عراقيون يحاولون إنقاذ حياة مواطنيهم بالدم

20 نوفمبر 2017
تبرّع جماعي بالدم (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
توجُّه العراقيين إلى مراكز التبرّع بالدم فور وقوع تفجير ما، صار عادة في البلاد، ولا سيّما أنّ التفجيرات بأغلبها تستهدف تجمّعات للمدنيين كـالأسواق، الأمر الذي يخلّف عدداً كبيراً من الضحايا

وسط كلّ ما خلّفته وتخلّفه الحروب والمعارك والحوادث الأمنية والتفجيرات في العراق وبين أهله، يلوح بصيص أمل. كثيرون هم العراقيون الذين يعبّرون عن حسّ إنساني ومواطنة، لا سيّما من خلال تبرّعهم بالدم وهدفهم إنقاذ أرواح عراقيين آخرين. وإلى جانب المراكز الرسمية للتبرّع بالدم، تُنظَّم مجموعات ومنظمات مدنية مختلفة حملات تطوعية عدّة تهدف إلى التوعية حول أهمية التبرّع بالدم والتشجيع عليه، وذلك على هامش فعاليات مختلفة من مهرجانات وغيرها في الساحات والحدائق العامة. وهذه الحملات يتّفق العراقيون على أهميّتها وضرورة وجودها.

في مبنى القشلة الثقافي، كان متطوّعون شباب يشاركون في حملات توعية حول كيفية مواجهة الإرهاب بالفكر وكيفية مواجهة الشائعات التي تزعزع الأمن وتنشر الطائفية. التبرّع بالدم كان حاضراً كذلك. فيقول عبد الرحمن الجواري وهو حقوقي ينشط في مجال التوعية المجتمعية، إنّه يشارك مع فرق تطوعية ومنظمات مجتمع مدني في نشاطات "تهدف إلى توعية المجتمع ودفعه إلى العمل التطوعي وتنمية حسّ مساعدة الآخر".

يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "الأماكن العامة حيث نجد عدداً كبيراً من الناس تُعَدّ مساحات مهمة لنشاطات التوعية المختلفة"، مشيراً إلى أنّ "الوصول إلى غايتنا التثقيفية لا يحتاج إلى كثير من الكلام أو الخطب أو الاجتماعات. الأمر أبسط من هذا بكثير، يكفي أن ننشر صوراً معبّرة تحثّ الناس على فعل الخير. هذا بالتحديد ما نقوم به في حملات التبرّع بالدم التي ننظّمها". ويشرح الجواري: "لدينا مجموعة من الصور لجرحى في تفجيرات إرهابية، وصور أخرى لجرحى من المقاتلين في معارك ضدّ تنظيم داعش. تحت الصور، ثمّة عبارات تتحدث عن تضحية الجنود وعن الإرهاب الذي وقع على الناس الأبرياء، مرفقة بدعوة إلى التبرّع بالدم لأنّ ثمّة من تتوقّف حياته على دم المتبرّعين". ويتابع أنّ "هذه الوسيلة كانت كافية في حملاتنا حتى يوافق كثيرون على الأمر خلال ساعات قليلة. وبذلك تمكنّا من توفير كميات من الدم للمحتاجين في المستشفيات".


في السياق، يشرح أحمد الربيعي وهو متخصص في تحليل الدم لـ "العربي الجديد"، أنّ "الحاجة إلى الدم ترتفع عند وقوع تفجيرات ومعارك، وهو ما يدعونا إلى تنظيم حملات مستمرّة للتبرع بالدم". يضيف أنّ "مصارف (بنوك) الدم في كلّ المحافظات تنظّم حملات مستمرّة، ونحن نشارك كذلك في حملات تتبناها منظمات مجتمعية وجهات حكومية. فالهدف واحد وهو إنقاذ حياة الناس". ويؤكد الربيعي أنّ "تضافر الجهود والاستجابة لمناشدة مصارف الدم يأتيان بسرعة من قبل المواطنين الذين يفدون بأعداد كبيرة للتبرّع بالدم". ويشير إلى "تعاون كبير من قبل مصارف الدم في المحافظات، إذ يقبل عليها متبرّعون بأعداد كبيرة حين يقع حادث تفجير في بقعة ما، وهذه ميزة مهمّة نفخر بها.. أي أن يكون مستوى الوعي لدينا مرتفعاً إلى هذا الحدّ في أيّ مدينة كنّا. فالمحافظات العراقية دائماً ما تسعف محافظة وقع فيها حادث تفجير، عبر كميات من الدم".

