عبد الرحمن الهذيلي: المؤشرات الاجتماعية في تونس توحي بالانفجار

10 يونيو 2015
عبد الرحمن الهذيلي (العربي الجديد)
+ الخط -
كشف رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبد الرحمن الهذيلي، عن مكامن الفساد في تونس، واعتبر أن حلّ الأزمة في البلاد يبدأ باعتماد مشروع إصلاحي اقتصادي واجتماعي ينخرط فيه الجميع.

وهذا نص المقابلة:

* تشهد تونس العديد من التحركات الاحتجاجية، آخرها أزمة الحوض المنجمي، التي تطورت بصورة سلبية خلال الأيام الأخيرة وتوقف الإنتاج كلياً، بالإضافة إلى تعليق كل العمليات المالية لشركة فوسفاط قفصة، إحدى أهم الشركات العمومية التي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني. كيف تقيّمون الوضع الحالي، ولماذا عجزت الحكومات المتعاقبة منذ الثورة عن إيجاد مخرج لهذه الأزمة؟

انطلقت انتفاضة الحوض المنجمي (4 مدن تتمركز فيها مصانع استخراج الفوسفاط في محافظة قفصة) في عام 2008، ويعتبرها كثيرون المنطلق الحقيقي للثورة التونسية. كان المطلب الأساسي حينها يتعلق بالتشغيل، لكن الحوض المنجمي يعاني مشاكل أخرى، منها ضعف البنية التحتية التي لم تتحسن، فضلاً عن تردّي الوضع البيئي ووضع المياه، بالإضافة إلى المشاكل العقارية. فكل أراضي الحوض المنجمي ملك عام للدولة التونسية، قام الأهالي ببناء منازلهم فوقها بأموالهم، لكن لم يتم تمليكها الأهالي، إضافة إلى مشكلة أراضي العروش المتخاصم حولها.

حكومات ما بعد الثورة لم تكن شجاعة لمعالجة كل هذه الملفات. اكتفت بتقديم حلول مؤقتة، ما عمّق الأزمة. فالإجراءات الحكومية أجّلت انفجار الوضع، لكنها لم تكن حلاً حقيقياً. لم تقم أي حكومة بوضع مخطط واضح لمختلف الإشكاليات، وتحديد ما يمكن إنجازه على مدى بعيد أو متوسط أو قريب، وذلك بعيداً من الوعود الزائفة. والملاحظ، أيضاً، أن الفساد متواصل داخل مؤسسات الدولة، وهذا ما عمّق المشاكل أكثر.

في ديسمبر/ كانون الأول الماضي تحدثنا في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن بوادر ثورة قادمة، لأن كل المؤشرات على المستوى الاجتماعي توحي بالانفجار، إذا لم تفتح قنوات التفاوض والتواصل مع المواطنين.

اقرأ أيضا: وداد بوشماوي: القطاع الخاص التونسي مطالب بتحقيق أهداف الثورة

* الحكومات المتعاقبة بعد الثورة تقول إنها كانت مؤقتة، ولم تتجاوز فترة عمل كل حكومة السنة الواحدة، في ظل ظروف سياسية وأمنية سيئة، فهل كان بإمكانها تطوير الوضع بشكل ملموس؟

لم يكن المطلوب تغييراً جذرياً وسريعاً، فقد وقع كثيرٌ من الهفوات بعد الثورة، كمثال على ذلك، كان نقل الفوسفاط في الحوض المنجمي يتم بواسطة الشركة التونسية للسكك الحديد، وهي مؤسسة وطنية عمومية، 30 في المائة من مردودها متأتٍ من نقل الفوسفاط، وكانت تقوم بنقل طن الفوسفاط بحوالي 3 دولارات أميركية. لكن خلال السنوات الأخيرة بعد الثورة صار الفوسفاط ينقل عبر شركات خاصة بدعوى احتجاجات وإضرابات في الشركة العمومية. إذ تقوم هذه الشركات بنقل طن الفوسفاط بحوالي 12 دولاراً وهذا أضر كثيراً بالشركة التونسية للسكك الحديد ولا يعتبر تصرفاً حكيماً. هذا مثال بسيط لسوء التعامل بعد الثورة وندعو إلى فتح ملفات الفساد في هذا المجال.

