عبد الله طمين: 40 مليار دولار فاتورة الفساد الجزائرية

29 فبراير 2016
رئيس المؤسسة الدولية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد(العربي الجديد)
+ الخط -
أعلن رئيس المؤسسة الدولية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد، الناشط الجزائري عبد الله طمين، أن فاتورة الفساد في الجزائر تقارب 40 مليار دولار، وأنه حتى الشؤون الدينية والأوقاف لا تخضع للمحاسبة ولا للشفافية، مشيراً في مقابلة لـ :"العربي الجديد" إلى أن النتائج تنعكس سلباً على الاقتصاد. وهنا نص المقابلة :


* كيف يمكن تقييم حجم الفساد في الجزائر؟ وهل هناك من تحسن في عملية مكافحة الفساد أو تلحظ بعض التراجع؟
الفساد موجود في كل دول العالم وتقريباً بنفس الوتيرة، والجزائر بلد لا يخلو من هذه الظاهرة، ويكذب من يقول إنه ملم بالظاهرة ويملك جرداً دقيقاً لها. فلا منظمة الشفافية الدولية ولا منظمة الأمم المتحدة ولا وزارة العدل ولا أي جهة لديها المعطيات الدقيقة، ولكن كل ما في الأمر هو أن هناك بعض المؤشرات تتمثل في الانغلاق وفي القوانين العرجاء والتصرفات والإجراءات التي لا تلتزم الشفافية، وبناءً على هذه المعايير تبني منظمة الشفافية الدولية وترتب وتصنّف الدول على أساس مستوى الفساد بها، لكن هذا الترتيب ليس أكثر من مؤشرات ولا يعكس الواقع الفعلي.

* لكن منظمة الشفافية الدولية وضعت الجزائر في تقرير مؤشر الفساد في المرتبة 88 لسنة 2015 بعدما كانت سنة 2014 في المرتبة 100 وفي سنة 2013 في المرتبة 94، فكيف تقرأ هذا التراجع؟
لدينا تحفظات عديدة على هذا التقييم، لأن الطرق المتبعة فيه تفتقر للمصداقية. فالمنظمة تعتبر عدم مساءلة البرلمان للحكومة مؤشرا يشجع على الفساد، وتنظر إلى مدى توفير الحماية للمبلّغين عن قضايا الفساد... ويوجد حوالي 13 مؤشراً، منها أيضاً اعتماد تقارير البنك الدولي وآراء رجال أعمال أجانب زاروا البلاد، وبناءً على هذه المعطيات يقومون بالتصنيف. لكن إذا أخذنا حجم المبالغ المالية للفساد مثلا كمقياس أو مؤشر للفساد في أي دولة في العالم، فحينها سنجد أن الولايات المتحدة الأميركية هي أكثر الدول فساداً في العالم، لأن فاتورة الفساد في أميركا تتجاوز الألف مليار دولار بينما فاتورة الفساد في الجزائر 40 مليار دولار، ما يشير إلى أن ترتيب الدول ليس واقعياً.

* في المؤسسة التي ترأسها، في أي ترتيب تضعون الجزائر في ما يخص الفساد؟
نحن مؤسسة دورها تحسيسي وتوعوي وتكوين الأجيال المقبلة الخالية من الفساد لتحصين الاقتصاد، والفساد في الجزائر موجود والقيمة التقريبية له في حدود 40 مليار دولار، كما هو موجود أيضاً في الاتحاد الأوروبي بنحو 360 مليار دولار، وفي العالم العربي بنحو 320 مليار دولار. وبالتالي الجزائر هي من ضمن القائمة ولكن ليست في صدارتها.

* أنشأت الحكومة الجزائرية عدة هيئات لمحاربة الفساد، هل ترون أن هذه الهيئات تقوم بالواجب المنوط بها في محاربة الفساد؟
لدينا مؤسسات كثيرة ولكن بصلاحيات محدودة لمراقبة الفساد، وحيث يوجد على رأس هذه المؤسسات إداريون، وبالتالي مصداقيتها مهزوزة. برأيي لو أنشأوا مؤسسات لديها تمثيل واختاروا لها أشخاصاً ذوي سمعة وأسماؤهم متداولة على مستوى دولي فيمكن أن يعطوا دفعاً للعملية ويساعدوا في مكافحة الفساد. أما أن تنشأ مؤسسة تحت الضغط لأن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تشترط ذلك، فهي لن تأتي بجديد في عملية مكافحة الفساد، ما يشير إلى أن الإرادة السياسية في هذا الإطار ضعيفة.


* بالحديث عن الإرادة السياسية في مكافحة الفساد، شهدت الجزائر السنة الماضية محاكمات لأشهر قضايا الفساد التي عرفتها البلاد، وعلى رأسها قضية "بنك الخليفة"، "الطريق السيار" و"سوناطراك 1" وغيرها، هل يعتبر ذلك إرادة سياسية لمحاربة الظاهرة، أم هو مجرد ذر للرماد في العيون؟
قيل الكثير في هذا الاتجاه، حيث هنا جهات اعتبرت المحاكمات قراراً شجاعاً وإنجازاً عظيماً، وهناك من رأى أن الطريقة التي تم بها التحقيق وإبعاد أسماء من هذه الملفات، واستقدام السكرتيرة والإداري البسيط والتغاضي عن المسؤول الأول عن القطاع، مؤشر ضعف الإرادة السياسية. فالملف، هذا إذا فتحناه، فالهدف منه هو استرجاع أموال الدولة، وأن يكون هؤلاء عبرة لمن بعدهم كي لا يرتكبوا نفس الفضائح. أما قضية قطع الرؤوس الصغيرة فليست حلاً في محاربة الفساد، والحل في رأيي هو حل تربوي توعوي تحسيسي لهذه الفئة، في مقابل محاسبة الرؤوس الكبيرة المسؤولة عن هذه الجرائم، أما صغار الموظفين فقد كانوا أناساً مأمورين.

* قلتم إنه من أهم وأفضل أساليب محاربة الفساد هي التوعية والتحسيس والتربية، ونعلم أن للمسجد ومن ورائه وزارة الشؤون الدينية دور كبير في هذه القضية، لكنكم مَن فجّرتم فضيحة الفساد بهذه الوزارة سنة 2008، في ما يتعلق بقضية أموال صندوق الزكاة وعقارات الوقف، فما دامت الهيئة الأولى المسؤولة عن المساجد فاسدة هل يوجد أمل في محاربة الفساد في البلاد بالطريقة التربوية التوعوية؟
ما نعيبه على رئيس الجمهورية، القاضي الأول بالبلاد في قضية وزارة الشؤون الدينية، هو أنه لم يكن حكماً جيداً في هذه القضية، إذ كان من المفروض أن يحقق في القضية، وإذا كنت أنا المخطئ فكان عليه أن يتخذ إجراءات عقابية ضدي وأنا مستعد لتقبّل ذلك. أما إذا كان ما قلته حقيقة، فكان من المفروض أن يتخذ إجراءات في حينها ويمنع انتشار هذا المرض إلى جهات أخرى. وهذا سبب من الأسباب التي جعلتني أناضل في هذا الاتجاه، فوزارة الشؤون الدينية غير مستثناة من الفساد الموجود في باقي القطاعات، ولكن العيب الكبير هو أن "أصحاب الآية والحديث" نجدهم متواطئين ومتسترين على هذه القضايا، فخرجوا عن رسالتهم والمهمة المنوطة بهم، وهذا أمر حرام وحتى المجتمع لا يغفر لهم.

