عقوبات الغرب الاقتصادية ضد روسيا سلاح ذو حدين

02 اغسطس 2014
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (مايكل كليمانتوف/فرانس برس/getty)
+ الخط -
فرضت الولايات المتحدة الأميركية ومجموعة الدول الأوروبية على روسيا عقوبات جديدة تطال القطاع المالي، وتعد هذه العقوبات الأقوى على روسيا، حيث تم فرض عقوبات في يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان الماضيين، لكنها لم تكن تستهدف تدمير الاقتصاد الروسي، مقارنة بالحظر المالي، الذي طبق على إيران أو حتى كوبا.

الأمر الذي يطرح علامات استفهام عن جدوى هذه العقوبات الجديدة، وتوقيتها ومدى تأثر الأطراف الأوروبية والأميركية بالإضافة إلى الروسية بها.

عقوبات جديدة

وأعلنت أميركا، يوم الثلاثاء الماضي، توسيع نطاق العقوباتها الاقتصادية على روسيا بسبب دعمها الانفصاليين في شرق أوكرانيا، بعد ساعات قليلة من موافقة الاتحاد الاوروبي على فرض عقوبات على موسكو.

وتستهدف العقوبات الأميركية "قطاعات رئيسية في الاقتصاد الروسي، حيث تحظر تصدير سلع ومعدات تكنولوجية محددة إلي قطاع الطاقة وتوسع العقوبات لتشمل المزيد من البنوك، وشركات تصنيع المعدات العسكرية.

وفرض الاتحاد الأوروبي القيود على أسواق رأس المال لـ 5 مؤسسات مالية حكومية وهي سبيربنك و في تي بي، وغازبروم بنك، وفنيش ايكونوم بنك، وروس سيلخوز بنك.

كما تم حظر عقود بيع وشراء الأسلحة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، بالإضافة إلى التكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج.

هذه الحزمة الجديدة من العقوبات المفروضة على روسيا تثير تساؤلاً مهماً عن توقيتها بعد فرض سلسلة من العقوبات السابقة جراء تدخل روسيا في اوكرانيا.

الخبير المتخصص في الشؤون الروسية، الدكتور اسكندر كفوري، قال لـ"العربي الجديد": هذه العقوبات سلاح ذو حدين، ولها طبيعة سياسية حيث لا تستند إلى أي سبب حقيقي يستلزم إصدار هذه الموجة الجديدة من العقوبات، فالجولة الأولى من العقوبات فرضت بسبب تدخل روسيا في شبه جزيرة القرم، وبالرغم من مدى أحقية روسيا أو عدمها من السيطرة على شبه الجزيرة وبقاء منفذها على البحر الابيض المتوسط مفتوحاً أمام اسطولها البحري، فإن هذه الجولة من العقوبات تثير الاستغراب".

وأضاف: إن توقيت الجولة الجديدة جاء كردة فعل بعد الاجتماع الأخير لدول البريكس في البرازيل، واتخاذهم خطوات تنفيذية لإنشاء مصرف جديد على غرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إذ من المرجح أن يكسر هذا المصرف الجديد من هيمنة المؤسسات المالية الدولية، وعليه وجهت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي سلسلة جديدة من العقوبات تطال من العملة الروسية الروبل".

وأوضح كفوري أن سعي روسيا الى إيجاد تعددية قطبية تبدأ بالاقتصاد لتنتهي بالسياسة أمر يزعج الولايات المتحدة الاميركية، والتي وجدت أوكرانيا ذريعة لمنع حصول هذه التعددية القطبية.

الاقتصاد الروسي

ساهمت العقوبات الغربية على روسيا خلال الفترة الماضية في  إحداث تذبذبات على صعيد العملة الروسية وسوق الأسهم، حيث فقد الروبل أكثر من 10 في المئة من قيمته، وفقدت الاسهم الروسية ما يقارب 9 في المئة من قيمتها. وأعلن البنك المركزي الروسي أن حجم احتياطات روسيا الدولية التي تتكون من العملات الصعبة والذهب وحقوق السحب الخاصة بلغ 472.4 مليار دولار بحلول 25 من الشهر الماضي.

وفي مقابل ذلك، اعتبرت وكالة "موديز" لخدمات المستثمرين أن أحدث مجموعة من العقوبات الأميركية والاتحاد الأوروبي ضد روسيا لا تؤدي إلى حدوث أزمة سيولة على المدى القصير، ولكنها ستفاقم التحديات الاقتصادية في البلاد، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تآكل الجدارة الائتمانية في مختلف القطاعات.

وأشارت موديز إلى أن "الشركات والبنوك الروسية لديها كميات كبيرة من الديون بالعملات الأجنبية مستحقة على الـ 18 شهراً المقبلة، ولكن مخازن النقدية الكبيرة والأصول المالية الوفيرة تغطي معظمها، إن لم يكن جميع احتياجات إعادة التمويل".

موديز هي شركة قابضة، أسسها جون مودي في عام 1909، وتملك خدمة موديز للمستثمرين التي تقوم بالأبحاث الاقتصادية والتحليلات المالية وتقييم مؤسسات خاصة وحكومية من حيث القوة المالية والائتمانية، وتسيطر مؤسسة موديز على ما يقارب 40 في المائة من سوق تقييم القدرة الائتمانية في العالم.

وتذكر موديز أن العقوبات تضاف إلى عوامل تؤثر على الاقتصاد الروسي والنظام المالي الذي تفاقم بسبب النزاع في أوكرانيا.

