لم تعد تركيا بعيدة عن إقرار قوانين مشددة بحق المعتدين جنسياً على الأطفال، سعياً لحماية هذه الفئة، في ظل زيادة نسبة الاعتداءات. ويترافق الأمر مع حملات توعية، وإن كانت بعض النقاط ما زالت محل جدال وخلاف.
تتجه الحكومة التركية نحو العمل على تشديد العقوبات المتعلقة بجرائم الاعتداء الجنسي بحق الأطفال، تزامناً مع العمل على طرح قوانين جديدة من شأنها حماية هوية الأطفال وعائلاتهم، وتقديم المزيد من الدعم للضحايا على كل المستويات.
وشكّلت لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء التركي، رجب أكداغ، لدراسة إصلاح القوانين المتعلقة بالاعتداء الجنسي على الأطفال، أو "الاستغلال الجنسي للأطفال" بحسب القانون التركي، بمشاركة ست وزارات هي العدل والداخلية والعائلة والعمل والرياضة والصحة.
ما من إحصائيات رسمية أو غير رسمية حول عدد الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال في تركيا. ورغم الحملات الإعلامية والسياسية الكبيرة للتوعية، ما زال الأمر "تابو" في المجتمع التركي. ويتجنب الأهل اللجوء إلى القضاء أو الشرطة، خوفاً من الفضيحة. وعلى الرغم من ذلك، زادت نسبة البلاغات المتعلّقة بالاعتداء الجنسي على الأطفال، خلال الأعوام العشرة الأخيرة. وتشير أرقام منصة "سنوقف العنف ضد المرأة" إلى أن تركيا شهدت، العام الماضي، مقتل 409 نساء، من بينهن 45 فقط في شهر ديسمبر/كانون الثاني الماضي. كما تعرّض 487 طفلاً لاعتداء جنسي، من بينهم 41 طفلاً فقط، في يناير/كانون الثاني الماضي. كما قُتل، العام الماضي، 20 طفلاً، 10 منهم على يد آبائهم.
يؤكّد وزير العدل التركي، عبد الحميد غول، أن عدد الدعاوى المرفوعة بتهمة الاعتداء الجنسي على الأطفال شهدت انخفاضاً ملحوظاً بعد تشديد العقوبات في عام 2014. إلّا أنّ الأرقام بقيت ثابتة تقريباً، خلال العامين الماضيين. وبحسب وزير العدل، شهدت تركيا، في عام 2014، 20 ألفاً و474 دعوى، فيما انخفض عدد دعاوى الاعتداء الجنسي بحق الأطفال في عام 2015 إلى 18 ألفاً و825 دعوى، بينما وصل عدد الدعاوى، في عام 2016، إلى 14 ألفاً و635. وفي عام 2017، كان العدد 14 ألفاً و394 دعوى.
وخلال العام الماضي، تعرّض عدد من الأطفال لاعتداءات جنسية من قبل أحد المشرفين على سكن للتلاميذ في ولاية كارمان، تلاها عدد من الفضائح الأخرى، من بينها تعرّض طفل حديث الولادة لاعتداء جنسي في ولاية وان (شرق)، ما تسبّب في موته، إضافة إلى مقتل طفل آخر بعمر الخمس سنوات في ولاية يالاوا (غرب)، بعد خطفه واغتصابه. كما تعرّض طفل بعمر التسع سنوات للاغتصاب على يد والده في ولاية دياربكر لمدة شهر كامل، عدا عن فضائح أخرى تناولها الإعلام التركي بشكل كبير، كان آخرها صدور حكم بالسجن على أحد المدرسين في إحدى مدارس الإمام الخطيب (الثانويات الشرعية) في ولاية أدايمان (شرق)، لمدة 572 عاماً، بسبب اعتدائه جنسيّاً على تلاميذ بين عامي 2012 و2016.
وعلى الرغم من العقوبات المشددة التي أدخلت على القانون التركي، في عام 2014، تناقش اللجنة الحكومية المشكّلة إدراج عقوبات أكثر تشدداً. وقبل أيام، أعلن نائب رئيس الوزراء رجب أكداغ، أن اللجنة بدأت عقد اجتماعات، مشيراً إلى أن التعامل مع الأمر لن يكون فقط من ناحية العقوبات على الجناة، لكن سيشمل توسيعاً لدور الحماية، وإجراءات وقائية، وضمان سرية الدعاوى، ومتابعة الجناة بعد خروجهم من السجن.
