علي كوشيب... من جرائم دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية

10 يونيو 2020
تظاهرة أمام سفارة السودان في لندن عام 2008(شون كاري/Getty)
+ الخط -
يجد السوداني علي كوشيب، وهو أحد زعماء المليشيات القبلية المعروفة باسم "الجنجويد" في دارفور، نفسه أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بعد 13 عاماً على اتهامه بارتكاب جرائم حرب.

وكوشيب هو واحد من بين أربعة قادة في نظام الرئيس المعزول عمر البشير ممن بدأت المحكمة الجنائية الدولية مطاردتهم منذ العام 2007 على خلفية جرائم حرب في دارفور، أولهم البشير نفسه ووزير دفاعه الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، وآخر مساعديه في القصر الرئاسي أحمد هارون.
وأعلنت المحكمة الجنائية الدولية، الثلاثاء، أن كوشيب سلّم نفسه لمواجهة تهم بارتكاب جرائم حرب على خلفية دوره في النزاع الدامي في إقليم دارفور غرب البلاد، والذي بدأت شرارته في العام 2003.
وذكرت المحكمة في بيان أن "علي كوشيب بات موقوفاً لديها بعدما سلّم نفسه طوعاً في جمهورية أفريقيا الوسطى"، مشيرة إلى أن "أول مثول لكوشيب أمام المحكمة الجنائية الدولية سيحصل في أقرب وقت ممكن".
وبحسب أول مذكرة اتهام من مدعي المحكمة الدولية، فهو يواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في إقليم دارفور وتحديداً مناطق ولاية غرب دارفور، وذلك بالاشتراك مع قيادات محلية وأخرى مركزية.
وصدرت مذكرة الاتهام التي شملت أيضاً وزير الدولة للشؤون الإنسانية أحمد هارون في فبراير/ شباط 2007، وعُززت لاحقاً بأمر توقيف من المحكمة في إبريل/ نيسان من ذات العام بعدما رفضت الخرطوم التعامل مع المحكمة ولم تعترف بها واتهمتها بأنها مسيسة.
وأدى الصراع في إقليم دارفور إلى مقتل أكثر من 250 ألف شخص، وتسبب في تشريد مليونين حسب تقديرات منظمات دولية.
ولد كوشيب في منطقة رهيد البردي بولاية جنوب دارفور على بعد نحو 400 كيلومتر من نيالا مركز الولاية. وليس هناك تاريخ مؤكد لولادته، لكن مصادر "العربي الجديد" قدّرت أنه ولد بين نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، وعاش كوشيب بولاية جنوب دارفور قبل أن يلتحق بالشرطة ويعمل فيها مساعداً طبياً، ثم تقاعد منها في نهاية التسعينيات ليفتتح عيادة خاصة بمنطقة وادي صالح بولاية غرب دارفور حيث لا يتوفر أطباء.
حين اندلع الصراع في دارفور في العام 2003، استدعى نظام البشير أفراد القبائل لمواجهة التمرد، فكان خيار كوشيب الالتحاق بقوات الدفاع الشعبي، وهي قوات تضم مدنيين، وبسبب خبرته العسكرية والأمنية السابقة فقد مُنح كوشيب لقب "أمير" تحت قياداته مجموعات من قبائل مختلفة. وبدعم من السلطات المحلية تم تجنيد وتسليح المزيد من أفراد القبائل في مجموعته، ليتم إطلاق اسم "الجنجويد" على تلك المجموعات والمليشيات حيث ساءت سمعتها محلياً ودولياً.
وخلال الفترة بين عامي 2003 و2004، ارتكبت تلك المجموعات تصفيات جماعية وعمليات سلب ونهب واغتصاب، تقول المنظمات الدولية إنها استهدفت بشكل خاص المجموعات غير العربية في دارفور، ولا سيما من قبائل الفور والزغاواة والمساليت. ومن بين الحوادث التي وقعت، واحدة في منطقة دليج بغرب دافور، وهي التي اتهم فيها كوشيب بارتكاب مجازر وتصفيات، توصلت إلى حقيقتها لجنة تحقيق دولية وبموجبها صدر الاتهام بحقه بواسطة المحكمة الدولية في العام 2007. ومعها اتهامات أخرى بالتصفية الجسدية، والهجوم على قرى ضمن سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها الحكومة.

ولم يظهر كوشيب في الإعلام بعد صدور الاتهام إلا نادراً، وظل يتجول تحت حراسة مشددة في غرب دارفور، وتعرض لمحاولة اغتيال في العام 2013 بمدينة نيالا، حين أُصيب بعد إطلاق الرصاص عليه من قبل شخص لم تُعرف دوافعه بسبب وفاته متأثراً بجروحه في الحادث، ولم تظهر نتائج التحقيق المتعلقة بالواقعة، فيما يرجح مراقبون أن يكون للحادث دوافع قبلية بعد أن تورط كوشيب في صراع قبلي حينها، وبعدها شدد كوشيب الحراسة على نفسه.

ومع سقوط نظام البشير في إبريل/ نيسان من العام الماضي، بات وضع المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية غامضاً، وأوقف 3 منهم في سجن كوبر بالخرطوم، وهم عمر البشير وأحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين، بينما ظل كوشيب حراً، غير أن اتفاقاً في جوبا بين الحكومة والحركات المسلحة في فبراير الماضي نص على ضرورة مثول المطلوبين للمحكمة الجنائية أمامها تحقيقاً للعدالة وعدم إفلات المتورطين في جرائم دارفور من العقاب، فكان الخيار الوحيد أمام كوشيب في مارس الماضي، هو الهروب إلى دولة أفريقيا الوسطى بعتاده العسكري حيث توقع المساندة من قبائل أخرى.
لكنه وجد نفسه وحيداً مطارداً، فقرر في حالة يأس تسليم نفسه للمحكمة الجنائية بمساعدة من بعثة الأمم المتحدة، ولا يُعرف على وجه التحديد ما يفكر فيه المتهم، وهل أراد أن يتحول لشاهد ملك يدلي بكل الحقائق من أجل التخفيف عليه في الحكم، أم أنه وصل إلى اليأس المطلق.

ويُرجح الصحافي المهتم بتغطية ملف دارفور، آدم مهدي، أن كوشيب يرغب بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية للحصول على مكاسب وربما تخفيف الأحكام عليه، بسبب كثرة الجرائم المتهم بها، مشيراً إلى أن الخطوة قد تعزز الاتهامات ضد المطلوبين الآخرين، أو قد تأتي بأسماء جديدة متورطة معه.
وقال مهدي لـ"العربي الجديد" إن تسليم كوشيب لنفسه قد يؤدي لتقليل أو تلاشي فرضية المواجهات التي قد تحدث في حال قيام الحكومة الانتقالية بتسليمه كرهاً للمحكمة الجنائية، وذلك في ظل الاصطفاف القبلي في إقليم دارفور، مبيناً أن الرجل اكتشف خطأ هروبه إلى أفريقيا الوسطى فقام بتسليم نفسه.
وتوقع مهدي أن تكون دفوعات كوشيب أمام المحكمة قائمة على أنه كان بلا رتبة عسكرية رسمية ولا منصب سياسي، وأنه ظل ينفذ أوامر القادة السياسيين والعسكريين.
المساهمون