عتوقة...أسطورة الكرة التونسية: هذه حكايتي مع الشتالي..ولقائي مع بورقيبة

26 يناير 2016
الحارس عتوقة أسطورة الكرة التونسية (العربي الجديد-Getty)
+ الخط -
من لا يعرف "عتوقة" فهو يجهل مرحلة مهمة من تاريخ كرة القدم التونسية والعربية؛ فهو الذي تحدث عنه نجم الكرة العالمي بيليه بالقول: "كان عليّ أن أجلب عتوقة وأضمه لفريق سانتوس البرازيلي".

بقي أحد أفضل لاعبي كرة القدم في تاريخ تونس طيلة 17 سنة. من أهم مميزاته "حسن التمركز، والتأكد من التصدي للكرة، وتوقع التسديدات، وتوجيه الدفاع، والثقة المرتفعة في النفس".

تاريخ أساطير.. سر التسمية
لن ينسى التونسيون أبدا أن العملاق عتوقة هو الذي وضع حجر الأساس لملحمة الأرجنتين الخالدة، خاصة بعد أن تصدى لضربة جزاء نفذها اللاعب المغربي فاراس، فمكن بذلك الفريق التونسي من الترشح لكأس العالم. كما نجح الحارس التونسي في أن يقهر نسور نيجيريا بمدينة لاغوس.

سألناه في البداية من أين جاءت تسميته "عتوقة"؟ وكيف بدأت علاقته بكرة القدم؟ هل كانت اختيارا واعيا منه أم أن ذلك حصل بمحض الصدفة، أم هناك أحد أدخله في القفص؟
يقول إنه منذ صغر كان كل أولاد الحومة (أي الحي) يلعبون الكرة بمنطقة بباب الجديد.

وكانت تستهويه خطة حارس المرمى التي مثلت له طموحا. كان قدوته من بين المشاهير في تلك الأيام الحارس العياشي. يقول إنه عندما يكون الشخص صغيرا ولديه طموحات يرغب في الوصول إليها فإنه قادر على تحقيقها.

في المدرسة كنت دائما أضع حجرا على اليمين وآخر على اليسار وأنطلق، وقد لاحظ الكل حتى المدرس أنه كانت لدي موهبة وتقنيات عالية تخولني أن أصبح حارس مرمى لامعا. ثم تكونت على يد مدرب النادي الأفريقي "فابيو" الذي قال إن "عتوقة سيمثل مستقبل حراسة المرمى في تونس". وشهد يومها "زرقة" حارس الفريق القومي أن "عتوقة هو أفضل منا بكثير وموهبته وسلطته على الميدان غير عادية".

هناك من لقبه بالأسد. وكان يصيح في الملعب ويقلق اللاعبين، ويوجههم وينظم عمليات الدفاع... ولكنه كان يتمتع بأخلاق عالية. ويعترف بأنه نجح كحارس مرمى "ولكني لم أنجح في الدراسة".

أهم درس تعلمه هو أنه عندما يجد حارس المرمى نفسه في وضعية التصدي لهجوم معاكس عليه أن يكون ذكيا، فلا أحد سيتمكن من اختراق شباكه. ويعتقد بأن اللاعب المهاجم هو الذي يكون في وضعية حرجة ومنهكا من الجري ومن مراوغة المدافعين ومحاصرتهم، بينما يكون حارس المرمى مرتاحا ومركزا مع الكرة ولا أحد يحاصره، وبقليل من الذكاء يستطيع التفوق على المهاجم.

لا خوف من المشجعين
يقول "عتوقة" إنه لا يخاف من الجمهور، ويعتبر أن الإنسان عندما يطمح إلى الوصول إلى هدف يناله، والجمهور يشجعه على ذلك. "حتى أني لما خضت مباريات ضد فريق الترجي الرياضي وتعالت أصوات الجمهور لإزعاجي بالقول إن "عتوقة أمه دقازة" أي مشعوذة، "كنت أردد معهم ما يقولونه فأستفزهم وأوتر أعصابهم".

"الجميع كانوا أصدقائي لكن في الكرة كل واحد يدافع عن فريقه. الكرة لا يمكن أن يكون فيها أعداء بل على العكس الكرة كلها أصحاب. خلال ساعة ونصف الساعة كل واحد يلعب دفاعا عن رايته، ثم عندما نخرج نصافح بعضنا ونقبل بعضنا ونبقى أصدقاء".

الحارس لا يخشى أحداً
عند سؤاله: هل كنت تخاف من هداف معين أو من خصم معين أو إن كان هناك مثلا من يخطط للإضرار بك خوفا منك أو حسدا؟

يضحك عتوقة، ثم يقول "إذا خاف حارس المرمى فلن ينجح. لا يجوز له أن يخاف، وإنما عليه فقط أن يحذر اللاعبين الممتازين لكونهم يتمتعون بمستوى عال في اللعب، مثال ذلك في تونس طارق ذياب وتميم والعقربي والوقت لا يتسع لذكر الآخرين، لم أكن أخشاهم وإنما أحسب لهم حسابا خاصا باعتبارهم لاعبين كبارا".

لقاء بورقيبة وسر الزيارات
حدثنا أسطورة الكرة التونسية عن الاختلاف الموجود بين الإمكانات المادية فقال: "قديما كانت القدرات المالية جد بسيطة، ولم تكن تسمح للاعب بأن يتناول وجبات مخصوصة أو أن يتبع حمية معينة ليحافظ على لياقته كما هو الحال اليوم. فالتفرغ للرياضة لم يكن يوفر لصاحبه عائدات مالية طائلة مثلما يحصل الآن. كنا نلعب من أجل الكرة ومن أجل الكيف والمتعة. ليلة المقابلة، كنا نتناول وجباتنا المعتادة مع العائلة وننام باكرا هذا كل شيء".

وكان لا بد من الحديث معه عن الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة فقال: "زرت بورقيبة عدة المرات، حيث قام بدعوتي إلى القصر الرئاسي في مناسبات كثيرة. كان يعرفني جيدا ويؤمن بقدراتي، فهو الذي كان يسلمني الكؤوس في كل نهائي بعد أن يتابع لعبي ويلاحظ مهاراتي على الميدان، وكان يدرك أني حارس مرمى الفريق الوطني وأن شهرتي تخطت حدود الوطن، ومعلوم أن كرة القدم كانت تحظى باهتمام كبير من الرؤساء آنذاك، وكانت لهم فعلا قيمة خاصة في تلك الأيام".

وحدثنا عن الفرق بين المباريات فأكد أن كل المقابلات سيان عنده، فقط تبقى المباراة الأخيرة ضد منتخب المغرب في التصفيات للترشح لنهائيات كأس العالم سنة 78 هي الأصعب على الإطلاق، وهي التي بقيت منحوتة في الذاكرة وقد ترشح المنتخب التونسي في نهايتها بالركلات الترجيحية.

قصة الخلاف الشهير مع الشتالي
لم يكن من الطبيعي أن نترك الفرصة تمر دون أن نتحدث مع عتوقة عن الخلاف الشهير بينه وبين الشتالي، والذي حرمه من التواجد في المونديال فقال: "غير صحيح أني لم أكن موجودا بنهائيات الأرجنتين".

"لقد رافقت الفريق القومي في رحلته وشجعت المنتخب. كل ما في الأمر أني ابتعدت عن التدريبات بسبب خلافي آنذاك مع فريقي النادي الأفريقي لمدة 3 أشهر، الشيء الذي حال بيني وبين المشاركة في النهائيات".

وأصر على القول ضاحكا إن لا دخل لعبد المجيد الشتالي في هذا الأمر، مؤكدا أن "الأهم ليس أن يلعب عتوقة أو لا، وإنما الأهم هي النتائج التي حققها المنتخب الوطني. الأكيد أن الحارس المختار النايلي الذي عوضني قد نجح في مهمته وقد سعدت بذلك، وكنت خلال المباريات أتتبعه وأرافقه وأحثه على النجاح. المظلمة الوحيدة التي تعرضت إليها هي أني لم أشارك في مباريات كأس العالم، وكان المفروض أن أشارك ولو حتى لخمس دقائق".

نعم بكيت.. لهذا السبب
عندما يلقي عتوقة نظرة على ماضيه الرياضي يقول "بدأت (مشواري) كحارس مرمى منذ أن كان عمري 17 سنة وبقيت على العهد إلى أن بلغت 37 عاما. لا أستطيع أن أحكم على نفسي وإنما الحكم للناس، هناك من واكب هذه المسيرة من ملاحظين وخبراء وصحافيين هم الأقدر مني على ذلك. لا أدعي أني كنت من أفضل الحراس على الصعيد الأفريقي، إذ كان هناك حراس آخرون بارزون في ذلك العهد، وربما كنت واحدا منهم".

ويضيف: "في كل مرة رفعنا فيها الكؤوس والبطولات التي حصلنا عليها يتجدد عندي الشعور بأن تلك اللحظة هي أسعد لحظات حياتي، وبالطبع وعلى المستوى العائلي أسعد فترات حياتي كانت حين تزوجت ورزقت بعدها بأولاد هم مصدر فخر لي، إذ إني أفتخر بأني حتى لما تزوجت كنت ناجحا.

لا أتصور أنني أخطأت خلال مسيرتي في حراسة المرمى، وحتى لما وقع إبعادي عن الفريق خلال نهائيات كأس العالم لم أحتجّ ولم أحدث بلبلة، واكتفيت باحترام قرارات مدرب المنتخب والتاريخ يشهد على ذلك".

سألناه عن علاقته بالغرور فقال إنه لم يفكر بهذه الطريقة أبدا.. أما عن اللحظة التي بكى فيها؟ فأكد أنها عندما رحلت والدته، فقد ولد يتيم الأب وفتح عينيه ليجدها ترعاه حتى فارقت الحياة.
ومن الأسئلة التي تخالج الجماهير الرياضية في تونس هو هروب عتوقة من خوض غمار التدريب. قال: "سبق أن دربت الحراس في المنتخب التونسي، ثم تحولت إلى المملكة العربية السعودية، وهذا كافٍ".

"وعندما هجرت التدريب كان ذلك اختيارا مني لأني خشيت أن أفقد هيبتي، إذ عادة ما يتعرض المدرب إلى السب إذا خسر مباراة أو إذا اتخذ قرارات لا تتماشى ورغبة اللاعبين، لهذا فضلت الانسحاب".

ويقول: "تونس أحبها بالجملة وبدون تفصيل لأنها بلدي بدون تفصيل، وأتمنى أن يتغير فيها كل ما هو غريب عنها ويعيق نموها كالإرهاب والخصومات السياسية والفقر والتدهور الأخلاقي".

المهم بالنسبة لعتوقة هو الأحمر والأبيض مهما تغير الفريق المسير، ومهما كانت النتائج التي يحققها وحتى لو جلبوا له رئيس جمعية أو مدربا من آخر أنحاء العالم.

طرائف..
يقول عتوقة: "حصلت معي عدة طرائف. لقد عرف عني أني مشاكس ومستفز خلال اللعب، وكنت دائما أحبذ المزاح والضحك ولا أحب الحزن.

والملعب بالنسبة لي كان دائما متنفسا. لكن ما بقي يحز في نفسي هو العرض الذي قدمه لي فريق فرنسي للالتحاق به، تم ذلك خلال مشاركتي في كأس العالم المصغرة مع النادي الأفريقي، والذي لم أتمكن من قبوله لأن القانون في تونس آنذاك كان يمنع الذهاب للعب بالخارج. كنت أطمح إلى ما هو أفضل نظرا لثقتي في إمكاناتي وقدراتي التي كانت تخولني التحليق للعب في أوروبا، والتونسيون يدركون ذلك، لكن هناك عوامل وقفت ضد طموحاتي. يكفي القول إن العقلية القديمة لم تكن تسمح بذلك خلافا لليوم، إذ أصبحوا يتمنون أن يخرج كل عناصر المنتخب إلى الخارج".
المساهمون