عبد الله الشريف وتداعيات إجرام العسكر في حق المصريين

23 مارس 2020
+ الخط -
فى حلقة برنامجه الأسبوعي يوم الخميس الماضي 19 مارس/ آذار، المعنونة "الاختيار"، عرض نجم "يوتيوب" الشهير، عبدالله الشريف، مقطعاً مصوراً يظهر أحد ضباط الكتيبة 103 صاعقة بالجيش المصري، وهو يمثل بجثة أحد شباب سيناء بعد قتله. إذ يقوم هذا الضابط بقطع أحد أصابع يد القتيل، ثم يشعل النار في جثته بعد إلقائها فى حفرة أعدت لتخفي آثار جريمته البشعة. الأمر الذى يظهر مدى سادية وهمجية ذلك الضابط.

وتبعت عرض الحلقة حالة استنكار واسعة نظراً لبشاعة الإجرام والفجور والوحشية الممارسة من قبل نظام الانقلاب العسكري الحاكم في مصر ضد أهل سيناء. الأمر الذي أضاف دليلاً دامغاً على الجرائم التى يرتكبها عسكر مصر ضد الإنسانية، وما يسمى "إرهاب الدولة".

وفي غضون ساعات معدودة، تداولت العديد من وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية تلك الجريمة، كما قام الكثيرون من رواد وسائل التواصل الاجتماعى بحفظ الحلقة على أجهزتهم الخاصة، لتبقى دليلاً على إجرام ووحشية عسكر مصر، فى حال حذفها من "يوتيوب"، ولغرض الإثبات أمام محاكمات مستقبلية، ولقصاص عادل قادم لا محالة مهما طال الانتظار.


وتفضي هذه الجريمة ومثيلاتها إلى عدد من التداعيات السلبية على كل من العسكر والمدنيين والعلاقة بينهم. فقد قدم تسريب هذه الجريمة دليلاً إضافياً على الانقسام الداخلي فى صفوف العسكر واختراقها، الأمر الذي يحمل تلك الجرائم إلى الرأي العام المحلي والعالمي.

كما أنها أحيت ذكريات المصريين عن جرائم العسكر في حقهم، لا سيما أثناء فض اعتصام رابعة العدوية وغيرها من المجازر التي راح ضحيتها الأبرياء العزل قتلاً وحرقا. كما أن مثل تلك الجريمة يمكن أن تفسر مصير الكثيرين من ضحايا الاختفاء القسري منذ 2013 خاصة في سيناء.

بالإضافة إلى أن مثل هذه الجريمة البشعة تكرس في الأذهان صورة سلبية عن جيش مصر. فإن كان مجرم هذه الواقعة يرتدي زيا عسكرياً، إلا أنه لا يعدو كونه بلطجياً همجياً مجرداً من أي إنسانية أو دين أو أخلاق أو التزام بقانون.

وإن قيل إن هذا المجرم ضابط في الجيش المصري، فالحقيقة أنه ليس أكثر من عضو عصابة دموية مسلحة. كما أن السادية والوحشية الواضحتين في تعامله مع مواطن أعزل حياً وميتاً، ما هو إلا مثال لتصور وممارسات العسكر تجاه المدنيين.

فما هذا المجرم الصغير إلا أداة في يد المجرم الأكبر عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري، الذي أعطى لعصابته المسلحة تصريحاً مفتوحاً بالقتل والإجرام ووعدهم بالإفلات من العقاب حين كان وزيرا للدفاع عام 2013.

ولمثل هذه الجريمة آثار خطيرة على الأمن القومي. فمن المرجح أن تدفع الكثيرين إلى الشماتة في قتلى الجيش والشرطة. كما تدعو إلى الشك فى كل ما يصدر عن المتحدث العسكري من أخبار حول جهود مكافحة الإرهاب وما ينجم عنها من ضحايا، لا سيما أنه المصدر الوحيد للمعلومات. كما أنها تفقد أهالي سيناء وغيرهم أي إحساس بالولاء والانتماء للوطن ودعم جيشه وأجهزته الأمنية.

ولكن المخزي حقاً أن الجبروت الواضح في سلوك الضابط القاتل لا يتناسب مع عجز عسكر مصر عن التصدي للتهديدات الخارجية وحماية أمن ومقدرات الوطن، ومن أمثلة ذلك سد النهضة وبيع تيران وصنافير والهجمات الإسرائيلية على سيناء.

ولا يتناسب كذلك مع الصمت عن الإهانات المستمرة لجيش مصر وقائده الأعلى من كل من الرئيس الأميركى ترامب وإثيوبيا على سبيل المثال. حيث لم يحرك نظام العسكر ساكنا حين وصف ترامب قائدهم السيسي بالقاتل اللعين، ولم يصدر عنهم أي رد فعل للإهانات الإثيوبية لمصر وجيشها، ولا حتى بعد نشر صحيفة كابيتال الإثيوبية فى 9 مارس/آذار الماضي، كاريكاتيراً يضع السيسي في صورة كلب لأميركا، وهو ما أسماه بعضهم "السيسي كلب ترامب".

إن الجريمة التى عرضها عبدالله الشريف ومثيلاتها ليست جنائية أو ضد الإنسانية فقط، بل هي مثال فاضح لإرهاب الدولة الذي يمارسه نظام العسكر في مصر ضد المواطنين. ولن تكون نتيجة ذلك الإرهاب إلا مزيدا من العنف والإرهاب المضاد.

وستظل مصر تعاني نزيف دماء أبنائها من العسكريين والمدنيين على السواء، ما دام النظام مستمراً في استخدام سياسة القوة الغاشمة التي يتبناها السيسي، الأمر الذي ينذر باحتمال حرب أهلية في مصر.

وأخيراً، فإن تلك الجريمة ليست من قبيل الحالات الفردية، وليست الأولى ولن تكون الأخيرة ما دام العسكر المجرمون جاثمين على صدر مصر.

ومهما زاد إجرام عسكر مصر، فإن الثورة قادمة حتماً. ولن تطيح بحكمهم وحسب، بل ستحاكمهم وتقتص منهم. وحينها سوف يدفع كل مجرم ثمن ما اقترفت يداه في حق مصر وشعبها.