عبد الله حسين... دخيل في وطنه باكستان

09 اغسطس 2015
عبد الله حسين
+ الخط -
فقدت اللغة الأوردية مؤخراً رائدها في فن النثر عبد الله حسين الذي توفي في شهر يوليو/تموز الماضي من هذا العام، حين خسر معركته ضد السرطان عن عمر يناهز 84 عاماً. لكن حسين شهد في حياته ترجمة كل أعماله الأدبية تقريبا إلى اللغة الإنجليزية وهي التي تابعها قراء ونقاد كثر. كان حسين أيضا ضمن أولئك الرواد من الكتاب ممن من أضاء الشعلة فيما يخص الولوج في الاتجاهات غير المحافظة وتضمينها في الأدب الأردي المعاصر. ومن المفيد تعريف القراء العرب بهذه القامة الأدبية الباكستانية وإبداعاتها.

تعتبر أول رواية لحسين وهي "Udas Naslain" (الأجيال المرهقة) أعظم ما أبدع والسبب في شهرته، وقد فازت بجائزة 1963 "ادمجي" للآداب، وهي جائزة مان بوكر للرواية الخيالية /النسخة الباكستانية. وتمحورت قصة الرواية حول الحرب العالمية الأولى والأحداث التي كانت تجري منذ سقوط الإمبراطورية المغولية في عام 1857، وتتناول في الجوهر صور وأحداث الاضطراب الاجتماعي والسياسي الذي مرت به القارة الآسيوية خلال الاستعمار البريطاني.

وتأتي أهمية الرواية تلك بسبب تأثيرها المستمر على جيل من الكتاب والقراء منذ ذلك الحين بسبب لغتها الحادة والجريئة والسلسة بذات الوقت. ولكون الكاتب عايش متاهة التاريخ المعاصر، فإن نزعتي التحدي والاكتئاب المتكرر للشخصيات يرخيان بظلالهما على هذا العمل. كما أصبحت الرواية الأولى من نوعها التي اختارها التلفزيون الباكستاني حتى تكون عملا دراميا يعرض على شاشاته.

على الرغم من الإقبال الكبير على أعماله، لم يسرع حسين في الشروع في عمله الأدبي الثاني مباشرة بل بعد وقت طويل، وهو يقول في هذا الصدد: "استغرق الأمر مني اثني عشر عاما لكتابة روايتي الثانية، قرأت ذات يوم مقولة لا زلت أومن بها، أن جودة الروائي تقدر بجودة روايته الثانية"، وهذا هو سبب انتظاره حتى أتته الفكرة الصائبة.

تشمل أعماله الأخرى الروايات التالية: ندار "Nadaar Log" (أي المحرومين)، 'رات' (عبودية) بالإضافة إلى مجموعات من القصص القصيرة نشايب "Nashaib" (السقوط بدرجات). وقد كشفت روايته الإنجليزية "Emigre Journeys""أو "يوميات مهاجر" عن عمل ونضال قوي حول الاغتراب والأمل واعتمدت بوصفها فيلما روائيا طويلا من قبل تلفزيون (بي بي سي 2) بعنوان "Brothers in Trouble" أو "إخوة في ورطة".

امتاز أسلوب حسين بنقل القراء بخياله الروائي للعيش في قرون ماضية. ولكونه عاش في المملكة المتحدة لمدة أربعين عاما حيث كان يدير حانة، تبدو الألوان الاجتماعية والثقافية للمجتمع قد تركت بصمة عميقة في عقله الباطني، الأمر الذي مكّنه من استخلاص أدوات قيّمة منها، فهو ما فتئ يقول "ينبغي أن يكون للكاتب القدرة على خلق عالم ما وراء حدود الزمان والمكان".

فعمله الكلاسيكي Udas Naslain لا يتوفر على قصص الخيال للتباهي بها. وهو يقول "عمدت إلى التأليف حتى أخرج من حالة الملل الهائلة"، وكان ذلك أثناء عمله ككيميائي في مصنع للأسمنت. كما يضيف في مكان آخر قائلاً: "لقد أصبحت كاتبا فجأة. إذ كنت الجأ إلى القراءة والكتابة في ساعات الفراغ للقضاء على السأم"، واعترف حسين بأنه لو بقي في لاهور أو أي مكان آخر، لما ظهرت شخصية الكاتب فيه ولبقيت نائمة لسنوات عديدة.

عُرف عن حسين تواضعه حيث كرر مرات عدة أنه لم يكن متمكنا من اللغة المتداولة آنذاك، لذلك استخدم تعابير بسيطة في كتاباته وأسلوبا خاصا به.

