11 نوفمبر 2024
على عتبة سيدنا الخضر
قلت لصديقتي الفيرا التي شاركتني اللحظة الفاتنة المباغتة بتأثر بالغ، ونحن نهبط الدرجات، ونتأمل في أبنية مدينتنا الصفراء العتيقة البديعة، حيث يجاور المسجد الكنيسة بتناغم وانسجام تام، عائدتين لتونا من زيارة مقام سيدنا الخضر، المعروف بمار جرجس، شفيع المرضى والحزانى والمتعبين، وصولا إلى سيارة زوجها عضو مجلس النواب الأردني عن المقعد المسيحي في مدينة السلط، الصديق جمال قموه، وهو الذي صلى ذات زيارة إلى فلسطين في المسجد الأقصى، بعد أن توضأ مصطفا مع الزملاء الذين أدهشهم إتقانه الصلاة على أصولها. قلت لها، وقد غمرتني مشاعر السعادة التي باتت طارئة في زمننا الموحش هذا: إنه حقا مشهدٌ بديع بليغ يفرح القلب ويبعث الأمل، وهو على بساطته كفيلٌ بدحر الخوف المستقر في النفوس غير المطمئنة، المستريبة بشأن ما يخبئه الغد في هذه البقعة الملتبسة المؤسفة التي تضم كل التناقضات، بقعة مظلمة لا ضوء فيها، وقد باتت ملطخة بالسواد والكراهية والبغض والعنف والغضب والسخط والظلم والفساد مقدمات خطيرة راهنة سوف تتحمل أجيال قادمة عاثرة تبعاتها غير الواعدة المنذرة بالخراب والهلاك.
لولا احترامي خصوصية اللحظة الشفافة غير المتكلفة الضاجّة بالجمال المجرّد، ومهابتها، كنت أود لو استطيع التقاط صورة السيدتين الخاشعتين وتعميمها على أوسع نطاق، درسا عمليا مجانيا في المحبة والتسامح، يتجاوز فكرة القبول بالآخر إلى احترامه ومحبته، بل ومشاركته طقس الحب الإلهي، بصرف النظر عن شكل الطريق الذي قرّر أن يسلكه، وصولا إلى الخالق العظيم.
حدث ذلك المشهد بشكل طبيعي، يشبة شرب الماء عند العطش المفترض أن لا يثير أي مشاعر، لفرط عاديته، لكن الطاقة الإيجابية في المقام المشيد فوق صخرة، والذي تلمس قوة تأثيره، حال وضع قدمك على عتبته، يحرّضك على الانتباه، فتستكين نفسك المتعبة، ويغمرك إحساس فريد بالأمان والطمأنينة والرضا واليقين. يقوم على الاعتناء بالمقام ناسكٌ قبطيٌّ اتخذ من المقام مستقرا له، يوزّع الشمع بصمت على زوار المقام الكثيرين، ويشير إلى قصاصات ورق صغيرة جاهزة لمن يريد أن يطلب شفاعة الخضر، يكتب الزائر حاجته، ويضعها في المغارة المضيئة إلى جانب بقية قصاصات الترجّي والدعاء، يمسح وجهه بالزيت المقدّس، يغادر مغمورا بالإيمان والأمل والرجاء.
فردت السيدة المسلمة سجادة الصلاة في المسافة الفاصلة بين مقاعد الكنيسة الخشبية، فيما صوت التراتيل الكنسية يملأ الأرجاء، فيضفي على المكان سحراً وغموضا. أدت صلاتها بخشوع، رفعت كفيها إلى السماء بالدعاء وطلب المغفرة. بجانبها تماما، جثت السيدة المسيحية على ركبتيها، سالت دموعها غزيرةً على وجنتيها، وهي تتلو صلاتها بصوتٍ خافتٍ، امتزج ذلك بصوت الجارة تردّد بهمس ما تيسّر من قصار السور في مشهدٍ أخّاذ، لن ينجح أي مخرج سينمائي، مهما بلغت عبقريته، في تجسيد مقدار الطاقة الروحية الهائلة الذي انبعث منه، ما يجدّد اليقين بأن على هذه الأرض ما يستحق الفرح.
