رحيل عزّت أبو عوف: خفة ومتعة استثنائيتان

01 يوليو 2019
في مشهد من "مشروع غير أخلاقي" (عمرو أحمد/فرانس برس)
+ الخط -
عام 2010، أثناء انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، التقطت كاميرا أحد البرامج فيديو للفنان محمود عبد العزيز (1946 ــ 2016) يسخر فيه من رئيس المهرجان صديقه عزت أبو عوف، الذي كان واقفاً إلى جانبه. في الفيديو يظهر عبد العزيز وهو يضحك من كثرة انشغالات أبو عوف الذي لا يكتفي بالعمل في التمثيل التلفزيوني، والمسرحي، والسينمائي، إنما أيضاً يعزف الموسيقى، ويقدم البرامج، ويرأس دورة مهرجان القاهرة. ويتساءل عبد العزيز بمحبة، كيف يجد صديقه الوقت لكل هذه النشاطات. رغم أن الفيديو كان هدفه الإطراء، لكنه فعلياً طرح سؤالاً طالما لاحق الفنان عزت أبو عوف، الذي فارق الحياة اليوم الاثنين عن 71 عاماً، فكيف اتسع له فعل كل ذلك؟



قد تكون أقرب إجابة لهذا السؤال هي أن سني أبو عوف الطويلة انقسمت لمراحل. وفي كل مرحلة كان المحرك الأساسي له هو الاستمتاع بما يفعله، فعاش حياته بخفة، من دون إرهاق أو معاندة الدنيا. وقد قال في إحدى المقابلات: "عشت حياتي إنساناً مسيّراً تماماً، لا مخيّراً، فكل ما حدث في حياتي جاء بالصدفة من دون أن أعرف إلى أين سيقودني".

انطلاقاً من هذا التصريح، يمكن فهم "مسايرته" لوالده أحمد شفيق أبو عوف. وقد كان هذا الأخير ضابط جيش، ومؤسس فرقة موسيقية خلال أربعينيات القرن الماضي، وهو ما جعل البيت الذي ولد فيه عزت أبو عوف فنياً منذ طفولته. لكن رغم ذلك، رفض الوالد احتراف أي من أولاده للموسيقى، فكان يردد على مسامعهم جملة كررها عزت أبوف في أكثر من إطلالة:
"العبوا مازيكا بس ادرسوا حاجة تانية". هكذا ليرفض الأب أن يمتهن ابنه الفن، وضغط عليه لكي يدخل كلية الطب أولاً، وهو ما فعله الابن، وتخرج فعلاً في قسم طب النساء والتوليد، وامتهن الطب خمس سنوات، قبل أن ينتقل ببطء إلى متعته الكبرى أي الموسيقى.

المرحلة الموسيقية في حياته استمرت قرابة العقدين. فبدأت نهاية الستينيات وخلال تلك الفترة كان عضواً في فرق تقدم موسيقى غربية مثل فرقة Les Petits Chats و"ذا بلاك كوتس"، ليحترف العزف على آلة "ألورغن" التي قال باعتزاز بعد ذلك إنه أول من أدخلها إلى مصر. ورغم أن أبو عوف لم يحقق أي نجاح يذكر خلال تلك الفترة، إلا أنه بقي مستمتعاً بما يفعله حتى آخر السبعينيات عندما أسس فرقة موسيقية مع أخواته الأربع: منى، ومنال، وميرفت، ومها (التي أصبح ممثلة معروفة لاحقاً). ونظراً لأن أسماء الأخوات تبدأ بحرف الـ"ميم"، اختار أبو عوف للفرقة "فور أم". وعمل الإخوة على تقديم التراث الموسيقي بصياغة جديدة ومنظور مختلف. وقد حققت الفرقة نجاحاً كبيراً خلال 10 سنوات، وأنتجت خلالها 8 ألبومات غنائية، وعشرات من الأغاني الناجحة، والشهرة الواسعة.



مع أواخر الثمانينيات انفض عقد الفرقة، بسبب زواج الشقيقات، ولكن كالعادة لم يعاند أبو عوف المسارات التي فرضها العالم عليه، ليقبل دعوة صديقيه المخرج الكبير خيري بشارة والفنان عمرو دياب للمشاركة كممثل في فيلم "آيس كريم في جليم" (1992). الأكيد أن أبو عوف لم يتخيل أن مشاركته في هذا العمل السينمائي، وهو في الرابعة والأربعين من عمره، ستكون الخطوة الكبرى والأهم في تاريخه.

ملامحه الأرستقراطية فرضت عليه أغلب الوقت دور الشخصية الغنية، ولم يمانع أداء هذه الأدوار، نظراً إلى أنه تعامل مع التمثيل بمنطق الهواية. ورغم أن تاريخه كممثل امتد منذ "آيس كريم في جليم" حتى اللحظة، ليشارك في 200 عملٍ ودور فنيّ، بين التلفزيون والسينما والمسرح.

هذه الخفلة في العلاقة التي جمعته بالتمثيل، لم تتغير طيلة هذه السنوات. فقدّم أدواراً عدة تعكس موهبته وقدراته التمثيلية الكبيرة، مثل دور عمر الأسيوطي في فيلم "أرض الخوف" (2000)، أو دور كوستا في مسلسل "أوبرا عايدة" (2000) مع يحيى الفخراني، أو دور الأب في فيلم "أسرار البنات" (2001). وفي أغلب أدواره كان يعتمد على الكاريزما والحضور والألفة التلقائية بينه وبين الكاميرا من ناحية، والجمهور من ناحية أخرى. ولهذا السبب كان من ضمن أكثر الممثلين نشاطاً خلال العقود الأخيرة، حتى مع تغيّر النجوم أو نوعية الأفلام، ظل من أهم ممثلي السينما والتلفزيون المصري.



وفي هذه السنوات ظهر أيضاً كمقدّم لفقرة في برنامج "القاهرة اليوم" مع المذيع المصري عمرو أديب لسنوات عدة. كما رأس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بين 2006 و2010، عازفاً أيضاً الموسيقى بين فترة وأخرى.



لكن كل هذا النشاط بدأ بالأفول منذ 2012، فقد عانى أولاً من وفاة زوجته وشريكة عمره فاطيما بعد علاقة استمرت 40 عامًا، قبل أن يكتشف أزمات صحية خطيرة في قلبه جعلته يقوم بأكثر من عملية في ظرفِ سنين قليلة. رغم ذلك حاول الحفاظ على حضوره المحبب على شاشة السينما والتلفزيون وفياً للخفة التي رافقت حياته.
المساهمون