عراقيون يختارون الأعراس التقليدية

03 سبتمبر 2018
ما يهمّهما هو زواجهما (سافين حميد/ فرانس برس)
+ الخط -

في تسعينيات القرن الماضي، انتشرت القاعات الخاصة بالمناسبات، لا سيّما قاعات حفلات الأعراس، في العاصمة العراقية بغداد وفي عدد من المدن الكبرى مثل الموصل والبصرة، غير أنّ تدهور الأوضاع الأمنية عقب الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003 بالإضافة إلى تفضيل عائلات كثيرة التمسك بالعادات والتقاليد، ساهم في العودة إلى حفلات الأعراس التقليدية التي تُقام في أماكن خاصة خلال الآونة الأخيرة.

يقول أنس المندلاوي (28 عاماً) الذي يشتغل في مجال الأعمال الحرة، إنّه "على الرغم من التطوّر الذي حدث في حفلات الأعراس والاختلاف الجذري بين تلك التي كانت سابقاً وتلك التي استجدّت، إلا أنّ عوائل عراقية كثيرة ما زالت ترفض هذا التطوّر وتفضل الأعراس التقليدية التي تقام عند أهل العريس في خيمة كبيرة أو في حديقة قبالة منزله". يضيف المندلاوي لـ"العربي الجديد" أنّ "ذلك يعود كذلك إلى أسباب أخرى، مثل سوء الأوضاع الأمنية في البلاد الذي يصعّب الوصول إلى بعض القاعات والذي يولّد الخوف على المدعوين على مدى الأعوام الماضية. وهو الأمر الذي دفع إلى إقامة حفلات الأعراس التقليدية، ومن جهتي أفضّلها على الأعراس الحديثة التي لا تمتّ بصلة لما نشأنا عليه. فأهمية الأعراس التقليدية هي في الترابط الأسري والعشائري ولمّ الشمل وأمور اجتماعية أخرى مهمّة لنا". ويتابع المندلاوي أنّ "ثمّة نشاطات متوارثة تُقام في الأعراس التقليدية، مثل رقصة الساس التي تشتمل على نزال بين شخصَين يحمل كل منهما سيفاً ودرعاً. ويبدأ الرقص على إيقاع خاص تسبقه الجوبي، وهي رقصة معروفة في التراث العراقي تؤدّى في المناسبات السعيدة ويشارك فيها الرجال والنساء على إيقاعات مختلفة".




من جهتها، تقول ماجدة عباس (62 عاماً) وهي موظفة متقاعدة، إنّ "الأعراس التقليدية أجمل بكثير من حفلات الأعراس الحديثة، وقد فضّلت أن يكون عرس ابنتي الوحيدة عرساً تقليدياً مع سيارات تجوب الشوارع وفرقة موسيقية شعبية لينتهي الحفل مع وليمة غداء أو عشاء عند أهل العريس. وتلك الطقوس البسيطة كانت جميلة جداً وتتضمّن حركة من دون أن تكون جامدة ومقلّدة مثل أعراس القاعات". وتشير عباس لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "مثل هذه المناسبات يجب أنّ تتناغم مع أعرافنا، خصوصاً أنّ الشباب الآن ابتعدوا عن التقاليد. وكثيرون منهم راحوا يحاكون طرقاً وتقاليد غربية ليست من أعراف مجتمعنا الشرقي، وهذا ما يهدد تراثنا وتقاليدنا. يمكننا التمسك بها على أقل تقدير من خلال إقامة حفلات الأعراس التقليدية وإحياء الطقوس والأغاني التراثية القديمة الخاصة بالمناسبة".

في السياق، يشير أوس الراوي (32 عاماً) وهو مدوّن، إلى أنّ "عائلات عراقية كثيرة تعدّ الأعراس التقليدية وجاهة أو ما نسميه باللهجة المحلية كشخة، وذلك لأسباب عدّة، منها كميّة الطعام وحجم الخيمة وعدد المدعوّين، والأهم هو التفاخر بعدد الذبائح أمام الناس خصوصاً إذا كانت حفلة العرس لابنهم البكر. من شأن ذلك أن يدعو الأهل إلى إقامة وليمة كبيرة اقتداءً بالأعراف والتقاليد". يضيف الراوي لـ"العربي الجديد" أنّ "كثيرين من الذين يتمسكون بالعشائرية ويصرّون على الحفاظ على الأعراف المجتمعية، يروون أنّ القاعات أماكن ضيقة ولا تليق بالحضور، خصوصاً مع وجود عشرات الأطفال. من عادات العراقيين اصطحاب أطفالهم معهم في كل المناسبات، بالتالي فإنّ الطعام في القاعات قد لا يكون مناسباً، الأمر الذي يتسبب في إحراج كبير للعوائل المعتادة على الذبائح والمناسف الكبيرة".




ويتابع الراوي أنّ "القاعات بمعظمها تكون مختلطة، وهذا أمر لا تتقبله عوائل محافظة كثيرة، بالإضافة إلى التكاليف المادية الكبيرة التي تترتّب على أهل العريس في حال أقيم حفل الزفاف في قاعة المناسبات، وبعضهم يرى في ذلك مصاريف ثانوية لا داعي لها". ويشير إلى أنّه "لو خُيّرت ما بين العرس التقليدي والحديث، لاخترت حفل زفاف في القاعات، والسبب هو إعفاء النساء من عناء العمل في مثل ذلك اليوم، لا سيّما التنظيف وطبخ الطعام والتحضيرات الكثيرة والكبيرة. لكنّ التكاليف تكون كبيرة، إذ تتضمّن بدل إيجار القاعة وتكاليف الطعام وكل مستلزمات الحفل الأخرى الذي قد تقدّر بنحو 10 ملايين دينار عراقي (نحو ثمانية آلاف دولار أميركي) أو أكثر، بحسب إمكانية العريس. أمّا الأعراس التقليدية، تكون تكلفتها أقل بكثير وتتراوح ما بين مليونين وأربعة ملايين تقريباً (نحو 1600 - 3300 دولار)، والأمر يتعلق كذلك بالإمكانيات المادية لكل عائلة ورغبتها".
دلالات