عبد الله ستار... نجح في العمل والدراسة رغم النزوح بالعراق

25 يناير 2018
حقق هدفَيه (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تثنِ مصاعب النزوح عدداً كبيراً من العراقيين عن القتال في وجه كلّ الظروف، بل النجاح في ذلك أيضاً. عبد الله ستار أحدهم.


عام 2014، نزح عبد الله ستار مع والديه وبقية أفراد أسرته من مدينتهم الأنبار (110 كلم غرب بغداد)، بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" عليها، فاستقروا في العاصمة بغداد.

في بغداد أقيمت عدة مخيمات للنازحين من المحافظات. لكنّ عبد الله أصرّ على أن تسكن عائلته في بيت داخل حي سكني تتوفر فيه كلّ الخدمات. وضع الشاب على عاتقه مسؤولية تكاليف السكن والمعيشة، بعدما استأجر لأسرته منزلاً متكامل الخدمات وسط العاصمة. يقول لـ "العربي الجديد" إنّه كان واثقاً من العثور على عمل يوفر متطلبات المعيشة، إذ يملك عدة مهارات. يضيف: "والدي كان يعمل في مقاولات البناء، لكنّه يعاني من مرض أعاقه عن مواصلة عمله". يتابع: "تعلمت البناء وأصبحت بناءً ماهراً وأنا بعمر 17 عاماً، ليس فقط البناء، بل تعلمت عدة مهن، منها ميكانيك السيارات ومحركات الديزل، والإنشاءات الكهربائية، والأدوات الصحية في المنازل، وملكت خبرة كبيرة في صنع المعجنات والخبز".

لم يتعلم عبد الله هذه المهن من دون تضحيات، فقد تأخر في دراسته بسبب العمل، ويقول إنّه كان يترك الدراسة عاماً ويواصل في العام الذي يليه: "في الدراسة الثانوية تأخرت أربع سنوات. كنت مضطراً لهذا، لكنّي كنت مصراً على أن أكمل دراستي".

لم يكن عبد الله يتوقع أنّه وأسرته سيهربون يوماً من منزلهم بحثاً عن الأمان، إذ لطالما اشتهرت الأنبار بالذات بالأمان. لكنّ الحال تغيرت في أكتوبر/تشرين الأول 2014، بعدما تمكن تنظيم "داعش" من السيطرة على أجزاء كبيرة من المحافظة. يقول: "لم يكن من السهل أن نبقى في منزلنا بينما يتجول مقاتلو داعش بيننا ويملون علينا أوامرهم. كنا نعلم أنّ مستقبلنا سيئ إن بقينا في مدينتنا، فنحن إما سنقتل على أيديهم بسبب رفضنا أوامرهم، أو سنقتل في قصف القوات العراقية أو قوات التحالف الذي يستهدفهم فيما هم يتموضعون بين المدنيين". خرجت العائلة ولم تأخذ معها غير السيولة المالية وبطاقات الهوية وهربت إلى بغداد في رحلة استمرت يوماً كاملاً.


يقول عبد الله: "مرة أخرى كان عليّ أن أضحّي، إذ توجب عليّ أن أجد عملاً وأترك دراستي بعدما وصلت إلى سنتي الجامعية الثانية". كان عبد الله يطمح إلى أن يملك خبرة مالية ومصرفية ويعمل في قطاع المصارف، ولم يكن معدله العام يؤهله لدخول كلية الاقتصاد، لذلك لجأ إلى الدراسة في هذا الاختصاص في كلية خاصة بمحافظته الأنبار. كان يعمل ويسدد أجور دراسته فيها حتى أكمل السنة الأولى.

في بغداد، وجد عبد الله عملاً جيداً بسرعة، إذ مكّنته خبرته في الخبز والمعجنات، ومهارته في التعامل مع الناس، من كسب ثقة صاحب الفرن الذي منحه أيضاً فرصة لمواصلة دراسته الجامعية. يقول عبد الله: "واصلت دراستي الجامعية في بغداد، وفقاً لنظام الاستضافة. كنت أعمل وأدرس في الوقت نفسه، لكن في السنة الدراسية الثالثة عام 2016، جرى نقل الطلاب المستضافين للدراسة في جامعة كركوك، وقررت أن أترك الدراسة، فمن غير الممكن أن أترك العمل، لكن لحسن الحظ هناك من وقف إلى جانبي من الأصدقاء ووفر لي عملاً جيداً في فرن للمعجنات في كركوك".



خمسة أيام يبيتها عبد الله في كركوك كلّ أسبوع، يدرس في كليته صباحاً ويعمل في الفرن مساءً، فيما يقضي اليومين المتبقيين من الأسبوع في بغداد ويخصصهما للعمل.

مرة أخرى كان على عبدالله أن يبدأ من جديد، عقب تحرير الأنبار مطلع عام 2016، وتدريجياً أعيدت المؤسسات الحكومية والجامعات والمدارس إلى العمل. وفي عام 2017 كان لزاماً عليه أن يكمل دراسته في محافظته الأم، لكنّه هذه المرة كان يذهب صباحاً ويعود إلى بغداد عند الظهر، ويكمل عمله في الفرن، حتى تخرّج ونال شهادة البكالوريوس.

يفصح عبد الله في حديثه لـ "العربي الجديد" أنّه بالرغم مما لاقاه من تعب وقلة راحة خلال النزوح، إلاّ أنّه كان سعيداً بالتغلب على الكثير من المصاعب، فقد حقق أهم هدفين وضعهما أمامه عند نزوحه؛ العمل كي تتمكن أسرته من العيش في بيت مريح في نزوحهم، ومواصلة الدراسة الجامعية ثم التخرج بعدها. وها هو يرفع سقف التحدي: "لم أدرس لأحتفظ بشهادة تخرجي في خزانة ملابسي. لقد خططت لمستقبلي جيداً، وسأشق طريقي من خلال تحصيلي العلمي".

المساهمون