ظلّ يفرك يديه طويلاً، ثم هدأ فأخذ يفركهما ببطء، كما لو أنه كان يبحث عن طمأنينة ستبعثها الحرارة من يديه إلى قلبه. كان فركُ اليدين تعبيراً ساذجاً عن تفكير مقلق بأمر سخيف، لكنه يمثل حيرة شديدة بالنسبة إليه.
أدخل أصابع يده اليمنى بين أصابع اليسرى، ثم رفع رأسه ونظر إلى السقف ذي اللون الأصفر. الزيارة. العروس. الواجب. كلمات ثلاث ظلت تطرق على رأسه.
الحقيقة إن جمالها لم يكن ذا شأن هام بالنسبة له. ربما قد أحبها بتعقل حسب ما يقال. أي أنه أدار الأمر في رأسه جيداً، ثم قرر أنه الخيار السليم: الحب العاقل الحميم الهادئ، خالياً من الحماسة والطيش البعيد عن التهور والتسرع. كان قد تأخر في الزواج، ثم اضطر أخيراً إلى الإقدام عليه، وسط غيوم نفس مترددة قاتمة، كادت أن تعيده إلى النقطة الصفر مفضلاً حرية العزوبية على قيود الارتباط الكثيرة الشائعة. كان خائفاً لا أكثر ولا أقل، ولم يزل كذلك.
ماذا لو لم تعجبهم؟ حتى أنهم يمكن أن يسخروا منها حينها. إنها نحيلة جداً، ذات فم كبير، تضحك كثيراً، حتى من دون داع للضحك، تضحك! قال في نفسه، ثم حرك داخلها الصور المفترضة والمتوقعة لما يخمن حدوثه إذا ما قام بالزيارة. لكنه الواجب، نعم الواجب العائلي الذي لا مفر منه. قال أيضاً، فيما هو غير قادر على النوم، يصارع فكرة واحدة لا غير، إنهم هم من دفعوه إلى الزواج، وكفى! صحيح أنهم لم يجبروه على اختيار فتاة بعينها، لكنهم كادوا أن يخاصموه إن لم يقترن بواحدة، سريعاً، وهذا ما كان، والآن عليه إكمال الطريق، إذ لم يعد من حيلة للتراجع بعدما أقفل شأن الزواج.
يا لها من مشكلة! ماذا لو؟ ثم ماذا لو، وهكذا حتى يشع ضوء النهار على جبينه، فيما تمتلئ المنفضة قربه بأعقاب السجائر. ألم يكن أفضل حالاً لو بقي من دون زواج؟ كان خفيف المزاج، خلي البال كما يقال. أما الآن فهذا الألفُ شيءٍ الذي لا يعرف كيف يقلله إلى لاشيء ويضع نهاية له: التردّد، الخشية، الصور التي تؤلم خياله. كل ذلك بسبب توقعات ربما تبقى رهن وسواس وقلق لا داعي لهما. وفي أوائل الربيع، حين تموج تلال القرية بالخضرة والزهور، قرر أخيراً زيارة أهله بصحبة زوجته النحيلة التي لا تتوقف عن الضحك. ربما تلطّف الطبيعة من أثر مخاوفه التي لا تعرف نهاية. هكذا رأى الأمر أخيراً. لكن يا إلهي، عدا المصاريف الكثيرة، هناك الكثير من الهدايا التي ينبغي شراؤها وتأمينها. هناك الكثير من التحضير، ثم زيارات الأقارب والتهاني... وألف شيء في انتظاره.
اقــرأ أيضاً
أدخل أصابع يده اليمنى بين أصابع اليسرى، ثم رفع رأسه ونظر إلى السقف ذي اللون الأصفر. الزيارة. العروس. الواجب. كلمات ثلاث ظلت تطرق على رأسه.
الحقيقة إن جمالها لم يكن ذا شأن هام بالنسبة له. ربما قد أحبها بتعقل حسب ما يقال. أي أنه أدار الأمر في رأسه جيداً، ثم قرر أنه الخيار السليم: الحب العاقل الحميم الهادئ، خالياً من الحماسة والطيش البعيد عن التهور والتسرع. كان قد تأخر في الزواج، ثم اضطر أخيراً إلى الإقدام عليه، وسط غيوم نفس مترددة قاتمة، كادت أن تعيده إلى النقطة الصفر مفضلاً حرية العزوبية على قيود الارتباط الكثيرة الشائعة. كان خائفاً لا أكثر ولا أقل، ولم يزل كذلك.
ماذا لو لم تعجبهم؟ حتى أنهم يمكن أن يسخروا منها حينها. إنها نحيلة جداً، ذات فم كبير، تضحك كثيراً، حتى من دون داع للضحك، تضحك! قال في نفسه، ثم حرك داخلها الصور المفترضة والمتوقعة لما يخمن حدوثه إذا ما قام بالزيارة. لكنه الواجب، نعم الواجب العائلي الذي لا مفر منه. قال أيضاً، فيما هو غير قادر على النوم، يصارع فكرة واحدة لا غير، إنهم هم من دفعوه إلى الزواج، وكفى! صحيح أنهم لم يجبروه على اختيار فتاة بعينها، لكنهم كادوا أن يخاصموه إن لم يقترن بواحدة، سريعاً، وهذا ما كان، والآن عليه إكمال الطريق، إذ لم يعد من حيلة للتراجع بعدما أقفل شأن الزواج.
يا لها من مشكلة! ماذا لو؟ ثم ماذا لو، وهكذا حتى يشع ضوء النهار على جبينه، فيما تمتلئ المنفضة قربه بأعقاب السجائر. ألم يكن أفضل حالاً لو بقي من دون زواج؟ كان خفيف المزاج، خلي البال كما يقال. أما الآن فهذا الألفُ شيءٍ الذي لا يعرف كيف يقلله إلى لاشيء ويضع نهاية له: التردّد، الخشية، الصور التي تؤلم خياله. كل ذلك بسبب توقعات ربما تبقى رهن وسواس وقلق لا داعي لهما. وفي أوائل الربيع، حين تموج تلال القرية بالخضرة والزهور، قرر أخيراً زيارة أهله بصحبة زوجته النحيلة التي لا تتوقف عن الضحك. ربما تلطّف الطبيعة من أثر مخاوفه التي لا تعرف نهاية. هكذا رأى الأمر أخيراً. لكن يا إلهي، عدا المصاريف الكثيرة، هناك الكثير من الهدايا التي ينبغي شراؤها وتأمينها. هناك الكثير من التحضير، ثم زيارات الأقارب والتهاني... وألف شيء في انتظاره.