عزوف عن التصويت في انتخابات الدنمارك... ما دور المهاجرين؟

04 يونيو 2019
المشاركة في الانتخابات ليست من حق الجميع (ناصر السهلي)
+ الخط -
مع توجه الدنماركيين لانتخابات برلمانهم غداً الأربعاء، وبعد أيام من تصويتهم في الانتخابات الأوروبية الأسبوع الماضي، يتجدد الجدل بشأن زيادة نسبة المقاطعين للعملية الانتخابية من نحو 4.5 في المائة في 2001، إلى أكثر من 9 في المائة.

ويحذر خبراء وباحثون، من أن البلد يتجه إلى خلق طبقة دنيا معزولة عن العملية الديمقراطية، بحسب الباحث في العلوم الاجتماعية في كلية الصحافة والإعلام الدنماركية روجر بوك، الذي يؤكد أن "البلد يتجه بشكل متسارع إلى خلق تلك الطبقة، وعليه يصبح واجباً أن نطرح على أنفسنا سؤالاً: هل يمكننا كمجتمع أو كديمقراطية أن نستمر بقبول وجود مواطنين لا يشاركون في انتخابات البرلمان؟".

واعترف بوك، في مقال بصحيفة "بيرلنغسكا"، أن البلد "واحد من دول العالم التي نجد فيها ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات، وهو مؤشر على الصحة الديمقراطية، وهو ما يفاخر به الساسة الدنماركيون، إلا أنه يجب إعادة النظر، فأنت تحتسب نسبة المشاركة المرتفعة من نسبة من يشملهم حق التصويت لا من مجموع السكان".
ورغم أن الانتخابات لم تشهد نسبة مشاركة أقل من 82، ووصلت في 2011 إلى أكثر من 87، إلا أن الباحثين الاجتماعيين يعبّرون عن القلق من تراجع النسبة المئوية إلى 85 في المائة في 2015. 

الهجرة تساهم في التراجع

وللبحث عن أسباب زيادة نسبة من لا يحق لهم المشاركة، فإن الباحثين وخبراء الانتخابات يردونها إلى "زيادة أعداد المهاجرين ومن ينحدر منهم ممن يقيمون في البلد ولا يحملون جنسيته". ويستند هؤلاء على أرقام مركز الإحصاء (رسمي)، وعلى بيانات وأرقام وزارة الاقتصاد والداخلية، حيث تفيد بزيادة المواطنين من حملة جنسيات غير دنماركية منذ بداية الألفية الجديدة، ما يعني زيادة من لا يحق لهم التصويت.

نسبة كبيرة محرومة من التصويت (ناصر السهلي) 

كبيرة الباحثين في المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان إيفا ايرسبول، والمتخصصة بأبحاث الجنسية (المواطنة)، ترى أن "تشدد البرلمان في قوانينه المتعلقة بالهجرة والمهاجرين ومنح الجنسية منذ عام 2000، أدى إلى زيادة في أعداد المقيمين ممن لا يحملون الجنسية، ومن ثم يمنعون من المشاركة بوضع إشارة إكس لاختيار من يمثلهم".

أما لماذا تعتبر تلك القضية "مشكلة اجتماعية"، فترى إيرسبول، وفقاً لقولها لـ"بيرلنغسكا"، بأنها "قد تبدو عادية لمن يقيم بصفة مؤقتة، كعامل ودارس ولباحثين، يعودون إلى بلادهم، فيما القصة تصبح إشكالية ديمقراطية - اجتماعية حين يكون مقيماً بصفة دائمة، بل تتعمق المشكلة إذا ما كان المرء مولوداً وكبر في مجتمعنا وبقي على الهامش الديمقراطي".

المهاجرون على هامش العملية الانتخابية (ناصر السهلي)


وخلال السنوات الماضية تعقدت كثيراً قوانين الجنسية في الدنمارك، وباتت أكثر صرامة في ما يتعلق بسنوات الإقامة التي تتطلب 9 سنوات (بدل 7 سابقاً) بلا انقطاع، والتقدم بشهادة امتحان اللغة الدنماركية بمستوى عال، وهو أمر أعاق الكثيرين، إلى جانب أن النجاح في اختبار التاريخ والثقافة الدنماركيين واشتراطات أخرى كثيرة قد تؤجل الجنسية لسنوات طويلة، بل تحرم البعض من الحصول عليها بشكل دائم، مهما أقام من سنوات.

