تجنيد مقاتلين عرب في صفوف البشمركة: أداة للنفوذ الكردي بالمناطق المتنازع عليها

27 يوليو 2019
شارك العراقيون العرب ضمن البشمركة منذ الثمانينيات (يونس كيليس/الأناضول)
+ الخط -
لا تُعلن وزارة البشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق عن عدد العرب المنضوين ضمن قواتها، خصوصاً مع تصاعد أعدادهم في السنوات الأربع الأخيرة، ولكنها تتحدث عن الآلاف من العرب في صفوف البشمركة، مع استمرار قبول انضمام العرب من المناطق التي تُعرف بـ"المتنازع عليها" بين حكومتي بغداد وأربيل، وقبول كردستان بالمتطوعين منهم. ويرى أعضاء في البرلمان العراقي أن خطوات كردستان بتجنيد العرب ضمن قواتها، تأتي ضمن حركات توسعية من أجل السيطرة على المناطق المتنازع عليها لتكون بحكم الواقع تحت نفوذها، مثل عرب كركوك ومخمور وسنجار والطوز وداقوق ومناطق أخرى ما زالت محل خلاف بين بغداد وأربيل حول إدارتها منذ عام 2005 عقب إقرار الدستور الجديد ولغاية الآن. في المقابل، يقول مسؤولون أكراد إن استيعاب العرب في البشمركة، دليل على أن القوات المكلفة بحماية الإقليم ليست عنصرية وتتقبل جميع فئات وقوميات الشارع العراقي.

ولا تُعدّ مشاركة عراقيين عرب مع قوات البشمركة أمراً جديداً، إذ إن معارضة النظام السابق التي كانت تتخذ من إيران مقراً لها، شاركت مع البشمركة في معارك ضد الجيش العراقي في ثمانينيات القرن الماضي، وكذلك وحدات مسلحة من الحزب الشيوعي العراقي، لكنها كانت مشاركة ولم تنضم بشكل فعلي كما يحدث اليوم.
وبعد العام 2003، ومع بدء سلسلة التهجير والاستهداف الذي مارسته مليشيات مسلحة مدعومة من إيران، لقيادات وضباط في الجيش العراقي، استقطبت كردستان أفضل ضباط ومدربين عسكريين عراقيين، للاستفادة منهم في تدريب قوات البشمركة، وما زال الكثيرون منهم حتى الآن في صفوفها، إلا أنه بعد عام 2014 حين اجتاح تنظيم "داعش" مناطق عراقية شاسعة، زادت بشكل كبير ظاهرة انضمام العرب إلى البشمركة.

وخلال السنوات الأربع الماضية، سعى شيوخ ووجهاء من عشائر عربية مختلفة في نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين، لضم الشبان العرب إلى صفوف قوات البشمركة لحماية مناطقهم من مخاطر قد تواجههم مستقبلاً، ومنع نفوذ المليشيات أيضاً، وهو الأمر الذي دعمته حكومة مسعود البارزاني، التي عمدت إلى تطويع الآلاف من المواطنين العرب السنّة من سكان المناطق المتنازع عليها وزجّهم مع البشمركة، وسط معلومات تتحدث عن سعي وزارة البشمركة حالياً لتشكيل لواء ضمن صفوفها يتألف من العرب والتركمان في كركوك، إلا أن الأزمة المالية تقف عائقاً أمام ذلك.

ويُشارك العرب في البشمركة ضمن المهام المكلفين بها، في مناطق غربي دجلة، في سهل نينوى، وصولاً إلى مخمور وعلى خط حدود الإقليم مع كركوك وليس انتهاءً بالمناطق الكردية في محافظة ديالى، وقد انتشرت هذه القوات التي ساهمت بطرد "داعش" لإمساك الأرض، وهو ما يفسره مراقبون على أنه محاولة لكسبٍ أراضٍ جديدة إلى كردستان.

