وكانت "لجنة فلسطين"، وعدد من المؤسسات والجمعيات الهولندية، قد شاركت بكثافة في هذا الحشد المائي، ومن بينها "نساء متشحات بالسواد"، وهي رابطة تضمّ نساء استمروا في التظاهر لسنوات عديدة ضد دولة الاحتلال.
وقالت المسؤولة المؤسِّسة لتلك المنظمة النسوية، ليليا (80 سنة)، إنها ورغم كونها "يهودية بالولادة"، فهي "ترفض رفضًا قاطعًا وجود هذه الدولة الصهيونية"، مضيفة: "لقد أجبرت هذه الدولة المزعومة بعض اليهود، بترهيبهم وتهديدهم، لجلبهم إلى فلسطين وسرقة الأرض من الفلسطينيين وتحويلهم إلى لاجئين. أختي كانت صغيرة قبل 70 سنة، وجرى أخذها إلى هناك، ولم أزرها سوى مرة واحدة، وهي تتفق معي بعد كل هذا العمر بأنها دولة استعمارية سرقت فلسطين ولا شرعية لوجودها".
وحضر هذه الفعالية مواطنون هولنديون متأثرون "بجرائم دولة تدعي دولتنا أنها حليفة لها، وهؤلاء الذين قتلتهم على حدود غزة حديثًا ليسوا مجرد أرقام كما يشير إليهم إعلامنا المتأثر بالرواية الصهيونية، حين يضطر إلى نقل الأخيار" بحسب ما قال ماتياس (40 سنة)، الذي حضر بصحبة زوجته إيزابيلا، وهما يرفعان ملصقات تحتوي صورًا وأسماء من قتلهم جيش الاحتلال في الفترة الأخيرة. وقالت إيزابيلا: "قمت وزوجي بطباعة هذه الملصقات، وتجميع صور هؤلاء الضحايا، لكي نقول للهولنديين بأن من تساندهم حكومتنا بتصدير السلاح والتعاون الاقتصادي التفضيلي دولة قاتلة".
وحظي المتظاهرون على متن القوارب، التي جابت المياه لأكثر من ساعتين، باهتمام كثيف من الشارع الهولندي، إذ وقف بعض المارة يصور ويرفع كفيه مؤيدًا، وبعضهم صرخ "الحرية لفلسطين" وهو يمرّ عبر الجسور، وآخرون طالبوا بأن تتوقف الحكومة الهولندية عن دعم الاحتلال، منادين بالاعتراف بدولة فلسطين، وحاملين شعارات وصفها بعض الفلسطينيي بأنهان "لو أنها رفعت قبل أعوام لشكلت مشكلة كبيرة لأصحابها"؛ فهؤلاء لم تثنهم الاتهامات المسلطة عليهم بـ"معاداة السامية" عن رفع صوتهم منادين بتفكيك دولة إسرائيل ونزع شرعيتها.
عدد كبير من جيل "محاربة نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا" شارك بفعالية في هذه النشاطات التي تترافق مع رسو أسطول الحرية. وأكد أحدهم، وهو يرفع ملصقات داعية لمقاطعة شاملة لإسرائيل، بأن "ما جنيناه في مرحلة تفكيك النظام العنصري في جنوب أفريقيا سيأتي يوم لينطبق على فلسطين، وهو الأمر الذي يتزايد مع الوقت". وحملت اليافطات الكبيرة دعوات صريحة للمقاطعة الشاملة، أسوة بما فعله العالم مع دولة الأبرتهايد في ذلك الزمن.
وبالرغم من تضايق المشاركين من محاولات "التأثير الأمني والسياسي للحركة الصهيونية في أمستردام لثنيهم عن رفع بعض الشعارات"، إلا أننا استطاعوا التغلب على كل المعيقات، معتبرين أن "ما جرى اليوم يعتبر متقدمًا جدًا في مجال التعريف بالقضية الفلسطينية"، بحسب ما تذكر لـ"العربي الجديد" عضو "لجنة فلسطين"، يوسوفينا.