غادرت السيدتان إلى شأنيهما. ربما كانتا ستنهمكان بعد قليل في لفّ ورق العنب، لإطعام الصغار والثرثرة في قصص الحارة والجيران. غادرت السيدتان، تساند إحداهما الأخرى، غافلتتين بالمطلق عن السحر الذي خلفتاه وراءهما في لحظة تضامنٍ إنسانية فطرية، ليس له أي علاقةٍ بالتنظير المتعلق بالهراء الرسمي حول ضرورة وأهمية فكرة حوار الأديان التي ترصد لها الميزانيات الضخمة، وتقام لها المؤتمرات والندوات والأبحاث والدراسات الرتيبة الجافة التي لم تحل حتى اللحظة دون توقف مسلسل الجوْر والعدوان الذي يمارسه قتلةٌ مجرمون مأجورن، اتخذوا من القتل المجاني العبثي مهنةً ضاقت صدورهم، وصغرت عقولهم، وتحجرت قلوبهم، وأقدموا بدم بارد، وعلى مشارف شهر التوبة والعبادة والمغفرة، على إزهاق أرواح غضّة طرية لصغار المنيا من الأقباط المسالمين في مصر المغدورة، اغتيلت أرواحهم ظلما وعدوانا. لملمت الأمهات أشلاء صغارهن المبعثرة أمام أعين الكاميرات في ظل سؤال فادح: بأي ذنبٍ قتلنا؟ فيما الوطن العربي غير الكبير منهمك في تبادل التهاني الجاهزة بالشهر الفضيل.
لولا احترامي خصوصية اللحظة الشفافة غير المتكلفة الضاجّة بالجمال المجرّد، ومهابتها، كنت أود لو استطيع التقاط صورة السيدتين الخاشعتين وتعميمها على أوسع نطاق، درسا عمليا مجانيا في المحبة والتسامح، يتجاوز فكرة القبول بالآخر إلى احترامه ومحبته، بل ومشاركته طقس الحب الإلهي، بصرف النظر عن شكل الطريق الذي قرّر أن يسلكه، وصولا إلى الخالق العظيم.
حدث ذلك المشهد بشكل طبيعي، يشبة شرب الماء عند العطش المفترض أن لا يثير أي مشاعر، لفرط عاديته، لكن الطاقة الإيجابية في المقام المشيد فوق صخرة، والذي تلمس قوة تأثيره، حال وضع قدمك على عتبته، يحرّضك على الانتباه، فتستكين نفسك المتعبة، ويغمرك إحساس فريد بالأمان والطمأنينة والرضا واليقين. يقوم على الاعتناء بالمقام ناسكٌ قبطيٌّ اتخذ من المقام مستقرا له، يوزّع الشمع بصمت على زوار المقام الكثيرين، ويشير إلى قصاصات ورق صغيرة جاهزة لمن يريد أن يطلب شفاعة الخضر، يكتب الزائر حاجته، ويضعها في المغارة المضيئة إلى جانب بقية قصاصات الترجّي والدعاء، يمسح وجهه بالزيت المقدّس، يغادر مغمورا بالإيمان والأمل والرجاء.
فردت السيدة المسلمة سجادة الصلاة في المسافة الفاصلة بين مقاعد الكنيسة الخشبية، فيما صوت التراتيل الكنسية يملأ الأرجاء، فيضفي على المكان سحراً وغموضا. أدت صلاتها بخشوع، رفعت كفيها إلى السماء بالدعاء وطلب المغفرة. بجانبها تماما، جثت السيدة المسيحية على ركبتيها، سالت دموعها غزيرةً على وجنتيها، وهي تتلو صلاتها بصوتٍ خافتٍ، امتزج ذلك بصوت الجارة تردّد بهمس ما تيسّر من قصار السور في مشهدٍ أخّاذ، لن ينجح أي مخرج سينمائي، مهما بلغت عبقريته، في تجسيد مقدار الطاقة الروحية الهائلة الذي انبعث منه، ما يجدّد اليقين بأن على هذه الأرض ما يستحق الفرح.
غادرت السيدتان إلى شأنيهما. ربما كانتا ستنهمكان بعد قليل في لفّ ورق العنب، لإطعام الصغار والثرثرة في قصص الحارة والجيران. غادرت السيدتان، تساند إحداهما الأخرى، غافلتتين بالمطلق عن السحر الذي خلفتاه وراءهما في لحظة تضامنٍ إنسانية فطرية، ليس له أي علاقةٍ بالتنظير المتعلق بالهراء الرسمي حول ضرورة وأهمية فكرة حوار الأديان التي ترصد لها الميزانيات الضخمة، وتقام لها المؤتمرات والندوات والأبحاث والدراسات الرتيبة الجافة التي لم تحل حتى اللحظة دون توقف مسلسل الجوْر والعدوان الذي يمارسه قتلةٌ مجرمون مأجورن، اتخذوا من القتل المجاني العبثي مهنةً ضاقت صدورهم، وصغرت عقولهم، وتحجرت قلوبهم، وأقدموا بدم بارد، وعلى مشارف شهر التوبة والعبادة والمغفرة، على إزهاق أرواح غضّة طرية لصغار المنيا من الأقباط المسالمين في مصر المغدورة، اغتيلت أرواحهم ظلما وعدوانا. لملمت الأمهات أشلاء صغارهن المبعثرة أمام أعين الكاميرات في ظل سؤال فادح: بأي ذنبٍ قتلنا؟ فيما الوطن العربي غير الكبير منهمك في تبادل التهاني الجاهزة بالشهر الفضيل.