* اليوم، مع حكومة ولايتها 5 سنوات كاملة هل تحسن الوضع، ولو جزئياً؟

مناطق عديدة تشهد، اليوم، احتجاجات، تكاد لا تنقطع، خاصة في الجنوب التونسي. إذ تميّز شهر أبريل/ نيسان 2015 بزخم التحركات الاجتماعية، فقد تم رصد 474 تحركاً احتجاجياً، عفوياً وتلقائياً وعشوائياً، علاوة على التحركات المنظمة والمؤطرة من طرف الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات، وهذه الاحتجاجات تمثل ضعف ما تم رصده خلال شهر مارس/ آذار الماضي، حسب إحصاءات وحدة رصد التحركات الاحتجاجية في المنتدى.

يمكن تلخيص الوضع بأنه فوضى عارمة، عناصرها أهالي هذه الجهات المهمشة، والذين يطالبون بحقوقهم. ما نلاحظه صمت الحكومة بعد ثلاثة أشهر من انطلاقها في العمل، وعدم قيامها بأي مبادرات، ما أدى إلى تردي الوضع أكثر واستفحاله، وأكبر دليل على ذلك انتقال الاحتجاجات من قفصة إلى قابس ثم قبلي وغيرها من المحافظات.

في هذه المناطق هناك غياب كامل لمؤسسات الدولة وهذا مذهل، وحسب متابعتنا للحراك الاجتماعي بشكل متواصل، أؤكد أن الولاة والمعتمدين غائبون في معظم محافظات البلاد تقريباً. يتوجه المواطنون في هذه المناطق بشكاوى إلى مختلف الإدارات ولا يجدون تفاعلاً ولا توجيهاً. نرصد، إذن، إحساساً متصاعداً بالغبن والاضطهاد، ولا يجد المواطنون أمامهم غير الاحتجاج والاعتصام حلاً لإيصال صوتهم.

اقرأ أيضا: المديونية في تونس: لعنة تلاحق كل الأجيال

* ترفعون شعار "لا لتجريم الحراك الاجتماعي" في وقت تعيش فيه تونس على وقع الإضرابات، فيما تقول رئيسة منظمة الأعراف، إن الإنتاجية تراجعت بنسبة 50 في المائة. ألا تزيد هذه الإضرابات والتحركات الاحتجاجية الوضع الاقتصادي المتدهور للبلاد تعقيداً؟

مع غياب الحوار والمفاوضات الناجعة ومؤسسات الدولة القوية، ستتواصل الإضرابات. نتعامل، يومياً، مع المواطنين وندرك، جيداً، أنهم يتفهمون تدهور الاقتصاد الوطني، لكن لابد أن تأخذ الدولة عناء تفسير ذلك لهم، وتوضيح مشروعها. في منطقة مثل الحوض المنجمي لا يوجد معتمد، وفي الرديف مثلاً، لا يوجد مركز أمني، أكرر إن انسحاب الدولة كلياً من هذه المناطق يؤذن بالفوضى، ولا يزيد الوضع إلا تعقيداً وخطورة. لا يمكن أن تتحمل الطبقات الفقيرة والمتوسطة بمفردها تبعات الأزمات الاقتصادية التي نمر بها.

* في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ترصدون الحراك الاجتماعي منذ سنوات. لماذا بلغت البلاد هذه الحالة المتردية جداً، اقتصادياً واجتماعياً، بعدما كان كثيرون يأملون تحسّن الأوضاع؟

الوضع متأزم لاعتبارات مختلفة، من أهمّها أن مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين لم يدخلوا بعد الثورة مباشرة في حوار وطني حول القضايا الأساسية التي قامت من أجلها الثورة. اهتم أغلبهم بصراعات سياسية وبحوارات وملتقيات سياسية أيضاً، وإلى الآن للأسف المسألة السياسية هي الطاغية.