ومن الملاحظ في أمستردام بأن الوعي تجاه "النفوذ اليهودي"، المؤيد لدولة الاحتلال، هو الطاغي عند الحديث مع هؤلاء المتضامنين مع القضية الفلسطينية، ومن بينهم صحافيون وأساتذة جامعات متقاعدون ويهود ضد الصهيونية، ممن يرون بأن فلسطين كلها للفلسطينيين. تقول ليليا بشكل واضح: "في هولندا لدينا تأثير صهيوني تاريخي، ارتبط بطبيعة المجتمع الأنغلوسكسوني الذي رأى في دولة إسرائيل امتدادا له، فيما الشعور بالذنب هو الذي لعبت عليه إسرائيل لإبقاء ضغطها ونفوذها، عبر استخدام الهولوكوست كدعاية للتأثير على التفكير العام".
وترى ليليا بأن البروباغاندا الصهيونية في هولندا، وبين اليهود، "تلعب دورًا كبيرًا في جذب من تسوق لهم خرافة أن العرب سيلقون بهم (اليهود) في البحر، وبعض اليهود في هولندا يخشى أيضًا أن يرفع صوته أو يهتف عاليًا بهتاف الحرية لفلسطين، رغم رفضهم لدولة الاحتلال، لأسباب تتعلق بتركيبة ونفوذ مؤيدي إسرائيل في هولندا".
يذكر أن "أسطول الحرية"، الذي أقيمت هذه الفعالية لتوديعه قبل استكمال طريقه إلى جيرسي البريطانية لكسر حصار غزة، سيغادر أمستردام، فجر الأحد، بعد أن استكملت القافلة تبادل النشطاء، ليتحولوا إلى نشطاء على الأرض، مع صعود نشطاء جدد ليستكملوا دربهم عبر البحار، على أن تلتقي المجموعات في أحد موانئ البحر المتوسط في فعالية قبل الانطلاق إلى الهدف النهائي لكسر الحصار على غزة.
وتعتبر هذه الفعاليات، التي تجري في كل مدينة أو ميناء تصله قافلة أسطول الحرية، "نصف المهمة لإثارة انتباه وبث توعية بالقضية الفلسطينية وبقطاع غزة المحاصر"، بحسب ما تقول المشرفة على الرحلة، زهور ريجيف، وهي ناشطة يهودية إسبانية تؤمن بأن لا شرعية لوجود دولة الاحتلال. وتضيف ريجيف، لـ"العربي الجديد": "نحن نرى المزيد من الناس الذين يرغبون بمعرفة المزيد، وخصوصًا بالتزامن مع كل الأخبار القادمة من هناك عن عنف دولة الاحتلال؛ حتى خالتي ليئورا المترددة والمرعوبة من فكرة (رمي اليهود في البحر) تراها اليوم تصعد إلى تلك المراكب وتحت علم فلسطين".
وفي المجمل، يبدو أن هدف النشطاء والمتضامنين الدوليين في إثارة الأسئلة والانتباه، حتى في المدينة التي تعتبر قلعة الحركات الصهيونية، أمستردام، "حققت الكثير مما هدفنا إليه، وخصوصًا مع ارتفاع أصوات محلية، سياسية، تطالب بضرورة انتهاج سياسة مقاطعة، ولو من خلال الالتزام بالتدقيق الأوروبي لمنتجات المستعمرات، رغم كل محاولات تجريم حركة المقاطعة (بي دي إس)"، وفقًا لما يقوله الباحث المتخصص في انتهاكات حقوق الإنسان، بيبن براندون، في حديثه مع "العربي الجديد"، رافضًا كل تهم "معاداة السامية التي أصبحت مسلطة على رأس كل باحث أو منتقد لسياسات الاحتلال"، قائلًا: "هذا لن يقبل في بلدنا، بفضل وجود أحزاب سياسية ترفض الرضوخ لتوجهات اللوبي الصهيوني".