* هل ترون أن قضية الفساد التي فجرتموها في هذه الوزارة سنة 2008 لا تزال قائمة إلى اليوم في ما يتعلق باستغلال أموال صندوق الزكاة وعقارات الأوقاف؟
عندما نتكلم عن قطاع الشؤون الدينية يجب أن نمر عليها نقطة بنقطة حتى لا يقال إننا نصفي حسابات شخصية أو ننتقم، فهنا علينا أن نعطي حقائق ووقائع ونترك الحكم للشعب. فالزكاة مقنّنة شرعاً، ومثلاً في ما يتعلق بزكاة عيد الفطر، يقضي الشرع بأن يتصدّق رب الأسرة عن كل فرد في أسرته بكيلوغرامين من السميد مثلاً للمحل التجاري الأقرب بالحي، وزكاة الحول تقول إنه عليك أن تتصدّق بـ2.5% من مدخراتك عندما تتجاوز قيمة السلع والأموال المدخرة عندك ما قيمته 85 غراماً من الذهب. فما دام الأمر مقنناً فما الداعي إلى وضع 15 ألف صندوق ونسميها صناديق الزكاة موزعة على 15 ألف مسجد موجودة بالبلاد؟ المصلون يضعون يومياً بالصندوق ما تيسّر من المال بلا حساب ولا ضوابط، فهل في هذه الحالة نعتبر هذه الصناديق صناديق زكاة أم صناديق سوداء؟ شروط الزكاة كما أسلفت، وهذه الصناديق لا تتماشى معها، فإذا اعتبرنا أموال هذه الصناديق تبرعات فالتبرعات تحتاج إلى رخصة من والي الولاية وتتطلب محاسبة. وإذا اعتبرناها زكاة، فللزكاة شروطها وهي غير متوفرة في هذه الصناديق.
وهناك أمر آخر، فوظيفة إمام المسجد هي التربية، التعليم، تحفيظ القرآن، يصلي بالناس... وإذا أنت أدخلته في مجال المال والأعمال وأخرجته عن مهمته الرئيسية وأعطيته صندوقاً وأموالاً، حينها سيصبح محل شبهة لدى الرأي العام، ولا يستطيع تأدية وظيفته المنوطة به. ولذلك ثرنا على هذه القضية، ولكن لا حياة لمن تنادي. هناك أمر آخر متعلق بالأوقاف التي يصل عددها بالجزائر إلى نحو ثمانية آلاف وحدة وقفية، منها أوقاف تؤجر بأثمان رمزية وهي موجودة بأحياء راقية بالعاصمة في غياب أي شفافية أو محاسبة عمومية لمداخيل القطاع. إذاً، هذه أمور لا بد من مراجعتها إذا أردنا رد الاعتبار للقطاع وإعادة القطار إلى سكته.

* عزفت الجزائر العام الماضي عن الإحياء الرسمي لليوم العالمي لمحاربة الفساد، لماذا في رأيك؟
كان الأجدر بمن هم في السلطة أن يتحلوا بالشجاعة الكافية والجرأة لمواجهة الأمور وتسمية الأشياء بمسمياتها، وهذا أفضل لهم من الهروب إلى الأمام، حيث كان من المفروض أن تضع الدولة ترتيبات خاصة لإحياء هذا اليوم وتستدعي منظمات مختصة في المجال ووجوه بارزة في المجال وتقف على الظاهرة بالبلاد، وماذا بعد؟ وممَّ الخوف؟ ولكن سياسة الهروب إلى الأمام في اعتقادي تتنافى مع وظيفة الدولة وتسيء لسمعة البلاد.

* اتخذت الحكومة قراراً بضرورة تصريح المسؤولين السامين في الدولة بممتلكاتهم، هل ترون أن هذا القرار يفي بالغرض في قضية حماية المؤسسات الوطنية من الفساد؟
التصريح بالممتلكات أمر إيجابي، لكن ما يعاب عليه هو غياب الشفافية، وتسليط الضوء على هؤلاء المسؤولين بعد انتهاء مهامهم. فإلى حد الآن لم نر أي مسؤول جزائري حوسب على ممتلكاته أو قدمها عقب مغادرته منصبه وقبل اعتلائه إياه، ففي رأيي هذا إجراء شكلي لغياب المتابعة. ومن المفروض ألا نبقى في الشكليات، فإما أن نضع إجراءً عن قناعة ونتابع تطبيقه إلى نهايته، أو لا نتخذ أي إجراء إطلاقاً.

* في التعديل الدستوري الأخير يرى مؤيدون أنه يتضمن مواد قوية لمكافحة الفساد، فكيف تقيّمون هذه المواد في هذا الصدد؟
محتوى أي دستور في العالم يرتكز على نقطتين أساسيتين، أولاها المقومات الوطنية، وثانيتها طبيعة نظام الحكم، فبالنسبة للفساد، كمبدأ هو بحاجة إلى دسترة، أما كآلية فالدستور غير كاف لمحاربة الفساد بل الأمر يحتاج إلى قوانين ونصوص تطبيقية تستمد قوتها من الدستور.

* هل من رسالة يمكن توجيهها إلى المسؤولين في البلاد عن محاربة الفساد؟
رسالتي أوجهها إلى رئيس الجمهورية وهي أنه على النظام القائم أن يضع في حسبانه أن أي شخص يسعى لمحاربة الفساد ليس عدواً ولم يأت لقطع الرؤوس أو للانتقام. فمحاربة الفساد تتم بعدة طرق، بدءاً بالجانب الوقائي، وهذا أهم شيء نحرص عليه، وانتهاءً بالجانب الردعي، وهذا من اختصاص الجهات الأمنية والقضائية.

اقرأ أيضاً:لخضر بن خلاف:سنوات عجاف" أمام الجزائر بسبب السياسات