منذ أكثر من عامين وأم محمد تنتظر عودة ابنها المعتقل في سجون النظام السوري إثر اشتراكه في الحراك السلمي للثورة السورية، محمد لم يحمل السلاح بل كان ناشطاً مدنيا يقوم بتأمين الاحتياجات الطبية والاغاثية في منطقته بدرعا جنوب سوريا، حيث اعتقل نتيجة لنشاطه الاغاثي، زاد أمل والدته بتحقيق حلمها في عودة ابنها بصدور العفو الرئاسي لكن بدلا من إطلاق سراح محمد تم الإفراج عن شهادة الوفاة الخاصة به فيما بقى جثمانه معتقلا في مقبرة مجهولة لا تعلم أسرته عنها شيئا.
الرئيس السوري بشار الأسد كان قد أصدر في التاسع من يونيو / حزيران الماضي المرسوم التشريعي رقم 22 للعام 2014 والذي يتضمن عفواً عاما عن جميع الجرائم المرتكبة قبل تاريخ صدور المرسوم لتتفاءل أم محمد وعائلته لكن "صدمة العائلة كانت كبيرة فالإفراج تم عن شهادة وفاته فيما بقى جثمانه معتقلا" كما يقول أحمد شقيق المعتقل الشهيد محمد لـ"العربي الجديد".
يضف أحمد "لم ندخر مالاً ولا جهداً في سبيل الحصول على معلومات عن أخي المعتقل أو إطلاق سراحه، دفعنا مبالغ مالية كبيرة لبعض الضباط والمسؤولين لدى النظام السوري".
يضف أحمد "لم ندخر مالاً ولا جهداً في سبيل الحصول على معلومات عن أخي المعتقل أو إطلاق سراحه، دفعنا مبالغ مالية كبيرة لبعض الضباط والمسؤولين لدى النظام السوري".
ويتابع حديثه بألم قائلا "الاسرة حاولت إدخال محمد ضمن صفقات تبادل الأسرى التي تقوم بها بعض الألوية والكتائب المقاتلة في درعا لكن دون جدوى، بعد محاولة البعض استغلال العائلات ماليا وسط انتشار الشائعات حول تعذيب شقيقه أو وفاته، "كل ما وصل الينا هي شهادة الوفاة" –يقول أحمد- مشيرا إلى أن بعض المقتنيات كالبطاقة الشخصية ودفتر الخدمة العسكرية الخاصة بشقيقه حصلا عليهما مع شهادة الوفاة في حين بقي جثمان شقيقه في مقبرة مجهولة لا يعلمون عنها شيئا.
العائلة وإن كانت قد علمت مصير ابنها إلا أنها لا تزال تخفي الحقيقة عن الوالدة أم محمد التي تسأل باستمرار عن ابنها المعتقل، "مثل هذه الخبر كفيل بقتلها " -يقول أحمد- لذلك نتظاهر أمامها بأننا لا نزال نتقصى الأخبار عن أخي من المفرج عنهم في منطقتنا.
ويشمل العفو الرئاسي المحالين الي القضاء بما فيها محكمتي الإرهاب والمحكمة الميدانية إضافة إلى المعتقلين في الأفرع الأمنية، والمتهمين بالمؤامرة والانضمام لمنظمة إرهابية، وأيضا المتهمين بارتكاب عمل إرهابي بوسائل تحدث تفجير صوتي، كما شمل كامل عقوبة الترويج للإرهاب وكتم جناية وعدم إعلام السلطات عنها إضافة إلى العفو عن ربع عقوبة من قام بتهريب وتصنيع وحيازة أسلحة وذخائر ومتفجرات والنيل من هيبة الدولة ونشر أنباء كاذبة وكذلك المتخلفين عن خدمة العلم والترويج بالإعلام ضد النظام.
أبو علاء والد لشاب اعتقل أثناء ذهابه إلى الجامعة من قبل عناصر أحد الحواجز المشرفة على مدينة درعا.
يروي أبو علاء قصة اعتقال ابنه بالقول :"اعتقل ولدي منذ أكثر من عام ونصف العام، ونقل من فرع الأمن العسكري بدرعا إلى أحد الأفرع الأمنية بدمشق، وهناك انقطعت أخباره بالرغم من محاولاتنا التي المتواصلة لمعرفة أي خبر عنه، لكن محاولاتنا باءت بالفشل بالرغم من دفعنا لمبالغ كبيرة للضباط والنافذين في الأمن".
