على خطى دلال

21 أكتوبر 2015

نزار قباني: دلال المغربي أقامت الجمهورية الفلسطينية

+ الخط -

ما إن بدأت أحداث انتفاضة القدس، وظهرت النساء في الميدان، حتى تعالت الأصوات المستنكرة خروج "البنات" مع الشبان لمقارعة العدو، وذلك في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وبرر المحتجون اعتراضهم بأسباب دينية واجتماعية، حتى وصلت إلى حد السخرية والتقليل من قدرات "الصبايا"، فقد تهكم أحدهم أن مرمى حجارتهن يبْلغ الشباب الفلسطيني، ولا يصيب الجنود الإسرائيليين، وأنهن يفعلن ذلك، لكي يلتقطن صور "السيلفي". وقد نسي هذا، وهو يمسك بهاتفه النقال، لينشر هذا المنشور المسموم أنهن يواجهن آلة موت عمياء، لا تفرّق بين رجل وامرأة.

من ينكر دور المرأة في الكفاح لم يشهد انتفاضة الحجارة، مثلاً، وربما يكون عدم توفر التغطية الإعلامية المتطورة حالياً التي تلاحق الأحداث لحظة بلحظة السبب الأول في استغراب وجود المرأة الفلسطينية على ساحة الجهاد، فهي ترابط في المسجد الأقصى، وتقذف الجنود بالحجارة.

 والحقيقة أن المرأة الفلسطينية كانت تقوم بدور مهم من وراء الكواليس، في بداية انتفاضة الحجارة، هو تخليص شباب الحارة وأطفالها من بين أيدي الجنود الإسرائيليين، حين تهاجم الجارة البدينة الطيبة هؤلاء، وقد غطت رأسها على عجل بمنشفة المطبخ، وتسحب ابن جارتها من بين أيديهم. ولم يتردد الجنود في إطلاق سراح الطفل، والعودة إلى مركباتهم على مدخل المخيم، لأن هذه الجارة سوف تستغيث بأخرياتٍ مثلها، لا طاقة لهم بمواجهة عويلها، ولا مغرفتها النحاسية، خصوصاً أن الأوامر لم تكن قد صدرت لهم بضرب النساء واعتقالهن وإطلاق النار عليهن. ولكن، سرعان ما استشعرت إسرائيل خطر النساء، وبدأت تتخذ إجراءات قمعية ضدهن، من ضرب وقتل واعتقال، حتى أصبح ثلث شهداء انتفاضة الحجارة من النساء. وفي الانتفاضة الثانية، نفذت النساء 27 عملية فدائية في عمق أراضي العدو.

من باب الجهل بتاريخ الثورة الفلسطينية، تتعالى هذه الأصوات التي تطالب بعودة النساء إلى بيوتهن، واحتشام البنات في لباسهن، قبل الخروج إلى المظاهرات، إن أردن ذلك. في تحفظ وتحيز يدعوني إلى توجيه دعوةٍ لهؤلاء، إلى فتح كتب التاريخ وقراءة سيرة عروس فلسطين التي قامت بعملية الساحل، دلال المغربي، والتي لم يُجد التاريخ الفلسطيني بمثلها، وقد طلبت من شقيقتها رشيدة، في الليلة الأخيرة قبل أن تغادر إلى فلسطين، أن تشذب لها حاجبيها، لكي تبدو في كامل زينتها. وحين استشهدت دلال برصاصة فوق عينها اليسرى، سحب إيهود باراك الجثة من شعرها، وهو لا يصدق أن هذه الفتاة العشرينية قد اختطفت حافلة إسرائيلية، وتسببت في قتل إسرائيليين. ولازالت إسرائيل تتحفظ على مكان رفاتها، بسبب حقدها على هذه الفدائية التي وهبت حياتها لوطنها، وهي لم تسلك طريق النضال الميداني أولاً، ولكن قبل ذلك انضمت متطوعة في مستشفى القدس في بيروت. وقد كتب عنها نزار قباني أن دلال أقامت الجمهورية الفلسطينية، حين رفعت علم فلسطين في عمق الأرض المحتلة، وعلى طريق طوله 95 كلم في الخط الرئيس في فلسطين.

ثمة إجماع بين المحللين الإسرائيليين والفلسطينيين على أن مشاركة المرأة في هذه الانتفاضة مختلفة، وإن كان الربيع العربي في الدول المجاورة قدم نماذج مشجعة للفلسطينيات، إلا أن كونهن مثقفات وذوات وعي سياسي، فهذا ما يسأل عن دوافعه أوهاد حمو، مراسل القناة الثانية الإسرائيلية، ما يعني جهله بالتاريخ الإسلامي ومشاركة الصحابيات في الجهاد.

شاهدت على أحد جوانب شارع رئيس في غزة أطفالاً خرجوا من روضتهم، وتحت إشراف معلماتهم في تظاهرة صغيرة تأييداً للأقصى. ولمحت مشهداً رسم شبح ابتسامة على طرف فمي، فقد كانت طفلة شقراء تمسك بيد طفل في سنها، لكنها تبدو أكثر شجاعة منه، حيث تقدمته عند اجتياز الطريق، لكن كليهما كان يردد عبارة واحدة: على القدس رايحين، شهداء بالملايين.

رأيتهما يكبران، وبينهما قصة حب دافئة تكبر، وتتحدى كل شيء، لأن ما جمعهما كان تظاهرة صغيرة من أجل القدس.

 

 

 

 

 

 

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.