ضمن المجال المعرفي الذي بات يُعرف اليوم بـ"الإسلاميات"، خصوصاً منذ اشتغالات المفكر الجزائري الفرنسي محمد أركون ومحاولة مقاربة الإسلام كظاهرة ثقافية شاملة بعيداً عن المسلمات التراثية، برزت خصوصية في تونس تتعلق بتنوّع المقاربات المساهمة في هذا المضمار، فبرزت أعمال المؤرّخَين هشام جعيّط ومحمد الطالبي، والمحلل النفسي فتحي بن سلامة، ورجل القانون محمد الشرفي، وعالم الاجتماع عبد الوهاب بوحديبة، والناقد الطاهر أمين.
إلى هؤلاء يمكن أن نضيف أستاذ الحضارة العربية في الجامعة التونسية عبد المجيد الشرفي (1942)، ولعلّه من ناحية الكم يعدّ الأكثر مساهمة في هذا الفضاء المعرفي، إضافة إلى تنوّع مقارباته للإسلام كظاهرة حضارية معاصرة، من دراسته لعلاقة الإسلام بمفاهيم كبرى في عالم اليوم مثل الحداثة والتاريخ والثورة، إلى دراسة الإسلام السياسي والعودة للنصوص التأسيسية.
كانت آخر مشاريع الشرفي البحثية عمل بعنوان "المصحف وقراءاته" (2016)، وهو كتاب جماعي أشرف عليه وأصدرته مؤسسة "بيت الحكمة" (المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون) التي يديرها منذ سنوات. ضمن هذا الانشغال، يلقي الباحث التونسي، غداً الأربعاء، ضمن درس افتتاحي للسنة الجامعية في "كلية منوبة" في تونس العاصمة، محاضرة بعنوان "في منهجية التفسير".
يبدو الانشغال البحثي بالقرآن عودة إلى منطلقات الشرفي، حيث أنجز في بداية مساره العلمي، بين نهاية سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، أبحاثاً كثيرة حول القرآن في علاقته بثقافات أخرى، وخصوصاً الحجاج المستند إليه ضمن سجالات مع كتب سماوية أخرى. لكن مقاربة اليوم تبدو وقد نضجت مع تطوّر الأجهزة المفاهيمية في مقاربة القرآن، وتغيرّات اجتماعية وسياسية عرفتها البلاد العربية ومن المؤكّد أن لها أثرها على البحث في هذا السياق.