عبد الحليم قنديل.. العائد من "الميز"

03 أكتوبر 2019
+ الخط -
هو ليس ضد التاريخ فقط، بل ضد المنطق أيضا، وقد يكون ضد نفسه وخياراته، فكيف يعود السجين وهو ما زال يسبّح بحمد سجينه، وعلى الهواء مباشرة؟ وفي ضيافة من؟ في ضيافة صِبية جلاده السابق حسني مبارك. معادلة نفسية لا أجد لها حلا إلا في علم النفس، وفي بطون كتب التاريخ، وفي السير بالطبع موجود وبكثرة، وقد كانت لها عللها ومسبّباتها لفقر الحياة. أما أن يخرج سجين ومناضل من سجنه إلى مدح سجّانه، وسبِّ معارضيه، وكأنه كان في رحلةٍ صيفية للهدوء لملء جعبته بالسباب، وشحن البطارية لمزيد من الدفاع، فأنا أمام شخصية مرتبكة ومربكة، فمعرفتي بالذات السويّة أنها تتأمّل ما حولها حتى تتخذ الطريق المناسب، دفاعا عن الذات، وبحثا عن الهدوء والتأمل، ومعرفة ما تم على أرض الواقع على الأقل خلال فترة سجنه، أما أن يعود كشريط تسجيل محفوظ بالعبارات والمصطلحات نفسها، وبعافية الوجه والبدن نفسها، بل تكاد الشحوم تخرّ من تحت الرقبة (حاول أن تتأمل وجه محمد سعد الكتاتني قبل السجن وبعده، وقارن ما بين النزهة والسجن). 
ظل نجيب محفوظ بمجرد قيام ثورة 1952 صامتا ما يوازي ست سنوات، حتى عاد إلى الكتابة الروائية، فكيف خرج الرجل من السجن من شهرين، وعاد السجين إلى النضال في صفوف سجّانه بكل هذا الثبات والحيوية واليقين والسرعة؟ هل كان الرجل في نزهةٍ متفقٍ عليها، وعلى رأي الموسيقار هاني مهنى قال: "في السجن اشترينا صالات ألعاب رياضية غالية جدا للسجن، وعملت رياضة مع جمال وعلاء مبارك وكنت في منتهى الروقان".
فهل صار عبد الحليم قنديل من هؤلاء الفئة، وما السجن إلا "نمرة" لمساعدة عبد الفتاح السيسي على حصد كل خصومه، فهل هو كان في مجرّد "سجن" تنكّري، لا أكثر ولا أقل؟ والتعبير "تنكّري" للأمانة من مرادفات عبد الحليم نفسه. أم هل هي رغبة عبد الحليم قنديل أن يظل في الأضواء حتى الرمق الأخير وبأي شكل، خصوصا أنه طالها، بطلوع الروح، بعد الخمسين، ودفع ثمنها في عصر مبارك غاليا؟
لست ضد العودة إلى قناعاته التي اعتبر من خلالها "أن السيسي وترامب كيميا واحدة"، فماذا يقول الآن عن "الكيميا الواحدة" بعد بوادر عزل ترامب؟ وهو صاحب عبارة "أن ما بين السيسي والسبسي التونسي نقطة واحدة"، فها هو السبسي عند ربه، وها هو مرشح حزب نداء تونس لم ينجح، وها هو السيسي تطالبه الجماهير بالرحيل، ولا نفعت السبسي بركة شفاعة "اسم السيسي" المبارك في شيء، ولا السيسي نفعته "الكيميا" التي اكتشفتها في معملك الكيمائي المتطور. وها هو أنت، بعد كل هذا التدليل في السيسي، دخلت السجن، ولا أعرف إن كانت أيامك في "الميز"، أو في مكان آخر.
هنا لا أخوِّن عبد الحليم قنديل، ولكن أتساءل أين راح ذلك "الشخص النحريري" الذي هزّ عرش مبارك، والآن يقف مع النظام كتفا بكتف السيدة الجليلة فيفي عبده وهي تسبّ محمد علي. هل هذا اتفاق أو تلاقي أجندات بمحض المصادفات، أم أن كهرباء الوطنية العائدة متوهجة في كابلات عبد الحليم ذات الضغط العالي جدا من السد العالي رأسا، قد أضاءت كل قلوب أبناء الوطن حتى وصلت إلى أسلاك الجليلة فيفي عبده، فأضاءت كهارب الوطنية على الشاشات، منك ومنها، في وقتٍ واحد ضد هذا الممثل محمد علي؟ ولماذا رُفعت عن السيسي كل خطايا اللواءات في المجلس العسكري، ورميتها في حجر مبارك باستثناء "كامل الوزير" فقط؟ ألم يكن السيسي نفسه معيَّنا مديرا للمخابرات الحربية من مبارك؟ أم كانت فكرة تعيينه من بنات أفكار الراحل عبد الناصر، وظلت كورقة صغيرة في جاكيت عبد الناصر، حتى وجدتها السيدة هدى عبد الناصر فأعطتها لمبارك؟ فقام بتعيينه مديرا للمخابرات مرغما؟
عموما، عودة حميدة، يا بطل، وكفارة، ونتمنى أن نراك يوم الجمعة صباحا بجوار السيدة الجليلة فيفي عبده يدا بيد في ميدان التحرير بأقنعةٍ تنكّرية، باعتباركما من المواطنين الشرفاء.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري