعوبية في عصر الشمولية.

يبدو الانعتاق، اليوم، من هذا السجن الكبير، أشبَه بمحاولة مشلول أن يتحرك. وهي محاولةٌ مكروهة، في الوقت الذي أصبحَ الشللُ فيهِ فريضةً مستحبة للتكيُّف. فمن جهة توقفت حاجة الأيديولوجيا إلى الأدب كمسوِّقٍ للأفكار والسياسات، ومن جهة أخرى ما زال الأدب يمارس هواية الترويج لقيمٍ متجمدة، بينما لحظة الأدب تفقدُ حيويتها محلياً.

أذكر هنا، سياسيٌاً يمنياً، وشاعراً حداثياً في الوقت ذاته، سألته مرةً إذا كان يكتبُ أدباً عن القضيَّة، رد: "أكتبُ لأجلي، أما القضية فيكفيها ما قد ضحيت من أجلها، ولن أضحي بأدبي أيضاً!"

بودي الآن، أن أقول له، وأنا لا أرى له مقروءاً أو قرَّاء: ما لم تكتُب شيئاً يستدعي نعرة القهر في صدور قرائكَ المتلهفين إلى عزاء، فأنت لا تكتُب شيئاً ذا بال، سوى أنك تمارسُ رذيلة، وخُذلان جمهورٍ يبحثُ عن مبدعٍ شَهم، يستفزُّ حنينهم لربتِ المواساة وهدهدَةُ ممن يشعر "بألم كل صفعة توجه إلى مظلوم".

دلالات
المساهمون