في السياق، أكد الأمين العام لوزارة البشمركة جبار ياور، أن "وجود العرب في البشمركة، أمر طبيعي، ولدينا مدرسون في كلية الأركان وبعضهم في مدارس التدريب والبعض الآخر يتوزع على الوحدات العسكرية، ولدينا وحدة عربية في قوات زيرفاني، وهي وحدة مقاتلة عربية تابعة لوزارة الداخلية". ولفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "العرب يتقدّمون إلى البشمركة بحسب الشروط العسكرية المعمول بها، ويمكن لأي عربي الانضمام، وليس فقط من المناطق المتنازع عليها بين حكومتي أربيل وبغداد، وحالياً لدينا جنود من الأنبار والبصرة وبغداد".

أما غياث السورجي، وهو عضو في "الاتحاد الوطني الكردستاني"، فأشار في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "الوحدة العربية ضمن البشمركة تشكل لواءً كاملاً في سهل نينوى ومناطق متفرقة، وهي تنتشر على طول حدود كردستان"، موضحاً أن "قوات زيرفاني تابعة لوزارة الداخلية في كردستان، وهم يتبعون للحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني، ومقرهم في محافظة نينوى وتحديداً في قضاء شيخان، أما الاتحاد الوطني فلديه قوات بشمركة تابعة لوزارة البشمركة".


من جهته، أشار المتحدث باسم عشائر نينوى، مزاحم الحويت، إلى أن "القوات العربية ضمن البشمركة، والتي انضمت منذ سنوات، أصبحت عام 2016 تحت تسمية لواء الجزيرة، وبعد إفراغ محافظة كركوك من البشمركة، عقب اقتحام القوات العراقية المحافظة وإفشال مشروع الاستفتاء الكردي في سبتمبر/ أيلول 2017، تزايد عدد العرب في البشمركة وتم تحويلهم إلى فرقة كاملة، وهي الفرقة الثالثة تحت قيادة عربية أيضاً عبر اللواء الركن مطاع الخزرجي". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أنهم "منتشرون في مناطق سهل نينوى مع حدود إقليم كردستان، وهذه الفرقة لا تقبل العرب إلا من المناطق المتنازع عليها، أي من مناطق شريط سنجار وصولاً إلى خانقين، وعددهم حوالي 3 آلاف مقاتل".

في المقابل، رأى النائب في البرلمان العراقي حنين قدو، أن "ملف تجنيد البشمركة للعرب، مهم وخطير، فبعدما تمكّنت كردستان من تجنيد شخصيات عربية، تسعى حالياً إلى استغلال فقر الشبان العاطلين من العمل، وتحويلهم إلى عناصر في البشمركة والسيطرة على المناطق المتنازع عليها بواسطتهم، بالقول إنها مناطق كردستانية"، مضيفاً "كردستان لا تستغل العرب فحسب إنما الشبك والأقليات الأخرى".
واعتبر قدو في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تجنيد غير الأكراد ضمن البشمركة يحمل أهدافاً كردية خطيرة من أجل السيطرة على مناطق العرب والأقليات المحاذية لحدود الإقليم، مع العلم أن رواتب المقاتلين تُدفع من بغداد، وما هذه الحركة من حكومة كردستان إلا دليل على التوسع الكردي نحو نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى، ويحدث ذلك في ظل عدم انتباه واكتراث من قبل مجلس النواب العراقي والحكومة الاتحادية".

أحد أعضاء البشمركة، وهو عربي من قبلية طي، طلب عدم ذكر اسمه بسبب تعليمات صارمة تمنع حديث أفراد البشمركة مع وسائل الإعلام من دون إذن مسبق، أوضح لـ"العربي الجديد"، أنه تطوع قبل عامين، ولا يشعر بعنصرية من باقي زملائه تجاهه كونه موجوداً في فوج كله عرب من البشمركة. وأضاف "تطوعت لعدة أسباب، أولها أمني، فوجودي في البشمركة سيمنحني حصانة من المليشيات وعمليات الاعتقال العشوائية في منطقتنا، كما أنه يمنح عائلتي التي فرت إلى الإقليم بعد اجتياح داعش امتيازات كثيرة"، لافتاً إلى أن "جميع العرب في البشمركة من المؤكد أنهم سيصوتون لصالح إلحاق المناطق المتنازع عليها لأربيل بدلاً من بغداد".