وبعد الاجتماعات التي عقدتها اللجنة، تبلورت بعض المقترحات. من الناحية القانونية، سيمنع أي تخفيض لعدد سنوات السجن لكل جرائم الاعتداء الجنسي إذا ما أثبت الجاني حسن سلوكه، بينما ستكون السرية هي الأساس في جرائم الاعتداء الجنسي لحماية المتهمين والضحايا من تشويه السمعة والعار. وفي ما يتعلّق بالعقوبات، نادت المقترحات بتقسيمها بحسب عمر الضحايا، وتضمنت السجن المؤبد المشدد بحق معتدين على أطفال ما دون 12 عاماً، والسجن المؤبد بحق معتدين على أطفال فوق 12 عاماً، ما أثار جدالاً من قبل العاملين في منظمات المجتمع المدني والقانونيين. ويرى المعارضون أن هذا المقترح مخالف للمعاهدات والقوانين الدولية التي تحدد سن الأطفال، بمن هم دون الثامنة عشرة. كما أبدى البعض تخوفه من الحكم المؤبد المشدد، إذ أن الجناة قد يعمدون إلى قتل ضحاياهم في محاولة لإخفاء الأدلة، إذ أن العقوبة ستكون واحدة في كل الأحوال.
وتشمل الإصلاحات القانونية المقترحة مراقبة المعتدين على الأطفال بعد خروجهم من السجن، ومنعهم من العمل في أي وظيفة لها علاقة بالأطفال، والابتعاد عن أماكن وجود ضحاياهم، وإبلاغ الشرطة في حال عمدوا إلى تغيير عناوينهم، ومناقشة مسألة الإخصاء الكيميائي بحق المعتدين على الأطفال، وهي عبارة عن أدوية قد تكون لها أعراض جانبية طويلة الأمد، تساهم في تخفيف الرغبة الجنسية إلى الحد الأدنى، وهي معتمدة في كل من بولندا وأستونيا وإندونيسيا وروسيا وكوريا الجنوبية وسبع ولايات في الولايات المتحدة الأميركية.
واعترضت بعض المنظمات الدولية على إدخال الإخصاء الكيميائي، مثل منظمة "هيومن رايتس ووتش"، التي أصدرت بياناً شديد اللهجة ضد المقترح الذي لا يأخذ بعين الاعتبار موافقة الجناة، معتبرة أنه مخالف لقوانين حقوق الإنسان.
ودعت المنظمة، الحكومة التركية، إلى العمل على تشديد الإجراءات الوقائية، ومعالجة جذور أسباب العنف الجنسي في تركيا، مثل عدم المساواة بين الجنسين، والتعليم الجنسي في المدارس، بدلاً من "تعذيب الجناة".
وكانت الحكومة التركية قد أقرت، في يوليو/تموز في عام 2016، لائحة قانونية تجيز استخدام الإخصاء الكيميائي من دون موافقة الجناة، لكن المحكمة الإدارية العليا ألغته بسبب غموض تعريفه وحدوده. على الرغم من ذلك، يبدو أن اللجنة التركية تتجه نحو إقرار الاخصاء، بعد تصريحات كل من وزير العدل، ورئيس اللجنة الطبيب ووزير الصحة السابق رجب كداغ. الأخير أكد أنه لا يرى البيدوفيليا مرضاً، وأن "الجناة يميلون دوماً إلى تكرار الأمر، ولا بد لنا من اتخاذ تدابير لمنع ذلك، أحدها هو الإخصاء. والمهم في الأمر الاستمرار في عملية الإخصاء بعد خروج الجاني من السجن".
وللوقاية وحماية الضحايا من الأطفال، تتم مناقشة زيادة عدد مراكز مراقبة الأطفال التابعة لوزارة الصحة، والبالغة 31 مركزاً فقط في 28 مدينة، على أن يضاف 13 مركزاً جديداً خلال عام 2018، وهي عبارة عن مراكز يوضع فيها الأطفال الذين تعرضوا لاعتداء جنسي فيها، لحمايتهم وإجراء الفحوصات اللازمة إلى حين انتهاء التحقيقات. كما سيكون هناك عمل على توعية الأمهات حول جرائم الاعتداء الجنسي بحق الأطفال، وزيادة عدد المرشدين في المدارس، إضافة إلى توعية التلاميذ في المدارس.