وترى موديز أن استمرار النزاع في شرق أوكرانيا أو توسيع العقوبات سيزيد الطلب على الموارد الحكومية، وتآكل احتياطيات النقد الأجنبي القوية والأوضاع المالية في روسيا. وأضافت: أن ظروف السوق المعاكسة لفترة طويلة سيكون لها تأثير سلبي كبير على النظام المصرفي في روسيا، ويزيد اعتمادها على التمويل من البنك المركزي ويخفض الربحية الضعيفة بالفعل.

وأشارت إلى أن خفض الاستثمار فى الاصول الثابتة من جانب الشركات الروسية التي تهدف إلى الحد من الاحتياجات التمويلية، سيكون له تأثير سلبي على القدرة الإنتاجية وقدرتها التنافسية على المدى المتوسط.

أما وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني، قد خفضت تصنيفها الائتماني للديون السيادية الروسية القصيرة والطويلة الأجل بالعملة الأجنبية بعد الموجة الأولى من العقوبات الغربية التي فرضت عقب ضم روسيا منطقة القرم الأوكرانية في وقت سابق هذا العام.
ويتوقع صندوق النقد الدولي نمواً نسبته 0.2 في المائة فقط، لكنه قال: إن العقوبات التي فرضت بسبب أوكرانيا قد تدفع روسيا إلى عزلة اقتصادية.

التبادل التجاري الحر

العقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسي من شأنها أن تترك أثراً واضحاً على حجم التبادل التجاري بين روسيا والولايات المتحدة، والاتحاد الاوروبي، خاصة وأن التبادل التجاري في السنوات الماضية شهد نمواً واضحاً، وأعلن الرئيس فلادمير بوتين في تصريحات صحافية أن التبادل التجاري مع الاتحاد الاوروبي سيتعرض لضربة في حال تنفيذ العقوبات، مشيراً الى  زيادة في التبادل التجاري بلغت 1.7 في المائة العام الماضي، وان حصة أوروبا تعادل نصف التجارة الخارجية الروسية عموماً، مؤكداً  أن ما لا يقل عن 60 في المائة من الاستثمارات الروسية الخارجية يذهب إلى أوروبا.

وفي هذا الاطار قال  كفوري: خلال السنوات العشر الماضية ارتفع حجم التبادل التجاري بين أوروبا وروسيا بأكثر من 4 أو 5 مرات، ووصل حجم التبادل التجاري الى أكثر من 400 مليار يورو، وعليه فإن العقوبات الجديدة على روسيا ستترك أثراً واضحاً على الاقتصاد الاوروبي.
وفند كفوري حجم التبادل الذي سينعكس سلباً على الاتحاد الاوروبي "يعتمد الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على الغاز الروسي، حيث يستورد 30 في المائة من احتياجاته من روسيا، ولن يتمكن الاتحاد من تعويض هذه النسب من أي مكان آخر.
وأضاف: إن التبادل التجاري والاستثماري بين ألمانيا وروسيا يصل الى 75 مليار يورو، ويوجد في روسيا أكثر من 6000 مستثمر ألماني، كذلك الأمر بالنسبة الى إيطاليا، أما بالنسبة إلى فرنسا فالخسائر ستكون أكبر، لأن حجم المستثمرين الروس في المناطق السياحية الفرنسية يتخطى سيطرة الفرنسيين على المرافق السياحية في العديد من المناطق، مما يهدد السياحة في فرنسا، كما أن الاقتصد البولندي الذي يصدر سنوياً انتاجاً زراعياً يصل الى أكثر من مليار يورو سيتعرض الى نكسة كبيرة، بالاضافة الى دول أوروبية أخرى تعتمد بشكل أساسي على التبادل الروسي، كقبرص، اليونان.
واعتبر كفوري أن عقوبات الولايات المتحدة ستدخل الاتحاد الاوروبي في عزلة وستكون سلاحاً ذا حدين يصيب اوروبا قبل روسيا.

من جهة أخرى، كشفت بيانات حديثة أن صادرات بلدان الاتحاد الأوروبي إلى روسيا انخفضت، في الربع الأول من العام الجاري، بنسبة 11 في المائة، لتبلغ 25.7 مليار يورو، كما انخفضت الصادرات الروسية إلى الاتحاد الأوروبي، في الفترة نفسها، بنسبة 10 في المائة، لتبلغ 49.1 مليار يورو، وعلى الرغم من هذا الانخفاض، فإن روسيا ما زالت تشغل المرتبة الثانية بين الدول التي يستورد منها الاتحاد الأوروبي، والمرتبة الرابعة بين الدول المستوردة منه.

أما بالنسبة إلى العلاقات التجارية والتبادل مع أميركا وبالرغم من العقوبات التي فرضت في الأونة الاخيرة، إلا أن حجم التبادل التجاري لم يشهد تراجعاً كبيراً حيث بينت إحصاءات وزارة التجارة الأميركية، أن حجم التبادل التجاري لم يشهد تراجعاً كبيراً بين أبريل/ نيسان ومايو/ آيار الماضيين.

فقد ارتفعت الصادرات الأميركية إلى روسيا من مليار و33 مليون دولار إلى مليار و249 مليون دولار.

في المقابل، تراجعت واردات أميركا من روسيا من مليارين و353 مليون دولار الى مليارين و152 مليون دولار.

وبلغ حجم الواردات الأميركية من روسيا خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي حوالي 10 مليارات و818 مليون دولار، بينها حوالي 81 مليون دولار واردات من النفط الخام بحجم 718 ألف برميل، في حين بلغ حجم الصادرات الأميركية الى روسيا حوالي 5 مليارات و113 مليون دولار.

 

 
المساهمون