عبد المجيد شكير: بحثاً عن المسرح المغربي

10 يناير 2015
+ الخط -

يجمع عبد المجيد شكير بين التأليف والإخراج وإدارة فرقته المسرحية، إضافة إلى ممارسة النقد والبحث الأكاديمي. في كل ذلك يبقى "وجه" المسرح المغربي همّه الأول والأخير؛ كيف يبقى هذا الوجه أصيلاً وحاضراً وقريباً من الناس.

يدير مؤلف "الجماليات المسرحية" فرقة "مسرح أبعاد" التي تأسست مع مطلع الألفية الجديدة، وهي امتداد لتجربته السابقة، "محترف البحث المسرحي". وقدمت هذه الفرقة، سواء في صيغتها القديمة أو الراهنة، أعمالاً درامية مقتبسة من نصوص متعددة المشارب لسعد الله ونوس وعبد الحق الزروالي وممدوح عدوان والألباني إسماعيل كاداريه والجنوب أفريقي أثول فوجارد وغيرهم. ذلك إضافة إلى النصوص التي عمل شكير على تأليفها وإخراجها.

منذ خمسة عشر عاماً، تقدم الفرقة كل عروضها باللغة العربية الفصيحة، وقد نالت عدداً من الجوائز داخل الوطن العربي، وخارجه أيضاً، كـ "الجائزة التقديرية" في مدينة  قطانيا في صقلية، و"جائزة مهرجان كونكورديا الكبرى" في رومانيا، إضافة إلى جائزة "السمكة البهلوان" في مهرجان "هاليفاكس" في كندا.

يرى شكير أن وجع المسرح المغربي وبداية مشاكله يأتيان من "داء فقدان الشجاعة في الجسم المسرحي المغربي بكل مكوناته، إذ لا جهة من الجهات الوصية عليه تتحمل مسؤوليتها وتمارس نقداً ذاتياً وتعلن تقصيرها في هذا المشهد، بدءاً من الفرقة المسرحية، وصولاً إلى وزارة الثقافة، مروراً بالهيئات التمثيلية كالنقابات، بالإضافة، طبعاً، إلى الإعلام والفعل النقدي الرصين".

أما في ما يخص الفرق المسرحية، فيقول شكير إنه قلّما نجد فرقاً مسرحية بوصفها بنىً ثابتة، فهي في الغالب مجموعات متغيرة يجمعها العمل المسرحي الواحد، في زمن محدود. في حين أن الفِرَق التي تقوم على عناصر ثابتة في مختلف التخصصات هي القادرة على أن يكون لها مشروع مسرحي، أي أن مشروعها الفني هو سلسلة مسرحيات (وليس مسرحية واحدة) تنتظم وفق تصور فني ورؤية فكرية تجعل من اشتغالها بحثاً متطوراً ومطّرداً. وهذا النوع هو الذي من شأنه أن يفرز ممارسة مسرحية تقوم على التنوع، وعلى تعدد التصورات والرؤى، إن لم نقل التيارات المسرحية.

في غياب هذا الثبات من بنية الفرقة، يكون الأمر برمته مجرد أسماء فرَق عنوانها مديرها أو مخرج أعمالها، بينما إبداعيتها بين صعود ونزول من دون ضابط فني يحكم مسارها.

وعن دور وزارة الثقافة في المسرج المغربي، يبيّن صاحب كتاب "المسرح المغربي بين المضمون الفكري والبعد الإيديولوجي" أن الوزارة ما زالت إلى الآن "عاجزة عن وضع استراتيجية واضحة المعالم للمسرح، قائمة على تصور مضبوط ورؤية بعيدة المدى. وما نشهده اقتراحاتٌ تطلع علينا بها الوزارة كل مرة مدّعية إشراك تمثيليات متعددة. والنتيجة هذا التراجع الفظيع على مستوى الجودة والإبداعية.

ورغم وجود أكثر من مؤشر على هذا التراجع، من حديث عن لجان الدعم، وصيغ اختيارات المهرجان الوطني، وتدبير تنشيط المركبات الثقافية، فإن الوزارة ماضية في مخططها، وكأن كل الأصوات التي تنتقد أو تقترح بدائل مجرد غربان تنعق ولا قيمة لآرائها وتصوراتها".

ويؤكد شكير أن هناك مسؤولية على عاتق الهيئات المسرحية التي يلزمها الكثير من التطوير والتجديد لتعوض قصور المؤسسة الرسمية. ولئن كانت النقابة المغربية لمحترفي المسرح على الخصوص قد استطاعت، نسبياً، أن تفرض نفسها الأكثر تمثيلية، وذات الحضور القوي في المشهد على المستوى النقابي، فإن الفيدرالية ينتظرها الكثير لتعلن عن ذاتها بشكل بارز، ويكون لصوتها صدى يصل لكل الجهات ذات الصلة بالممارسة المسرحية، ويلزمها الكثير لتلعب دورها الذي وجدت من أجله، والذي لا تظهر ملامحه من خلال وضعية وأداء الفيدرالية الحاليين، وشبه غيابها في المشهد المسرحي الراهن يجعلنا نحتاج إلى الكثير من التفاؤل لنؤمن بقدرتها على تحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها.

وبخصوص مشروعه المسرحي، فقد انشغل الكاتب والمخرج في جزء منه بفكرة مسرحة المكان، وأيضاً بفكرة تقريب المسرح من الناس، وجعله قادراً على التأثير في الحياة اليومية، بل تحقيق هذا التأثير بشكل متبادل. ويراهن في اشتغاله المسرحي على القيم الكبرى، وينتقد الأعمال المسرحية التي تخلو من رسائل إنسانية، بل يعتبرها "تافهة" وأعمالاً تجارية لا تخرج عن إطار التهريج. ويرى أن المضمون لا ينبغي تغييبه، وإن كان مسرح "ما بعد الدراما" يبتعد عن الحكاية لكن "الحالة" أو "الموقف" في الدراما يجب أن يكون مقترناً برسالة.

صحيح أن الرهان الجمالي، كما يراه شكير، يكون في الغالب على كيفية تقديم المضمون، لكن على هذا المضمون أن يقول شيئاً ما، لأن أي عرض غير حامل لما يبقى في الأذهان ولما يثير الأسئلة خارج المعايير الفنية سيكون زخرفاً أو استعراضاً للتقنيات فقط.

دلالات
المساهمون