عطش في الخرطوم..أزمة مياه تحاصر أهالي ملتقى النيلين

23 يوليو 2015
مراقبون يحذرون من ثورة عطش ستضرب أحياء الخرطوم(فرانس برس)
+ الخط -
لا يعلم المواطن السوداني علي أحمد، متى تفتح مدرسة ابنته تقى أبوابها، بعد انتهاء إجازة عيد الفطر، مصدر حيرة الأب أن الأسباب التي علقت لأجلها إدارة المدرسة الخاصة الدراسة منذ الأسبوع الأول من رمضان، ما تزال قائمة إذ بعث مدير المدرسة خطابات لأولياء أمور التلاميذ، يبلغهم تعليق الدراسة لعدم توفر المياه سواء للشرب أو الحمامات أو مكيفات الهواء. يقول أحمد: "اعتذر مدير المدرسة، بأنه غير قادر على مد المدرسة على كثرة عدد الطلاب والمدرسين والعاملين، بمياه الشرب المشتراة من التناكر أي سيارات المياه".

أزمة المياه في الخرطوم

تعيش أحياء عديدة في ولاية الخرطوم بالسودان، أزمة حادة في المياه منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ما جعل الحياة اليومية لما يزيد على 8 ملايين سوداني وسودانية بالغة القسوة، إذ لم يستثنِ العطش أحياء العاصمة الثلاثة (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان).
في شمال الخرطوم بحري، تعاني مدينة الحلفايا من قطع متكرر في خدمات المياه منذ ما يقارب الثلاثة أشهر، ما جعل قاطنيها يقضون كل ليلهم في مهمة ملء كل ما يمكن ملؤه بالماء، من بين هؤلاء أمل التي تقول لـ "العربي الجديد": "أقضي كل الليل في نقل المياه، بعد قضاء نحو ساعة من الزمن، في محاولات شفط الحنفية، عبر الفم لمساعدة الموتور الكهربائي في سحب ما تبقى من ماء في الخطوط الناقلة للمياه".

أصبح منزل عائلة أمل الرافد الرئيسي لجميع جيرانهم بالمياه، ما جعله يحظى بتلك الميزة، جريان المياه على قلتها عبر الأنابيب، نتيجة انخفاض مستوى المنزل عن بقية المنازل المجاورة له.

تبدو حالة ذلك الحي الذي تقطنه عائلة أمل أحسن حالاً من بقية أحياء الحلفايا، التي تعاني من انقطاع تام للمياه، إذ أصبحت عربات المياه الكبيرة (التناكر) هي المصدر الأساسي للسكان للحصول على احتياجاتهم من المياه، درج عدد من أبناء الحي الموسرين على شراء عربات المياه كنوع من المساعدة لأهالي الحي، "تتم تلك العملية بصورة يومية"، وفق ما تقول ربة المنزل محاسن خالد، والتي تتابع موضحة: "مياه التناكر لا تصلح للشرب، نخصصها فقط لغسل الملابس والحمامات". المثير أن السلطات المحلية في الحي غابت عن توفير المياه عبر العربات كنوع من الحلول المؤقتة، وتركت المهمة للأهالي، كما تشير محاسن.

تفاقم الأزمة

تفاقم أزمة المياه، انسحب على جميع الأحياء في العاصمة الخرطوم، التي يلتقي لديها نهرا النيل الأزرق والأبيض، لا سيما خلال شهر رمضان الماضي، ما أدى إلى ثورة عطش في ولاية الخرطوم التي شهدت أحياؤها (الكلاكلة وجبرة والدروشاب والسلمة وأم بدة والفتيجاب)، مظاهرات متفرقة غلب عليها العنصر النسائي، بسبب كثرة انقطاع المياه، مطالبين بإيجاد حلول عاجلة للأزمة، وعلى الرغم من تزايد أعداد المتظاهرين خلال الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل وقطعهم للطرق الرئيسية واستمرارها، إلا أن ذلك لم يغير الحال، ولم يتحرك المسؤولون لمعالجة الأمر.

