عقلانية النخبة الإيرانية وتنمية المجتمع .. أم العكس؟

11 يناير 2015
"العقلانیة والتنمیة في إیران"، فرزان روز، طهران، 2014
+ الخط -
أين تلتقي العقلانية والتنمية في ايران؟ وأين يفترقان؟ وأين تقف النخبة ويقف المجتمع من الإثنين؟ وكيف تختلف سرعة ايران في الإندراج على المسارين؟ وما هي المعوقات التي تخفض من تلك السرعة؟ محمود سريع القلم، الأستاذ في جامعة الشهید بهشتي، وأحد أهم الأكاديمين الإيرانيين، يتصدى لهذه الأسئلة في هذا الكتاب، وهو الذي انشغل خلال العقدين الأخيرين في كبريات الموضوعات الاجتماعية والسياسية التي احتلت صدراة النقاشات الأكاديمية والبحثية، مثل التنمية، والعولمة، العلاقات الدولية، والثقافة السياسية، والسياسة الخارجية. في كتابه هذا، يسعى سريع القلم، إلى الغوص في مسألة التنمية في إيران من منظور "العقلانية" و"بعيدا عن المناخ العاطفي"، كما يقول.

أهمية الكتاب تكمن في مقاربته النقدية لأسس الخروج من حالة التخلف والسعي نحو إيجاد البنى التحتية المحفزة للتنمية في إيران، واستئناساً بتجارب البلدن الأخرى، واعتماداً، على الكثير من الدراسات والبحوث التي جرت في العالم حول التنمية. يرى المؤلف، أن التطور والتنمية والاستقرار السياسي في إيران، تعد قضايا مترابطة، ولا يمكن تحقيقها منفصلة عن بعضها بعضاً، رغم أن هذا الرابط لا يتم في الواقع الإيراني كما هو في تجارب البلدان الأخرى، لذلك، فهو يرى، ومن زاوية مقارنة، أن إيران "بدأت البحوث المتعلقة بالتطور والتنمية قبل بلدان مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية بل وحتى الصين. ومع ذلك، فقد تطورت هذه البلدان اليوم، فيما لا يزال الإيرانيون يستهلكون مواردهم الوطنية ووقتهم وطاقتهم الفكرية لإقناع بعضهم بعضاً". واستنادا إلى فكرة الربط العضوي بين القضايا، قسم سريع القلم الكتاب إلى أربعة أقسام، يتناول فيها جوانب التنمية.

بيد أن الفكرة الاساسية (وربما الأرثوذكسية) التي يؤسس لها سريع القلم في هذا الكتاب ويتوسع فيها، هي القول بأن المشكلة الرئیسية التي تواجهها التنمية في إیران لا تكمن في أفكار الإيرانيين، بل في شخصيتهم التي لم تتم تنميتها. فمشكلة الإیرانیین تتجسد عمليا في العجز عن تحويل الفكر إلى عمل، وفي إنجاز بناء متراكم. وهو يرى أن هذا مرتبط بتحدٍّ آخر يتمثل في الوصول إلى نظام اجتماعي محكم في مجتمع يتسم أفراده بقدر كبير من التنافر.

وعلى هذا الأساس، يرى سريع القلم أن تحقيق التطور والتنمية في إيران، بل وحتى في أي بلد، أو بغية تغيير البنى التحتية أيضا، مشروط بحدوث تحول في أفراد المجتمع. وهكذا فإن المستقبل للتغير والتطور أمام أي من البلدان النامية، وفي إطار الحقائق والنظريات العالمية السائدة، محكوم بمخرجين يمكن تصورهما وتنفيذهما: المخرج القائم على المجتمع، أو المخرج القائم على النخبة.

ويوفر المجتمع على ضوء المخرج الأول جوا من النقاش العام والحر اعتماداً على البنية السياسية المتوفرة فيه والوعي الذي يحمله كل من أفراده في الاختيارات، ويحقق هؤلاء الأفراد توقعاتهم تدريجيا عن طريق النظام الحزبي والنقد المنطقي لوسائل الإعلام. وهذا المخرج لا يمكن أن ينجح إلا إذا ساد النظام الحزبي البلد، وكانت أكثرية الشعب غير تابعة للحكومة من حيث الموارد المالية، وكانت وسائل الإعلام مستقلة أيضا عن الحكومة.

وأما المخرج الثاني، فيعتبر مخرجا علميا معقولا وفعالا في بلدان العالم الثالث، ذلك أن غالبية البلدان التي تندرج في هذا التصنيف تمثل مجتمعات في غاية الضعف، وعليه فإن النخب السياسية لبلد ما لا بد وأن تتولى بالتعاون مع النخب الفكرية مسؤولية التنمية ولو بشكل مؤقت.
وبرغم أنه يؤمن بأن إيران تتمتع بالاستعداد لأن تتحول إلى قوة في المجالات الاقتصادية والتقينة، إلا أن السياسة الخارجية تحول دون ترجمة ذلك الاستعداد، والاستفادة من الموقع الجغرافي- السياسي، الموارد النفطية والغاز، وكذلك والأهم من هذين المتغيرين، روح أبناء الشعب الإيراني الميالة إلى التعاون على الصعيد الدولي.

وانطلاقا من هذه النقطة الأخيرة، يرى سريع القلم أن المتغيرات الخارجية والدولية اكتسبت المزيد من الأهمية في إيران بعد الثورة. وعليه فقد أصبح للعلاقة بين التنمية العقلانية الاقتصادية والسياسة الخارجية دور جدي وإضافي.ولعل تأكيد المؤلف وتركيزه على هذه العلاقة وتكريسه كتابه برمته تقريبا للتنظير لها، سلط ضوءا مكثفا على مسألة العقلانية لم تحظ بالاهتمام المناسب في الأدبيات السابقة التي عنيت بالتقدم والتنمية في إيران.

ولكن التحفظ الأساسي إزاء مقاربة سريع القلم تكمن في إشاراته العامة والمجملة خلال توصيفه لمشكل تحقق التنمية والحلول التي يقترحها، من دون أن يشير إلى الامكانيات التكنولوجية التي يجب الحصول عليها من أجل تحقيق هذا التطور، ذلك لأن تحقيق التنمية لا يعتمد فقط على التغيير في نظام الشخصية والثقافة ولا يمكن تغيير هذا النظام بسهولة.

لكن هذا لا يمنع من القول إن المؤلف كان ناجحا في توصيف خصوصيات التنيمة في إيران، متخذا من المعرفة الحقيقية للنسيج الفكري والاجتماعي- السياسي القائم في إيران مرتكزاته النظرية. واستطاع في هذا المجال من خلال البحث في تاريخ بلاد إيران الطويل المستند إلى المشاهدة والمشاركة والتعمق الفكري في ظروف المجتمع الحالية وسياسة البلد.

وقدم صورة قريبة للغاية من الواقع عن الفكر والشخصية الإيرانية من جهة، والمجتمع والسياسة التي يعيش في ظلها من جهة أخرى، وهو ما يدل على دقة رؤية المؤلف وبحثه.

*باحث إيراني
دلالات
المساهمون