ومع أن أعمال حسين تضاهي كتابات قرة العين حيدر، التي صُنفت على أنها ملكة الرواية الأردية في الأزمنة المعاصرة بامتياز، فإن كل ما قدمه من شهرة أدبية في العالم الناطق باللغة الأردية لم يجعل منه شخصية مألوفة في الوسط العام، وربما لأنه لم يكن يطمح إلى ذلك. كذلك لم تكن الأوساط الأدبية في باكستان منصفة معه على الإطلاق، والمعروفة بأنها مقسمة إلى مجموعات تقليدية صغيرة، إذ حرصت هذه المؤسسة الأدبية إلى حد ما على أن يظهر حسين دخيلا عليها، وعملت على التقليل من نطاق وأهمية عمله بدافع الغيرة المحضة. فعلى سبيل المثال، في العام الماضي، استقطبت جلسة له في مهرجان لاهور الأدبي حشودا ضخمة من المهتمين بعمله، مقابل المساحة الصغيرة التي خصصتها له إدارة المهرجان.

وبحسب رأي الكاتب الباكستاني المعروف، محمد حنيف، فإن حسين يعتبر أفضل الباكستانيين المعاصرين الذين يكتبون باللغة الإنجليزية. ومع ذلك كان يعتبر رواية "الأخوة كارامازوف" لتيودور دوستويفسكي هي المفضلة لديه، وقال عنها: "أنت لا تحتاج إلى قراءة أي رواية اخرى بعد ذلك". وعلى ما يقال، كان آخر ما قرأ قبل وفاته أعمال تولستوي. وكان تشيخوف كاتب القصص القصيرة والكاتب المسرحي هو المفضل لديه، وقال عنه: "هناك حزن عميق في كتاباته، ونوع من الإيمان بالقضاء والقدر".

في جو ثقافي يحاول فيه الناشرون إرضاء النقاد، يصف حسين الأخيرين بالأميين ويقول: "إنهم يعيشون في الماضي ونادرا ما يقرأون" وكثيرا ما اشتكى من أن "Udas Naslain" نشرت قبل نصف قرن من الزمان، ولكن لم تنشر ولم تحظ أي من رواياته الأخرى بتقييم نقدي شامل واحد منذ ذلك الحين".

ونظرا لشكه وحذره من تقييم النقاد لقيمته الأدبية، طلب منهم عدم تقييم رواياته Nadaar Loag لمدة ستة أشهر بعد إصدارها حتى يتسنى للقراء العاديين قراءتها ونقدها بحرية من دون تأثيرات النقاد.

امتاز حسين بجرأته في التصريح برأيه، ولطالما أثارت آراءه الحادة هجمات شخصيات عدة في معظم الأحيان، وقد حدث ذلك مثلا عندما صرح قائلا: "أرى أن الزواج يقضي على مواهب العديد من الشباب الواعد. والغريب هو أن النساء يرضين بذلك، ولكني أعتقد أن 99.9٪ من النساء المتزوجات لسن سعداء جدا، على الرغم من أنني قد أكون مخطئا تماما". وكتعبير عن اشمئزازه من القيم الاجتماعية والدينية الصارمة، أضاف: "أنا أعتبر الزواج الأحادي حكما بالسجن مدى الحياة".

في إحدى مقابلاته تنبأ بزوال الزواج كمؤسسة في العالم المتقدم مستقبلا. وأكد على كلامه "في الدول الغربية 66 في المائة من الزيجات لا تدوم لأكثر من 7 سنوات". ومثل الرواية الثانية، رأى بأن الزواج الثاني هو في كثير من الأحيان أكثر نجاحا، ومع ذلك، يتابع القول: " يبقى الحب هو الأعلى قيمة، وهو الذي سيحكم قلب الإنسان وعقله سواء كان هناك زواج أو لم يكن. فهو يتجاوز كل الحدود بما فيها الحدود الجنسية".

كان عبد الله حسين متزوجا ولديه طفلان. يعيش ابنه حاليا في إنجلترا وابنته في لاهور. أما أرملته فكانت طبيبة عملت في المملكة المتحدة. وأثناء جلسات العلاج الكيميائي المؤلمة كتب على صفحته بالفيسبوك "الكتاب تعساء"، إنهم يريدون تغيير العالم وفقا لرؤيتهم مع أنهم لا يستطيعون حتى جعل أنفسهم مفهومين ومقبولين".

إضافة إلى رواياته التي شكلت إرثا أدبيا كبيرا، تعتبر قصصه القصيرة قصصا تاريخية اجتماعية تعكس طابع القرن العشرين. وقد ترك حسين بصمة أدبية قوية جدا وسيكتشف النقاد والروائيون في المستقبل العمق الحقيقي لمساهمته الأدبية.

(كاتب وصحافي استقصائي، إسلام آباد)
المساهمون