لم تفرق الأزمة بين أحياء الفقراء والأغنياء، إذ يعاني سكان حي الأزهري الذي لا يبعد سوى عشرة كيلومترات فقط من المطار الوحيد في المدينة (مطار الخرطوم الدولي)، شح وانعدام المياه ما جعل السكان يلجؤون إلى شراء المياه التي تنقل داخل براميل موضوعة على عربات تجرها الدواب، في منظر لا يتلاءم مع المستوى العمراني للحي الذي يعتبر أحد أحياء الدرجة الأولى في العاصمة السودانية.

محمود عارف، موظف يسكن في حي الأزهري، يضطر إلى دفع أربعة جنيهات سودانية (قرابة دولار وفق السعر الرسمي) مقابل قارورتين من المياه سعة الواحدة 8 غالونات، بزيادة جنيه عن السعر الذي يدفعه من يقطن في الطابق الأرضي، إذ يرتفع سعر الغالون كلما ارتفع طابق السكن. يحتاج المنزل في حي الأزهري إلى 30 جنيهاً (6 دولارات) يومياً لتوفير حاجته من المياه"، يقول محمود لـ "العربي الجديد".

الحكومة تحصل فاتورة المياه بانتظام

شرع والي الخرطوم الجديد عبد الرحيم محمد حسين في اتخاذ عدد من الإجراءات لمواجهة المشكلة، أبرزها إقالة المدير العام لهيئة مياه ولاية الخرطوم، والإعلان عن خطط عاجلة، تنفذ في فترة لا تتعدى الثلاثة أشهر لحل الأزمة، إلا أن المواطنين يعيشون حالة من الغضب الشديد، بسبب عجز الهيئة عن توفير الماء وإجبارهم، على دفع فاتورة المياه مع فاتورة الكهرباء، إذ يتعين على صاحب المسكن دفع مبلغ يتراوح بين 16 إلى 26 جنيهاً (5 دولارات) شهرياً، ما مكن الهيئة من تحصيل إيراداتها بانتظام، إذ يمنع على أي مستفيد من الكهرباء شراء أي كيلوواط ما لم يكون قد سدد ما عليه في فاتورة المياه، وهو ما جعل الحجج التي كانت تسوقها هيئة المياه في السابق، عن ضعف الإيرادات غير صحيحة.

لم يكن من المستغرب أن يصب جمال محمد جام غضبه على هيئة المياه عندما استنطقته كاتبة التحقيق، قائلاً: "أصبحت الهيئة تتحصل على المال دون توفير الخدمة". وأضاف: "في السابق كانت الهيئة تعلق فشلها على ضعف الإيرادات، وتحمل المواطنين مسؤولية عدم وصول المياه إليهم، أما الآن، على ماذا تعلق فشلها".

يطرح جمال هذا الاستفسار الغاضب مردفاً: "المبالغ التي تتحصل عليها هيئة المياه تمكنها من تحديث جميع خطوط الشبكة وإجراء إصلاحات دورية، لكن المواطن لا يعلم أين تصرف كل تلك المبالغ المتحصلة".

وكانت حكومة الولاية قد أعلنت عن رصد 9.5 ملايين جنيه (1.9 مليون دولار)، لمعالجة مشكلات مياه الشرب الطارئة مثلما أعلنت عن خطة من مرحلتين لمعالجة مشكلات المياه معالجة جذرية، تنتهي الأولى في أبريل/نيسان من العام القادم، والثانية تكتمل خلال عامين من الآن.

وتعتبر ولاية الخرطوم من أكبر ولايات السودان من حيث الكثافة السكانية. وتعاني الولاية من حالات نزوح محلية من جميع ولايات السودان، إذ تعتبر بيئة جاذبة للعمل والاستقرار، ما أدى إلى ارتفاع عدد سكان الولاية إلى نحو 8.5 ملايين مواطن وفق آخر إحصائية لعدد السكان، ما أدى إلى نقص في خدمات المياه، فيما لا تستطيع المحطات القديمة تلبية حجم الطلب للعديد المتزايد من السكان. كما أن الخطوط القديمة المتهالكة للشبكة لا تسمح بضخ كميات كبيرة من المياه لمقابلة احتياجات جميع سكان الولاية.

أشجار الدمس تقطع المياه

تزايد قطع المياه واستمراره بعدد من أحياء العاصمة الخرطوم، أثار حيرة وانزعاج الفنيين والمختصين بالهيئة القومية للمياه في السودان. ويقر المهندس الجيولوجي عباس أحمد بأن ما يثار بين عامة الناس من أن انتشار أشجار الدمس في أحياء الخرطوم، (نوع من الأشجار استوردته الحكومة عام 1997 من أجل الزينة)، يعد أحد أسباب انقطاع المياه، إذ إن جذور تلك الأشجار تصل إلى خراطيم شبكة توصيل المياه في الأحياء، وتمتد لمسافات طويلة داخل تلك الخراطيم ما تسبب في إغلاق بعضها تماما وقطع المياه عن العديد من الأحياء.
ويضيف الخبير في مجال المياه الجوفية، قائلاً "خروج العديد من محطات المياه بالأحياء من الخدمة بسبب الأعطال المتكررة، يعد أحد أسباب انقطاع المياه أيضا، معظم تلك المحطات قديمة ولا يتم تجديدها وصيانتها منذ عدة أعوام".

ويشير عباس إلى أن واحدة من المعالجات التي تتبعها الهيئة الآن لمعالجة الانقطاع المتكرر، هو حفر المزيد من الآبار الجوفية بأحياء العاصمة المختلفة، لتقوية الخطوط الرئيسية للمياه، ويقول عباس إن آليات الحفر بدأت فعليا الآن في العمل ببعض المناطق، وستستمر في عدد من الأحياء وفق خطط الهيئة للتغلب على مشكلة انقطاع المياه نهائيا.

وتشهد هيئة مياه ولاية الخرطوم تحركات واسعة عقب إقالة مديرها ونائبه وتعيين مدير جديد، إذ يخشى عدد من العاملين والفنين أن تطاولهم إجراءات مماثلة على خلفية الأزمة الأخيرة.
مصدر بالهيئة تحدث لـ "العربي الجديد"، رفض ذكر اسمه، قال إن ولاية الخرطوم تنتج حوالى مليون ونصف المليون متر مكعب من المياه يوميا، وهي كمية لا تكفي الاحتياجات المتزايدة للمواطنين خاصة في فصل الصيف، لذلك لجأت الهيئة إلى حفر الآبار كحل مؤقت وليس جذرياً.

يؤكد المصدر أهمية زيادة عدد محطات المياه بالعاصمة، إذ تعمل الآن بالعاصمة خمس محطات فقط، ثلاث محطات كبيرة هي محطات المقرن، ومحطة بحري، ومحطة المنارة بأم درمان، بالإضافة إلى محطتين في كل من بري وبيت المال، وهي محطات صغيرة تغطي مناطق محدودة.

يتابع المصدر المتخصص في المياه، قائلاً إنه "مع اتساع مساحة ولاية الخرطوم وازدياد عدد السكان، وخاصة القادمين الجدد إلى العاصمة من المناطق المجاورة من أجل العمل والسكن، باتت الحاجة ضرورية لزيادة عدد محطات المياه بالعاصمة لزيادة كميات المياه المنتجة ومواجهة تزايد الاستهلاك اليومي".

ولفت المصدر إلى أن استخدام المواطنين مياها للشرب في استخدامات حياتية مثل الغسيل والزراعة وغيرها، أحد أهم أسباب إهدار المياه الصالحة للشرب في الخرطوم، لذلك مهما زادت الإنتاجية فلن تكفي ما لم يكن هناك ترشيد للاستخدام" على حد قوله، وفي الأثناء تستمر معاناة علي أحمد وطفلته التي ترغب في العودة إلى مدرستها، لكن لا تستطيع حتى تنتهي الأزمة".

--------
اقرأ أيضا :
السودان: مكبّ للنفايات الإلكترونيّة
السودانيون ضيوف على الخرطوم بعد الطوفان الأثيوبي