عبدالمجيد تبون... رمز قضية بنك الخليفة رئيساً للحكومة الجزائرية

24 مايو 2017
تعيين تبون يخالف التوقعات (رياض قرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -





فاجأ الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، الساحة السياسية بتعيينه، اليوم الأربعاء، وزير الإسكان، عبد المجيد تبون رئيساً للحكومة، بعد أسبوع من تكليفه لرئيس الحكومة المستقيلة عبد المالك سلال بإجراء مشاورات سياسية تمهيدية تستهدف تشكيل حكومة ما بعد انتخابات الرابع من مايو/أيار الجاري. 

وتجاوز الرئيس بوتفليقة المشاورات السياسية المقررة مع أحزاب الأغلبية البرلمانية، التي يلزمه بها الدستور الجزائري الذي ينص على أن يستشير الرئيس الأغلبية البرلمانية، ممثلة في حالة الانتخابات الأخيرة بحزبي جبهة التحرير الوطني الذي حاز 161 مقعدا والتجمع الوطني الديمقراطي الذي حاز 100 مقعد، حيث يشكلان الأغلبية البرلمانية بمجموع 261 مقعداً من مجموع 462 مقعداً.

وجاء في بيان رئاسة الجمهورية أن بوتفيلقة عين تبون رئيسا للحكومة بعد استشارة الأغلبية البرلمانية، عقب تنصيب البرلمان الثلاثاء وتقديم سلال استقالته واستقالة حكومته الى الرئيس. إلا أن التعيين جاء مخالفا تماما لتصريحات الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس، الذي أكد في تصريحات صحافية متواصلة، كان آخرها في اجتماعه المفتوح الثلاثاء مع نواب كتلة حزبه الجدد، حيث أعلن من موقع المطلع والمؤكد أن الحزب يثق في سلال بعدما كلفه الرئيس بوتفليقة بإدارة مشاورات لتشكيل الحكومة. وهي التأكيدات نفسها التي طرحها وزير الأشغال العمومية السابق ورئيس حزب تجمع امل الجزائر عمار غول الموالي للرئيس، إضافة إلى تصريح سلال الاثنين الماضي أن الحكومة سيعلن عنها عقب تنصيب البرلمان الذي تم الثلاثاء الماضي، وأنه سيتحدث عن تفاصيلها نهاية الأسبوع الجاري.

وترجع بعض القراءات تعيين تبون إلى كونه من أكثر الوزراء الذين برزوا في حكومة سلال في الفترة الأخيرة، خاصة بعد قرار الحكومة تبني سياسة التقشف المالي إزاء واردات البلد، على خلفية الأزمة المالية الخانقة. واتخذ تبون كوزير بالنيابة للتجارة سلسلة قرارات "جريئة" تخص وقف استيراد كثير من المواد والسلع والحد من عمليات التوريد العشوائي، وحماية الإنتاج المحلي خاصة المنتجات الزراعية والفلاحية، وتحديد حصص لتوريد بعض السلع الأخرى، إضافة إلى تسييره لملف البرامج الإسكانية العالقة.

وبالعودة إلى مساره السياسي والإداري يعد تبون البالغ من العمر 72 سنة والمنحدر من منطقة المشرية جنوب غريي الجزائر، من أوائل خريجي المدرسة الوطنية للإدارة في اختصاص اقتصاد ومالية 1965.

عمل محافظا في عدة ولايات قبل أن يعين عام 1992 وزيرا منتدبا للجماعات المحلية وتسند إليه حقيبة وزارة الإسكان عام 1999 ثم وزيرا للاتصال لفترة قصيرة بين 2001 ــ 2002، ليختفي من الساحة السياسية بعد تفجر قضية بنك الخليفة الخاص.

وكان تبون ضمن مجموعة من الوزراء المشتبه بتورطهم في القضية، على خلفية اعطائه تعليمات لمدير صندوق التسيير العقاري الذي يشرف على إدارة الأملاك العقارية والإسكانية، بنقل أموال الصندوق من بنك حكومي لإيداعها في هذا البنك الخاص الذي كان يمنح فائدة أعلى بكثير من تلك التي تمنحها البنوك الحكومية، وتصل الـ7 في المائة. لكنه نجا من التهمة ومثل أمام المحكمة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 كشاهد فقط. ونفى جملة ما وجه إليه أو أن يكون أصدر أي تعليمات مكتوبة في هذا السياق لأي هيئة تابعة لوزارته بذلك. وعاد تبون مجددا إلى العمل الحكومي ليعين بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو/ أيار 2012 وزيرا للإسكان والعمران، ثم كلف عام 2017، إضافة إلى منصبه كوزير للإسكان، بإدارة وزارة التجارة بالنيابة، بعد وفاة وزير التجارة الأسبق بختي بلعايب.

ووصف مراقبون تعيين تبون المنتمي تنظيميا إلى حزب جبهة التحرير الوطني، مراوغة سياسية من الرئيس الجزائري الذي أعطى الانطباع بتجديد ثقته بسلال، بعدما كلفه بإجراء مشاورات سياسية مع قادة أحزاب سياسية للمشاركة في الحكومة. وفتح هذا التحول الباب واسعا إزاء صدقية تصريحات قادة أحزاب الأغلبية البرلمانية بشأن تكليف سلال، وكيفية تحييده لاحقا من قبل بوتفليقة لصالح تبون.

وسريعا بدأت تظهر تعليقات أحزاب المعارضة السياسية إزاء فهم هذه التطورات. وقال القيادي في حركة مجتمع السلم، ناصر الدين حمدادوش، إن "تعيين تبون يثبت تعدد مصادر صناعة القرار والتشكيك في مدى دستورية ورسمية تلك المشاورات، إضافة إلى أن هذا التعيين قد لا يعني شيئا ولن يقدّم أي إضافةٍ حقيقية للبلاد، من منطق تدوير السلطة لا التداول عليها، وهو سيد التعيينات، بنفس الذهنية والآلية والأساليب والأشخاص". وشكك في أن " تستطيع الحكومة الجديدة مواجهة تحديات المرحلة الراهنة ومخاطر المرحلة القادمة، فهي مجردُ امتدادٍ لنفس منظومة الفشل السابقة، ولا يمكن في زمن التقشف أن تصنع المعجزة بنفس السياسات والوجوه".

ويواجه رئيس الحكومة الجديد تحديات سياسية واقتصادية عصيبة، ذات صلة بالأزمة المالية الخانقة التي تشهدها الجزائر نتيجة تراجع مداخيل البلاد بسبب انهيار أسعار النفط، وقرب انتهاء احتياطاتها من العملة الصعبة التي قدرت الحكومة أنها ستكفي لتلبية نفقات الدولة لسنة أخرى. وسيجد أمامه أيضا توترات اجتماعية متصاعدة في قطاعات الصحة والتربية وغيرها، ناهيك عن استحقاقين سياسيين هامين هما تنظيم الانتخابات البلدية نهاية السنة الجارية والتحضير لتنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة ربيع عام 2019.



المساهمون