تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الرابع والعشرين من آذار/ مارس، ذكرى ميلاد المترجم والباحث الهندي البريطاني عبد الله يوسف علي (1886 - 1963).
حتى ثلاثينيات القرن الماضي، شابت معظم ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأوروبية أخطاء عديدة بسبب سوء فهم آياته، لتصبح النسخة الإنكليزية من المصحف التي ترجمها المحامي والباحث الهندي البريطاني عبد الله يوسف علي الذي تمرّ اليوم الثلاثاء ذكرى ميلاده، الأكثر انتشاراً حول العالم.
وُلد الراحل في بومباي لوالد عمل مفتشاً حكومياً في الشرطة إبّان الاستعمار البريطاني لبلاده، ما أهّله للتعلّم في "مدرسة ويلسون" في مدينته وأتقن اللغتين العربية والإنكليزية، بعد تلقّيه تعليماً دينياً حفظ خلاله القرآن ودرس تفاسيره والتاريخ الإسلامي، ثم انتقل إلى الجامعة حيث حاز درجة البكالوريوس في الأدب الإنكليزية، وحصل بعد ذلك على منحة دراسية في كلية سانت جون في "كامبريدج".
في بريطانيا، درس القانون ونال درجة الماجستير عام 1895 حيث عاد إلى الهند وحصل على وظيفة في جهاز الخدمة المدنية وارتقى إلى مناصب عليا ليستقيل سنة 1914، ويعود إلى لندن ليستقرّ هناك حيث عمل أميناً لمسجد شاه جيهان الشهير في منطقة ووكينغ، ثم التحق بعد ثلاثة أعوام محاضراً في "مدرسة الدراسات الشرقية".
سيعود إلى الهند مرّة ثانية ليلتقي هناك الشاعر والفيلسوف محمد إقبال الذي ساهم في تعينه مديراً للكلية الإسلامية في مدينة لاهور (في الباكستان حالياً) عام 1925، كما سيعمل في "جامعة البنجاب"، ويصدر في تلك الفترة عدداً من مؤلّفاته مثل: "المثاليات التربوية الإسلامية" (1923)، و"أصول الإسلام" (1929)، و"التربية الأخلاقية: أهداف وأساليب" (1930)، و"شخصية الإنسان في الإسلام" (1931)، و"رسالة الإسلام" (1940). لكن تبقى الأشهر بين أعماله هي ترجمته القرآن إلى اللغة الإنكليزية مرفقاً معها شروحات وتفسيراً، وكانت الطبعة الأولى منها عام 1934، لتصدر طبعة ثانية منقّحة سنة 1939، ولا تزال الأكثر تداولاً حتى اليوم.
يشير علي في تقديمه إلى الترجمات السابقة لمعاني القرآن بدءاً من محمد عبد الحكيم خان عام 1905، ومولوي محمد علي سنة 1917، وصولاً إلى ترجمة مارمادوكي بيكثال عام 1930، وملاحظاته حولها، مبينّاً دوافعه أيضاً للقيام بمشروعه، حيث يقول: "من واجب كل مسلم أو رجل أو امرأة أو طفل أن يقرأ القرآن ويفهمه حسب قدرته. وإذا توصل أحد منا إلى بعض المعرفة أو الفهم منه بالدراسة والتأمل والاختبار في الحياة، سواء في الخارج أو في الداخل، فمن واجبه، حسب قدرته، أن يوجّه الآخرين، وأن يشاركهم الفرح والسلام الناتج عن الاتصال الروحي".
في عام 1938، زار عدداً من البلدان الإسلامية والأوروبية وأميركا الشمالية لنشر ترجمته وتقديمها للمتخصّصين في العلوم الشرعية، قبل أن يتوّجه إلى لندن عام 1947 ليقيم فيها بقية أيامه في فقر شديد حتى أصيب بنوبة قلبية أدّت إلى رحيله.