مع صدور العفو الرئاسي استبشر أبو علاء خيراً بحدوث معجزة ورؤية ولده مرة أخرى، بعد أيام قليلة من صدور العفو تلقى اتصالا من مجهول طلب منه مراجعة أحد الأفرع الأمنية بدمشق، مما زاد من فرحنه وأمله بتحقيق المعجزة التي سرعان ما تحولت إلى كارثة، فبدلا من استلام ولده المعتقل تسلم ورقة صغير كتب فيها تاريخ وفاته بداعي المرض.
"سألتهم عن جثمانه فهددوني بالقول تم دفن ولدك في مكان ما لا تسأل أكثر وإلا ستلحق به بأسرع وقت" يقول أبو علاء مضيفا "عندما خرجت من الفرع الأمني ضاقت الدنيا وبدت كعلبة كبريت تصغر شيئا فشيئا، حتى تكاد تطبق على نفسي وكأنني في عالم آخر خاصة أن زوجتي تتوقف عن الاتصال بي لتتحدث مع علاء لكنني لم أستطع الرد عليها".
بمجرد رؤية زوجة أبو علاء له سقطت مغشية دون أن تتفوه بكلمة واحدة، "ما نزال حتى اللحظة غير مصدقين للخبر على الرغم من الشهادة التي أعطيت لنا، فبدون جثمانه يبقى ولدنا في المعتقل تحت التعذيب" يختتم أبو علاء حديثه باكيا.
ويبلغ عدد المفرج عنهم من أبناء محافظة درعا بموجب العفو الرئاسي السوري - بحسب مكتب المنطقة الجنوبية بمركز دمشق لدراسات وحقوق الإنسان - 37 معتقلاً فيما بلغ عدد وفيات المعتقلين في السجون بسبب التعذيب 38 حالة .
من جانبه أكد عدنان محاميد رئيس مكتب المنطقة الجنوبية لمركز دمشق لدراسات وحقوق الإنسان روايات الأهالي السابقة بقوله "إن المفرج عنهم ضمن العفو الرئاسي "المزعوم" دفعوا مبالغ مالية كبيرة للضباط والنافذين في الأمن والدولة (رشى) ليشملهم العفو أحدهم دفع مبلغ 900 الف ليرة سورية أي ما يعادل ( 5500) دولار أمريكي ليطلق سراحه من سجن القابون بدمشق".
وأوضح محاميد أن بعض المفرج عنهم لا توجد عليهم أي تهمة، إذ أنهم اعتقلوا تعسفياً من قبل الأمن قائلا "قمنا بزيارة إلى بعض المفرج عنهم، وجدناهم في حالة يرثى لها فلأمراض سكنت أجسادهم ووجدت ملاذاً دائماَ به كالجرب وسوء التغذية والأمراض المزمنة.
المحاميد أكد أنه تم توثيق استشهاد 38 معتقلا تحت التعذيب في السجون السورية منذ صدور العفو "المزعوم" -على حد وصفه-، بينهم مسن يبلغ من العمر سبعين عاماً وهي الحالة الثانية في محافظة درعا التي تم توثيقها خلال العام الجاري -كما قال-.
وتوقع إرتفاع عدد الشهداء الذين يتم توثيق وفاتهم داخل المعتقلات نظراً للأعداد الكبيرة للمعتقلين من أبناء درعا وريفها، ممن تسلم ذويهم شهادات الوفاة بالإضافة الى بعض المقتنيات الخاصة بهم، فيما بقي مكان دفنهم مجهولاً كما يمنع السؤال عنهم إذ يتم تهديد ذويهم بالاعتقال في حال تجرأوا على الامر قائلا "تم اعتقال عدد كبير من الأهالي منذ صدور العفو، فاق عددهم المفرج عنهم حتى اللحظة".
من جانبه أوضح بسام يوسف عضو الائتلاف السوري المعارض بأن العفو لم يكن حقيقياً وخالياً من مضمونه وجوهره، لأنه لم يتحدث -مثلا- عن الإفراج عمن مس شخص الرئيس أو عائلته وهي تهمة جاهزة لكثير من المعتقلين.
وقال يوسف "يخطئ من يعتقد أن فترة حكم آل الأسد قد شهدت أي عفو سياسي بالمعنى الحقيقي للكلمة، وطوال العقود التي حكمت بها هذه العائلة ومنذ انقلاب حافظ الأسد لم يمر يوم واحد على السجون السورية خالية من سجناء الرأي".
ويرى يوسف أن سوريا لم تعرف أي عفو حقيقي منذ ما يزيد عن خمسين عاماً، قائلا "كلها خدع وآليات عمل استخباراتية أتقنتها الأجهزة الأمنية، تهدف فقط للتسويق الإعلامي للنظام.