علاقات "ذكيّة"

09 نوفمبر 2015
(Getty)
+ الخط -
يرتفع صوت رنّة مختلفة من الهاتف الخلوي كلما وصلت رسالة نصية جديدة عبر أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي. يترك الحلاّق الشاب الزبون معلقاً ويبتعد عنه ليردّ على الرسائل، فقد سبق وأن بلّل ذقنه برغوة الصابون إيذاناً بحلاقتها. يتناول هاتفه الخلوي. ينظر إليه، يضغط عليه عدة مرات، ومن ثم يعيده إلى مكانه على المنضدة قرب عدّة الحلاقة. وكلما جفّت ذقن الزبون أعاد ترطيبها بالصابون.

سيظلّ هذا الأمر يتكرر إلى أن يغضب الزبون وينهر الحلاق الذي يكتفي بالابتسام. يقول الحلاق إنه يتواصل مع زبائنه عبر الهاتف الذكي، لذلك ليس من الممكن التخلي عن الردّ. يقول إن "المصلحة تعتمد على المواعيد"، ثم ينفض المنشفة ويتوجّه نحو الزبون: نعيماً.

***
السير بطيء وسائق الأجرة غاضب، كما أنه يبدو متوتراً. كل بضعة دقائق يتناول هاتفه الخلوي، يتصفّح شاشته، ينقر على صفحة أو صفحتين، ومن ثم يعيده إلى مكانه قرب أشرطة الكاسيت العتيقة.

سائق الأجرة في منتصف الستينات أو آخرها، ويبدو بحسب طريقة تصفّحه للشاشة أنه دخل العالم الافتراضي حديثاً. أسّس صفحة شخصية له على "فيسبوك". يقول إنه صار ناشطاً عليها، لكنه لا يعرف عدد أصدقائه بالضبط. وسائق الأجرة يستفيد من تطبيقات الأخبار "للاحتياط". والاحتياط يعني أن يظلّ مترقباً ومتابعاً لكل حادث يقع في البلد، سواء كان أمنياً أم مناخياً أم غيره. يتابع الأخبار كي لا تنقطع الطريق عليه بسبب الحوادث التي لا يعرف بها.

والسائق، مثل عادة السائقين العموميين، لا يملّ ولا يسكت. يقدّم معلومات سياسية لا يعرفها أعتى المحلّلين. لكنه لن يقولها كلّها، فهو لا يعرف مَن مِن بين زبائنه "مخابرات". وعند الكلمة الأخيرة ينظر الركاب في وجوه بعضهم، فيبتسم بخبث. لقد نسي الزحمة الآن.

***
يجلس صاحب دكان السمانة خلف مكتبه الخشبي العتيق الذي وضع عليه أصناف منوّعة من الحلويات والسكاكر. لا ينظر صاحب الدكان إلى المراهق عندما يدخل، ولا يسأله عن طلبه. يكتفي بإلقاء التحيّة عليه ويتابع ما يقوم به: الانشغال بهاتفه الذكي.

زوجة صاحب الدكان هي من تتولّى مساعدة الزبائن وقد أعيتها قلّة اهتمامه. تشير إلى زوجها برأسها وتقول ساخرةً إن "الجهاز الذي يلعب به" صار ضرّتها الشرعية. وتضحك. تضحك من قلبها قبل أن تنقلب فجأةً وتوجه له تأنيباً قاسياً بسبب تأخّره المستمر عن تلبية طلبات الزبائن.

لكن صاحب الدكان لا يأبه بهذا التأنيب ولا يردّ عليها. مثل طفل يتابع ما سبق وبدأ به. الزوجة لم تخطئ بتوصيفها.

إقرأ أيضاً: صباح إلكتروني
المساهمون