خرج عبد العزيز بلعيد إلى المشهد السياسي الجزائري من داخل الجامعة، كناشطٍ سابق قاد لسنوات تنظيماً طلابياً يتبع لـ"جبهة التحرير"، هو "الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين"، والذي اعتبر نفسه الوريث التاريخي لـ"اتحاد الطلبة" الذي تأسس خلال ثورة التحرير. هذا الغطاء السياسي وفّر لبلعيد ولتنظيمه امتيازات كبيرة، وأفردت له السلطة مساحات واسعة في الجامعة لإحداث التوازن مع التنظيمات الطلابية التابعة للإسلاميين، كالاتحاد العام الطلابي الحر، الموالي لحركة المجتمع الإسلامي (حركة مجتمع السلم حالياً، وتمثل إخوان الجزائر)، والذي هيمن على النشاط الطلابي، لكن بلعيد أخفق في ذلك، وانشغل بقيادة اتحاد الطلبة السلطوي لدعم سياسات السلطة.
في فترة التسعينيات من القرن الماضي، نجح بلعيد بالإمساك مرة واحدة، بقبضة تنظيمين يتبعان للحزب المركزي، "جبهة التحرير". فبالإضافة إلى اتحاد الطلبة، اعتلى رئاسة اتحاد الشبيبة، وهو أحد التنظيمات الخمسة التي أسسها الرئيس الراحل هواري بومدين كتنظيمات فئوية تابعة للحزب. وعمد بلعيد إلى رسم خطّ وفاء سياسي لبومدين، وحرص على الاستمرار في تنظيم مؤتمرات سنوية نهاية كل سنة حول الرئيس الراحل ومواقفه السياسية الوطنية والدولية، وهو ما يواظب عليه المرشح الرئاسي اليوم خلال حملته الانتخابية التي يخوضها، والتي يستدعي فيها كثيراً صورة ومواقف بومدين وخياراته التحررية ومنجزاته السيادية لصالح البلاد.
وينظر ناشطون جامعيون سابقون إلى بلعيد كأحد أقرب المرشحين إلى قطاع الشباب. "بحكم نضاله وتدرجه في العمل الطلابي، من الممكن أنه يدرك أهم انشغالات وطموحات فئة واسعة من الشباب والطلاب"، مثلما يقول الناشط الطلابي السابق محمد مالك، معتبراً في الوقت نفسه أن "سوابق النشاط الطلابي للمرشح الرئاسي بلعيد تحسب ضده، حيث لم يمثل مروره بالقطاع الطلابي إضافةً إيجابية إلى رصيد العمل الطلابي في الجامعة، بحكم أن فترته تميزت بتمييع هذا النشاط، فأغلب نضالاتهم في تلك الفترة كانت حول الحفلات والرحلات السياحية". ويرى هذا الناشط أن "بلعيد لم يقدم إضافةً إلى أكبر وأقدم تنظيم عندما كان رئيساً له، بل شهد هذا التنظيم تراجعاً من حيث القيمة والجانب النضالي، حتى أن فساد المنظمات الطلابية ظهرت بوادره للمرة الأولى في فترته". ويستطرد مالك بالقول إنه "إذا تمت المقارنة في السياق ذاته، فأعتقد أن المرشح الرئاسي عبد القادر بن قرينة كناشط طلابي سابق، يملك رصيداً أفضل مما يملكه بلعيد في هذا الجانب، خصوصاً أنه كان من ضمن مجموعة كبيرة من القيادات الأولى للاتحاد العام الطلابي الحر، والتي كانت لها لمسة في النضال الطلابي".
في العام 1997، انتخب عبد العزيز بلعيد للمرة الأولى نائباً في البرلمان باسم "جبهة التحرير"، وفي عام 2001، أشرف على تنظيم المهرجان العالمي للشباب والطلبة في الجزائر، وهو المهرجان الذي اعترض على تنظيمه الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة لتعارضه مع توجهاته الليبرالية الجديدة. لكن بلعيد أكد في تصريحاتٍ سابقة أنه اعتمد على وساطاتٍ، لدعوة بوتفليقة للتراجع عن رفضه، ولكون الجزائر حازت على تنظيم المهرجان قبل ذلك بسنوات. ولاحقاً، تمّت ملاحقة المشرفين على تنظيم المهرجان، بمن فيهم بلعيد، بشبهات فساد مالي في مصاريفه، لكن العدالة لم تدنه.
مثّل هذا الموقف بداية تشكل موقف بلعيد من بوتفليقة. وفي العام 2003، أيد المرشح الرئاسي اليوم، انشقاق رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، الذي كان حينها أميناً عاماً للحزب المركزي للسلطة، وأعلن دعمه له في الترشح لمنافسة بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في إبريل/ نيسان 2004. حينها، قاد بلعيد الذي كان قد حاز على عهدة نيابية ثانية في انتخابات 2002، مسيرة طلابية مناوئة لبوتفليقة وداعمة للأمين العام للحزب بن فليس، بعد انقلاب الموالين للرئيس عليه داخل الحزب وسطوهم على قيادته.
دخل عبد العزيز بلعيد بعد هزيمة مرشحه بن فليس بانتخابات 2004 في حالة فراغ وعزلة سياسية، خصوصاً أنه غادر حزب "جبهة التحرير الوطني" الذي هيمن عليه بوتفليقة، واستبعد كل القيادات التي كانت مناوئة له فيه، لكنه عاد بعد إقرار قانون الأحزاب الجديد في العام 2012، ليؤسس حزباً سياسياً باسم "جبهة المستقبل"، بالاعتماد على نسيج من رفاقه في النشاط في اتحادي "الطلبة" و"الشبيبة"، وقدم نفسه كمرشح للرئاسة في الانتخابات التي جرت عام 2014 وحلّ ثالثاً من مجموع ستة مرشحين، وحاز على نسبة ضئيلة قدرت بـ3.3 في المائة، وعلى 343 ألف صوت. هذه التجربة شجعته على تجديد ترشحه في انتخابات الرئاسة التي كانت مقررة في إبريل/ نيسان الماضي، ثم في انتخابات ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
يذكر أن بلعيد لم ينخرط حتى في الفترة التي استبعد فيها من "جبهة التحرير" في أي من المبادرات السياسية التي خاضتها المعارضة، محافظاً على مسافة بعيدة منها، ولم يبد أي موقف ضد سياسات السلطة. كما لم يسبق له العمل في القطاعات الحكومية أو الإدارات الرسمية، لكنه مع ذلك يحاول في حملته الانتخابية وخطاباته الراهنة، تقديم تصورات استخلصها من خلال تجربته السياسية المتعددة، ويركز على مسألة التعليم والجامعة ومخرجات البحث العلمي واستقطاب الشباب إلى العمل السياسي، ويرافع كثيراً عن هذا التوجه، ويحث القطاعات الشبابية على الانخراط في العمل السياسي والمدني لاستلام مشعل الحكم.