حلول بالتجنيس

ومن المفارقات التي يسجلها الباحثون في هذه القضية، وجود نحو 5 آلاف من أصول دنماركية ولدوا وأقاموا في المهجر، لا يحملون جنسية الدنمارك، وهم يعانون نفس معاناة أي لاجئ أو مهاجر يتطلب منه طلب الجنسية 9 سنوات إقامة متواصلة، واشتراطات وامتحانات تبدو صعبة على من ولد خارج البلد ولم يعش لغتها وثقافتها أو تعلم تاريخها.

مجموعة كبيرة من الشعب خارج العملية الانتخابية (ناصر السهلي)

وعلى عكس التشدد السياسي في اشتراطات الجنسية، يرى الأستاذ المساعد في كلية كوبنهاغن للأعمال أولاف دالغوورد، المتخصص في أبحاث المشاركة الانتخابية الديمقراطية، أن "بقاء مجموعة كبيرة من الشعب خارج العملية الانتخابية، سيؤدي في النهاية إلى ضعف تأييد الديمقراطية". ويتخذ دالغوورد من المثل السويسري ما يقترحه على بلده بالقول: "لو نظرنا إلى النموذج السويسري، فإنهم يرون أن منح الجنسية يجعل المهاجرين أكثر انخراطاً ومشاركة في مجتمعهم وفي مجمل العملية الديمقراطية، مما لو تركتهم بدون جنسية البلد.. فكلما شعر هؤلاء بحصولهم على حقوق مساوية لحقوق المواطنين أصبحوا جزءاً من المجتمع، فلنتخيل في الدنمارك أن 10 في المائة من البالغين الذين يحق لهم التصويت أصبحوا جزءاً من العملية الانتخابية، وعكس ذلك يعني أننا سنواجه مشكلة متفاقمة مع الديمقراطية بتهميش هؤلاء".

الحاجة إلى حصولهم على حقوق متساوية (ناصر السهلي)

ومؤخراً بات حزب "ألتراناتيف" (البديل، يسار بيئي)، يطرح موافقته على منح المهاجرين لسنوات طويلة، ويجيدون اللغة ويعرفون النظام السياسي، حق المشاركة في الانتخابات البرلمانية. وهو موقف يؤيده السياسي من يسار الوسط، رئيس بلدية إيسهوي (قريبة من كوبنهاغن، حيث يكثر السكان من أصول مهاجرة)، أولا بيورستروب، من الحزب الاجتماعي الديمقراطي، الذي اعتبر "وجود نسبة كبيرة على الهامش تعبير عن أزمة ديمقراطية مجتمعية".

وتذهب مطالب اليمين المتشدد إلى حدّ "سحب حق التصويت ممن يحملون الجنسية وإعادة دراسة جنسيات 750 ألفاً من أصول مهاجرة"، كما يطرح زعيم حزب "سترام كورس" (تشديد الاتجاه) المثير للجدل، راسموس بالودان، الذي يتوقع له الحصول على 4 مقاعد برلمانية.

وبالنسبة ليمين الوسط المعارض لفكرة السماح للمهاجرين المشاركة، فإنه يستند إلى أرقام دراسات بحثية ورسمية، تفيد بأن "29 في المائة فقط ممن حضروا كلاجئين وأقاموا 12 سنة في البلد أثبتوا قدرة على تلبية اشتراط اللغة الدنماركية والاستقلال المالي بعيداً عن المساعدات الاجتماعية، فيما البقية تبين أنهم بلا دراسة ولا عمل وهم يتقدمون بالسنّ دون تحقيق شيء يذكر، حيث يصعب عليهم تعلم اللغة كلما كبروا".

نصف مليون لم يشاركوا في العملية الانتخابية (ناصر السهلي)

بل إن حزب الشعب الدنماركي اليميني المتشدد، يتسلح بما يسميها "المشاركة الضعيفة بالأصل لحملة الجنسية من المهاجرين في انتخابات الدنمارك".

ومن الجدير ذكره أن الدنمارك تسمح لمن يحمل إقامة دائمة، وأقام في البلد 3 سنوات متواصلة، المشاركة في العملية الديمقراطية، والتصويت على مستوى الانتخابات البلدية.​