عقوبات أشد إيلاماً لإيران

13 نوفمبر 2018
+ الخط -
ظلت العقوبات النفطية التي فرضتها الولايات المتحدة على ايران، أخيرا، تستقطب جل الاهتمامات طوال الأيام الماضية، وتستأثر بمعظم المتابعات، وتحوز على سائر التعليقات، المتراوحة بين المبالغة بتأثير هذه العقوبات الساحق على الاقتصاد الإيراني والتهوين كثيراً بمحدودية هذه الفعلة المتوقعة سلفاً، فيما افتقرت العقوبات المصرفية، وهي الأكثر صرامةً، الأسرع مفعولاً، والأدهى من نظيرتها النفطية، إلى التغطية الصحافية الملائمة، والنقاشات الموضوعية المتخصصة، على الرغم مما لهذا السلاح المالي من مضاء شديد، وفاعليةٍ لا يفوقها فتكاً، ولا يتفوق عليها سوى أسلحة الحروب التقليدية.
ومع أن العقوبات المصرفية، هذه، أكثر إحكاماً من سلسلة العقوبات المرافقة لها، وأشد إيلاماً من كل ما تعرّضت، ولا تزال تتعرّض له إيران، من حصارات وعقوبات متنوعة، مستمرة منذ نحو أربعين سنة، إلا أن هذه العقوبات "الناعمة" وغير المسبوقة أبداً، تبدو أدنى درجة، بل وأقل إثارة من مثيلاتها في السلة الأميركية الواسعة، وربما أصعب على القراءة من غيرها، لا سيما من جانب المحللين، أو المراقبين المتعجلين رؤية النتائج الدراماتيكية، وقياس ردود أفعال العواصم والأسواق المخاطبة بهذه الوجبة الإضافية من التدابير، الموصوفة أقسى عقوبات في التاريخ، أدمنت الدولة العظمى على امتشاقها بلا هوادة.
حتى ربع الساعة الأخير من موعد الإعلان المدوّي عن حزمة العقوبات الثانية، لم يكن من الواضح ما إذا كانت واشنطن قد قرّرت وضع البنك المركزي الإيراني في سلة العقوبات المصرفية، أو قل إلقاء أم القنابل الفراغية على مقر هيئة أركان المنظومة الاقتصادية في الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي يشير إلى أن نقاشاً مسهباً قد جرى في الأروقة الأميركية حتى اللحظة الأخيرة، شابه بعض التردّد بين القائمين على إنفاذ الحزمة، تم حسمه في نهاية مطافٍ قصير لصالح وجهة نظر الراغبين في استخدام أقصى ما لديهم من قدراتٍ كامنة، لتحقيق أكبر النتائج المستهدفة وأسرعها.
وفيما تحتاج العقوبات النفطية مرور وقت قد يستغرق ستة أشهر، حتى تبدأ تداعياتها في الظهور إلى العلن، وقد تظل نتائجها غير مؤكّدةٍ فترة إضافية، حققت العقوبات المصرفية، منذ لحظتها الأولى، نتائج فورية ملموسة، تمثلت باستجابة منظومة "السويفت"، وهو مركز أعصاب النظام المالي الدولي، لنظام العقوبات هذا، فقط بعد ساعات، كانت كافية لإخراج 57 مصرفاً إيرانياً من شبكة المدفوعات والتحويلات المعمول به بين نحو 90 ألف بنك في العالم، وحظر كل تعامل معها، ناهيك عن حظر التداول بأوراق البنكنوت الصادرة عن بنك إيران المركزي في الخارج، وإفقاد الريال قيمته، بعد أن لامس سقف الـ 180 ألفا مقابل الدولار الواحد في يوم العقوبات الأول.
وفي الوقت الذي تمتلك فيه إيران بنية تحتية عميقة للتملص من المراقبة، وشبكة مهرّبين دوليين معقدة، للتحايل على العقوبات المتواصلة، وتحوز، في الوقت نفسه، على خبراتٍ متراكمة، لبيع حمولات الناقلات المبحرة خارج رادارات التتبع والمراقبة، ولديها الاستعداد لتقديم خصوماتٍ مجزية على الأسعار، إلا أن طهران لا تمتلك، في المقابل، مثل هذه الميزات الاستثنائية عندما يتعلق الأمر بالشؤون البنكية، وليس لديها الأدوات الناجعة للإفلات من نظام العقوبات المصرفية المُحكم، المهيمن عليه بصورة مطلقة من الولايات المتحدة، صاحبة الاقتصاد الأكبر وعملة التبادل الأولى بلا منازع، وفوق ذلك الإرادة المالية كلية القدرة التي لا راد لها.
ومن المفارقات الفارقة التي تجلت في اليوم الأول من بدء تطبيق حزمة العقوبات الثانية، في مجالات الطاقة والشحن والتأمين والمصارف، أنه فيما كانت أسعار المشتقات النفطية تنخفض بنحو 20%، أي ضد منطق السوق، وعلى العكس من كل التوقعات التي ترفع الأسعار في زمن التوتر والاضطرابات، كان سعر العملة الإيرانية "يصعد" إلى الحضيض، محطماً مستوياته القياسية السابقة.
وعليه، إذا كانت مشكلة إيران الصغرى ماثلةً في بيع النفط، فإن مشكلتها الكبرى كامنة في الحصول على عوائد المبيعات التي ستودعها الدول المعفاة في صندوق خاص، يستخدم لتمويل مشتريات الغذاء والدواء فقط، فيما حُظر عليها بيع النفط مقابل الذهب.
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي