في عام 2012، أسّس عبد الوهاب الكيّالي فرقة "جذور" بالشراكة مع عازفين آخرين لتقدّم العديد من المقطوعات التي تنتمي إلى تراث المنطقة الممتدّة من أرمينيا شرقاً إلى اليونان غرباً، مروراً بالعراق وسورية وتركيا ومصر. وبعد سنوات من عمل الفرقة، واصلت نشاطها فقط من خلال الثنائي الذي يضمّ عازف الكمان محمد طهبوب بالإضافة إلى الكيالي.
الموسيقي وعازف العود الأردني الذي يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من "جامعة جورج واشنطن" الأميركية، بدأ دراسة آلة العود عام 1989، في "المعهد الوطني للموسيقى" بعمّان على يد الموسيقي صخر حتّر، وتلقى التوجيه والدعم من المؤلّف الموسيقي العراقي الراحل منير بشير، وشارك كعازف منفرد مع فرق مختلفة في العديد من المسابقات والمهرجانات والعروض العربية، وفي تركيا والولايات المتحدة.
"جذور" هو أول إصداراته الذي يقدّم فيه مشروعه الموسيقي عبر السعي لإحياء الموروث الآلاتي للمشرق وتطويره للذائقة العصرية عبر صهر تأثيرات شتى وطموح إلى صوت شامي مشرقي واضح الشخصية.
رداً على سؤال "العربي الجديد" حول الجدل الدائر منذ بدايات القرن العشرين حول تجديد الموسيقى العربية الذي اعتمد على إدماج الآلات الغربية في التخت الشرقي ضمن رهانات المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة، يقول الكيالي "أعتقد أنه يجب أن نفرّق ما بين الموسيقى العربية الغنائية والآلاتية. غنائياً، أرى أن مشاريع "التجديد" في الموسيقى العربية إجمالاً مرّت في أزمة. نلاحظ في الأربعينيات والخمسينيات بعض ألحان فريد الأطرش ومحمد القصبجي (وعلى عظمة هؤلاء) كانت حرفياً مفصومة في مزجها الثيمات الغربية والشرقية (مثلاً، أغنية ليالي الأنس في فيينا)".
يضيف "بدايةً من السبعينيات، بدأ المؤلفون الموسيقيون العرب الأشهر حصر تلحينهم بما يتناسب مع إدماج الآلات المبنية على النظام النصفي في النغم - كالبيانو والغيتار. كان هناك العديد من الدوافع لذلك، منها تجاري، ومنها ثقافي، ومنها ربما اعتقاد أن موسيقى المقام بالية ولا تتناسب مع العصر الحديث. تم التركيز أكثر على الهارموني (التناغم) وعلى الإيقاع البسيط على حساب التنويع اللحني المقامي والإيقاعي - فانحصرت ألحان الأغاني بمجملها في ما يمكن عزفه على الآلات الغربية بطريقة ما. بالتالي، وباستثناء قلّة قليلة تمسكت بأصول المقام العربي المشرقي، خسرنا رهان المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة في الأغنية العربية - فلم ننتج موسيقى أصيلة، وفكرتنا عن المعاصرة أضحت مشوهة".
ليس سهلاً إنتاج موسيقى مقامية متعددة الأصوات ومتناغمة
يوضّح الكيالي أنه "في الموسيقى الآلاتية، وربما لانحصارها ما بين نخب قليلة وعدم شهرتها على الصعيد الشعبي وخضوعها لنفس منطق السوق، لم يكن الحال كذلك. استمر الملحنون بكتابة الموسيقى الآلاتية باستناد أكبر للتراث - مما أدى إلى تجارب أكثر رصانةً من الناحية اللحنية. حينما بدأت أركان هذا المشروع ("جذور")، لاحظت من تجاربي أن الأذن العربية الحديثة منفتحة ومتقبلة أكثر بكثير مما توحي ثقافة الاستماع الدارجة، التي تعتمد على خيارات الملحنين وشركات إنتاج الأغنية العربية".
وعن تجربته خلال العقد الماضي يضيف لـ "العربي الجديد": "ببساطة، عندما قدمت في حفلاتي قوالب موسيقية قديمة (كالسماعي واللونجا والدولاب... إلخ) كانت ردود الفعل لها إيجابية جداً، سيماً أنني كنت أقدم موسيقى آلاتية (غير مصاحبة للغناء). تفاجأت بتقبل الجمهور لما يمكن أن نقدمه له، وارتأيت أن المطلوب الوحيد هو الإتقان. إن أتقنت ما تقدمه، مهما كان، فسيقبله الجمهور، وسيحبه، ويريد أن يسمعه".
يرى الكيالي أن "هناك تجارب حديثة عديدة مشجعة في تلحين الموسيقى الآلاتية، وأعتبرها مصدر إلهام لي، منها تجارب أحمد الخطيب ونزار روحانا من فلسطين ومصطفى سعيد وحازم شاهين من مصر وشربل روحانا وغسان سحاب من لبنان وخالد محمد علي من العراق وطارق الجندي من الأردن وإدريس الملومي من المغرب. هؤلاء كلهم (باستثناء غسان سحاب، كلهم عازفو عود) يبذلون جهودا كبيرة لتحديث الموسيقى العربية الآلاتية ولكن بالاستناد لأصولها، وفي تجاربهم أرى الأمل المشع، وأطمح للالتحاق بهم".
لحن العود جزء من بناء نغمي تتداخل فيه الأصوات والأدوار
وحول محاولته في هذا الألبوم دمج موسيقى المقام مع البوليفوني (تعدد الأصوات) والهارموني (التناغم)، يوضح الكيالي لـ "العربي الجديد" أنه "نظراً للمجال التغمي الواسع لموسيقى المقام، من الصعب إنتاج موسيقى مقامية متعددة الأصوات ومتناغمة في نفس الوقت. تعدد الأصوات مع النغمات "المسيكة" أو المبنية على نظام الكوما أو "ربع التون" عملية ليست سهلة، ومن السهل جداً أن يحصل نشاز، وأعتقد أن أبرع من استطاع دمج البوليفوني مع المقام هو زياد الرحباني، وتحديداً في ألبوم "أنا مش كافر". أطمح لمزاوجة موسيقى المقام مع تعدد الأصوات، قد ركزت على ذلك في توزيع مقطوعاتي ومقطوعات الآخرين في الألبوم. سيلحظ المستمع أن لحن العود هو جزء بسيط من بناء نغمي متكامل تتداخل فيه الأصوات والأدوار لإنتاج صوت أغنى وأكثر تركيباً وتعقيداً".
يتضمن الألبوم خمس مقطوعات ألفها ووزعها الكيالي، "في البال" و"نسيم الصباح" و"فرح" و"نوى" و"سامحيني" وثلاث مقطوعات أعاد توزيعها، "غريب – سماعي حجاز" لعازف القانون التركي غوكسيل باكتاغير و"رقصة زابيون والفتيات الجميلات" لعازف العود الأرمني-الأميركي ألان شافارش باردزبانيان و"شروق" لعازف العود العراقي جميل بشير.
وعن اختياراته في عمله الأول، يلفت الكيالي إلى أن "المقطوعات المؤلفة على هذا الألبوم هي رصيدي الكامل من المؤلفات، ولم أكتب غيرها. تجربتي في التأليف منقطعة وليست غزيرة، وأحاول في مؤلفاتي التركيز على النوعية والجودة على حساب الكم. لا أشعر أنه علي أن أقوم بتأليف عدد كبير من المقطوعات للمساهمة في المشهد الموسيقي. أشعر أيضاً أنه إذا لم أستطع أن أضيف شيئاً في المقطوعة - إما لحنياً أو روحانياً أو تقنياً في العزف - فلا داعي لتأليفها. كتبت هذه المقطوعات كلها بين 2009 و2015، ووزعتها على مراحل مختلفة. أعتقد أن البناء الموسيقي النهائي لها (على صعيد اللحن الأساسي والتوزيع) انتهى في 2016، وحينها بدأت التسجيل".
يُذكر أن "جذور" من إنتاج شركة "z music"، بمشاركة محمد طهبوب (كمان)، وفادي حتر (تشيللو)، وناصر سلامة (إيقاع)، ويعرب سميرات (المونتاج والمكساج)، وبابلو شولر (ماسترنغ)، وآرام تامينيان (التصميم)، و"آلاء السخني (التصوير)، وعبد الوهاب الكيالي (عود).