عزيزي السيسي... نحن لا نحيك المؤامرات

26 اغسطس 2014
هل يخيف الصحافيون الرئيس؟
+ الخط -

مرة جديدة، يتفوّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على نفسه. في كل مرة، نقول إنه بلغ حدّه الأقصى، لكنّه لا يخيّب آمالنا، أبداً. في كل مرة يعرف، متى وأين وكيف يضرب. أمام رؤساء التحرير، وقيادات المجلس الأعلى للصحافة قرّر هذه المرة الإدلاء بكل ما في جعبته.
قال كلاماً كثيراً، منه المفيد ومنه غير المفيد. لكن ما يهمنا، مختصره "هناك مؤامرة لتدمير الشعب العربي، والدولة المصرية، تقودها تركيا وقطر و"الإخوان المسلمين"، من خلال وسائل إعلامية".

لن ندخل في الخلافات السياسية، وفي العلاقات التركية ـ القطرية ـ المصرية... فهي علاقات تتحسن وتسوء لأسباب كثيرة، وأعداء اليوم قد يصبحون أصدقاء الليلة أو الغد.

الكلام هنا، عن "المؤامرة" التي يقودها الإعلام. في العام 2014، يقف رئيس جمهورية قال إنه سيعمل على صون الحريات والديمقراطية المصرية، ليتّهم الإعلام اتهامات فاشية. اتهامات ظننا أنها رحلت مع من رحلوا.

هل يخيف الصحافيون الرئيس؟ طبعاً يخيفونه، يخيفه الخروج من الحظيرة. هو رأس النظام، الذي رمى في السجون من وقف يصرخ باسم الحرية في الشارع: علاء عبد الفتاح، أحمد دومة، حماده نوبي، ماهينور المصري، سناء سيف... ليترك شوارع القاهرة لأحمد عز، ويفتح الشاشات لحبيب العادلي، قاتل الثوار.

منذ اللحظة الأولى، منذ ليلة الثالث من يوليو/تموز 2013، عرف السيسي أن الإعلام قد يكون مزعجاً. أقفل قنوات، صادر معدّات، حقق مع صحافيين، ضيّق على آخرين. قرّر تصفية حساباته مع قطر، بسجن صحافيي "الجزيرة"... فعل كل ذلك بسلاسة، ليصبح المشهد الإعلامي المصري كالتالي: تطبيل وتزمير، وانتقاد "لايت" لحفظ ماء وجه الديمقراطية وحرية التعبير.

لكن الأخطر من كل ذلك، هو ربط السيسي بين شخصه، وبين الجمهورية المصرية. فبالفعل المؤسسات التي عدّدها، مؤسسات معارضة (بشراسة وبصراحة) لنظامه، ولا تخفي ذلك... لكنها حتماً ليست ضدّ الدولة المصرية، ليست ضد مصر، ولا ضد شعب مصر. لكن لا يهمّ. السيسي هو مصر، هكذا يقولون.

"الإعلام يريد تدمير مصر" قالها أمام عشرات الصحافيين، الذين من دون شكّ ابتسموا له، وهزّوا رؤوسهم موافقين، والأرجح أنهم صفّقوا لكلامه في نهاية اللقاء. كلام السيسي سيف مسلط فوق رؤوسهم، كيف لهم ألا يدركوا ذلك؟ زملاء، قضوا عشرات السنين في هذه المهنة، يسمحون بعد ثلاث سنوات من النضال المصري، أن يقول ما قال بحق مؤسسات هي أولاً وأخيراً مؤسسات زميلة، وموظفوها، زملاء قد تختلف وقد تتفق معهم في الرأي. كيف يسمحون بإهانتهم (قبل إهانة المؤسسات المتّهمة)، وهم مبتسمون؟ كيف لهم أن يبايعوا النظام، بهذه الصورة المهينة؟ لم لا؟ شهادة حسن السلوك قد تكون مفيدة هذه الأيام.

من يحمي الآن زملاءنا في "العربي الجديد"، و"ميديا ليميتد"، و"مصر الآن"، وCULTURE؟ لا أحد... الاتهام مباشر (جداً)، والتعاطي معهم سيكون بحجم هذا الاتهام... هكذا نتوقّع، فمنذ سنة، عوّدنا هذا النظام على ذلك، ولم يخيّب يوماً آمالنا.

ليختلف السيسي مع قطر وتركيا والإخوان ما يشاء، لتنتقد هذه الدول بعضها ما تشاء.. ما لنا والسياسة نحن؟ نحن صحافيون، ليخبر أحدكم السيسي والمجتمعين معه بذلك... وليذكّره من جديد "الصحافة ليست جريمة... الحرية لزملائنا المعتقلين في سجونه".

المساهمون