كما أن المعارضة التونسية بيسارها ويمينها، لم تكن مهيأة للسلطة والحكم، بعد سقوط حكم زين العابدين بن علي. اقتصر عملها لسنوات في ظل تعددية وهمية على الاحتجاج ومحاولات فضح ممارسات النظام. لاحظنا، أيضاً، أن المعارضة لم يكن لها عمق اجتماعي برغم التضحيات التي دفعتها.

وفي الأثناء كانت هناك تحولات عميقة في المجتمع التونسي، خصوصاً في صفوف الشباب. لم تكن المعارضة التي حولتها الثورة إلى الحكم واعية بها. حوالي 20 ألف شاب تونسي سافروا بطريقة غير شرعية قبل الثورة، وحوالي 30 ألفاً بعد الثورة، 2000 شاب تونسي حوكموا وفق قانون الإرهاب، وتزايد حجم الإسلام السياسي في عمق المجتمع التونسي... كل هذه الأمور لم تكن المعارضة واعية لها، ولم تفهمها وتعاملت، بالتالي، بطريقة خاطئة مع الوضع.
كما أن الوضع الاقتصادي كان صعباً منذ الأيام الأولى من الثورة، ولم يترك نظام بن علي البلد في وضع جيّد. التدهور الأمني ساهم بدوره في تشتيت عمل الحكومات التي لم تشتغل على بدائل وتصورات اقتصادية واجتماعية جديدة.

اقرأ أيضا: التونسيون في سوق النخاسة: "كتب علينا العمل ببلاش"

* ينص الدستور التونسي الجديد الذي تمت المصادقة عليه في 2014 على مبدأ التمييز الإيجابي للجهات المحرومة، هل انعكس ذلك على هذه الجهات؟

لا أثر للتمييز الإيجابي على هذه الجهات المهمشة على أرض الواقع. لا تنتظروا أن يستثمر رجال الأعمال في مناطق بنيتها التحتية سيئة جداً. منذ زمن بن علي كانت هناك تسهيلات لمن يستثمر في هذه المناطق، ولكنها لم تسهم في إحداث تغيير فعلي في جذب المشاريع، فالمستثمر يبحث عن الربحية.

* ماذا تقترحون للخروج من هذا المأزق الاقتصادي والاجتماعي، ولو تدريجياً؟

القيام بإصلاحات اقتصادية ذوات بعد اجتماعي، فضلاً عن المحاسبة. كان هذا السيناريو الأفضل لتونس مباشرة بعد الثورة. اليوم لا يمكن تطبيق هذا، فالنظام القديم استجمع قواه وأعاد ترتيب كل شيء. رجال الأعمال الفاسدون ينشطون بطريقة عادية والبرلمان التونسي يحوي نسبة عالية من رجال الأعمال في تركيبته.

لم يعد من الممكن تحقيق هذا نظرياً، لكن من الممكن تطوير الوضع في الاتجاه الصحيح، قد يكون إجراء الانتخابات البلدية، في أقرب وقت، مساعداً ومحفزاً، لأن غياب مؤسسات الدولة خطير في مناطق الاحتجاجات.

الأكيد، أيضاً، أن الحل لا يكمن في التوظيف فقط، خصوصاً إن كان بطريقة عشوائية. إذ نلاحظ، اليوم، أن موظفين كثيرين في مؤسسات مهمة في الدولة لا يقومون بشيء تقريباً، ويكتفون بقبض رواتبهم في نهاية الشهر. الاهتمام بالمشاكل البيئية ضروري أيضاً، فالوضع البيئي خطير في مناطق الجنوب التونسي.