من جهته، يتحدّث حسام خالد وهو شاب عراقي شارك في تنظيم حملات للتبرّع بالدم في أثناء معارك خاضتها القوات العراقية مع تنظيم "داعش" في وقت سابق، عن "دليل وعي مجتمعي". فعندما تزيد الحاجة إلى الدم في حال وقوع معارك أو تفجيرات، وتناشد الجهات الرسمية الناس، فإنّ استجابة فورية تُسجّل من قبل المتبرّعين. ويقول خالد لـ"العربي الجديد" إنّه حين يعلم بتنظيم حملة ما للتبرّع بالدم، يسارع في مشاركة الإعلان عنها، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر إبلاغ مجموعات شبابية. وخالد طالب جامعي ينشط في منظمات مدنية تعمل في مجال الإغاثة والأعمال الخيرية التطوعية، وهو أخذ ورفاقه على عاتقهم منذ أكثر من خمسة أعوام، أن يكون التثقيف حول التبرّع بالدم أحد نشاطاتهم. ويشير إلى أنّ "كثيرين لا يتبرّعون وكثيرين يجهلون فوائد التبرّع بالدم. لذلك لدينا كراريس ومنشورات حول فوائد التبرّع بالدم بالنسبة إلى المتبرّع، بالإضافة إلى تبيان الفائدة العظيمة التي يقدّمها المتبرع لغيره من المواطنين".



والعراق لم يستقرّ أمنياً منذ غزوه في عام 2003، لذا تستمر الجهات الصحية المعنية بالإعلان عن الحاجة إلى التبرّع بالدم. جعفر العبودي (42 عاماً) على سبيل المثال، يتبرّع دورياً بالدم منذ نحو عشرة أعوام، ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّه لا ينتظر "وقوع حادثة لأتبرّع لضحاياها، بل ثمّة موعد ثابت لتبرّعي الدوري". يضيف: "قال لي الطبيب أنّني اتمتع بصحة جيدة ولدي وافر من الدم يُمَكّنني من التبرّع الدوري، وقد نصحني بذلك مرّة كلّ ستة أشهر". ويوضح العبودي أنّ "ما دعاني إلى التبرّع الدوري هو تلك الإعلانات التي أصادفها باستمرار في طريقي إلى العمل. ثمّة من يحتاج إلى الدم وربما يكون في حالة خطرة، لذلك اتّخذت قراري". ويؤكد العبودي: "أنا لست الوحيد. كثيرون غيري يتبرّعون دورياً، وألتقي ببعض منهم خلال دخولي إلى مركز التبرّع. وجميع من صادفتهم كانوا متحمّسين لأنّ دمهم سوف ينقذ أشخاصاً يحتاجون إليه".

ندى الرفاعي من هؤلاء العراقيين الذين صار التبرّع بالدم عادة لديهم. وتخبر "العربي الجديد" أنّها قامت بذلك للمرة الأولى في عام 2008، "فقد رأيتُ طفلاً ينزف حين انفجرت سيارة في سوق شعبي، وأدّت إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين". وتابعت الرفاعي، وهي موظفة في وزارة التجارة، أنّ "الطفل كان يصرخ. احتضنته أمه وقد غطاها دم ولدها، قبل أن تنقلهما سيارة إلى مستشفى مدينة الطب القريب من الحادث. لم أكن أعرف الطفل، لكنّني رأيته ووالدته وهما في حالة هستيرية. لحقت بهما إلى المستشفى، ووقفت إلى جانب والدته. قرّر الطبيب تزويده بالدم بعد إخراج شظايا من بطنه وقدمَيه، إذ إنّه نزف كثيراً". وتؤكد الرفاعي أنّها ومن خلال هذه الحادثة، "تعرّفت عن قرب على أهميّة التبرّع بالدم. وعلمت بأنّ المستشفيات أحياناً تفقد فئة من الدم أو أكثر. ومنذ ذلك الوقت، صرت أداوم على التبرّع".