من الضروري، أيضاً، الانطلاق في تغيير نمط التنمية المعتمد، والذي لم يتغير بعد الثورة برغم ثبوت فشله. ينخر اقتصادنا، أيضاً، التهرب الجبائي، فأكثر من 70 في المائة من دافعي الضرائب هم من الأجراء.

بعض الوزراء في الحكومة الحالية لا علاقة لهم بمناصبهم، وهم لا يعرفون تونس في العمق، ومن الضروري إجراء تغييرات في بعض المناصب.

والحل الأكبر في اعتقادي اعتماد مشروع وطني ينخرط فيه الجميع ويتحمل فيه الكل المسؤولية، مشروع وطني يجمع كل القطاعات والطبقات الاجتماعية، وغياب هذا المشروع أدى إلى اهتمام كل طرف في المجتمع التونسي بقطاعه ودفاعه عنه فقط، بعيداً من المجموعة. وهذه من الظواهر السلبية في بلادنا وطرح مشروع وطني كبير لن يكون بدعة تونسية، بل من المنطقي طرحه بعد ثورة.

اقرأ أيضا: وزير التجارة التونسي الأحول: نواجه تحدّيات كبرى أهمها الإرهاب والتهريب

* من يعدّ هذا المشروع الوطني، ووفق أي أسس؟

أنا أتحدث عن مشروع وطني كبير، وفق تصور تعدّه الحكومة ومجلس النواب ومنظمة الأعراف والاتحاد العام التونسي للشغل والمجتمع المدني وأبرز الفاعلين في تونس في كل القطاعات. ويراعي هذا المشروع الظروف التي تمر بها البلاد وأيضا الحاجات العاجلة للمواطنين.

تحركات ومطالب تشعل الشارع التونسي
ينشط المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ملفات اجتماعية وحقوقية تعني المجتمع التونسي. حيث يقوم برصد التحركات الاحتجاجية في تقرير شهري يصدر عنه، كما يعمل، حالياً، بملف الحوض المنجمي، التنمية في الجهات المهمشة، ملف الهجرة السرية وغيرها.

واعتبر المنتدى في تقريره، أن الوضع الاجتماعي في تونس ما انفك يزداد سوءاً، ولم يتغير على ما كان عليه إبان النظام السابق. ولفت إلى عدم جدية الحكومات المتعاقبة على حكم تونس بعد الثورة في مواجهة المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع التونسي، وبأن هذه الحكومات كثيراً ما تلجأ إلى الحل الأمني كحل أول ووحيد لمواجهة هذه المشاكل الاجتماعية. وطالب بضرورة اتباع لغة الحوار مع المحتجين لتفهم وضعياتهم وتجاوز مشاكلهم، ومنها الأزمات البيئية، ومشكلة البطالة وقضية الحوض المنجمي.

وفي آخر إحصاءات صادرة عنه، كشف المنتدى عن أن وحدة رصد التحركات الاحتجاجية في مختلف أشكالها رصدت خلال شهر أبريل/نيسان 2015 حوالي 474 تحركاً احتجاجياً، 50 منها فردي و424 جماعياً. وقال التقرير، إن الاحتجاجات الفردية تمحورت بشكل أساس حول الانتحار ومحاولات الانتحار. وأضاف التقرير، أنه تم، أيضاً، رصد احتجاجات عمال الحظائر واحتجاجات العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات الجامعية واحتجاجات حول تردي الخدمات الإدارية في بعض المصالح، فضلاً عن احتجاجات انقطاع الماء الصالح للشرب وتردي البنية التحتية والمطالبة بالتنمية والحق في العمل والتنديد بالعنف والإرهاب.

بطاقة
عبد الرحمن الهذيلي، هو رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذي تأسس كجمعية في 31 مارس/ آذار 2011 من مجموعة من الحقوقيين، الذين كانوا ينشطون ضمن "لجان دعم التضامن مع الحركات الاجتماعية" خلال السنوات العشر الأخيرة قبل الثورة، ليستمر بعدها عملهم في الرصد الاجتماعي.

المساهمون