صوّرت رواية "عازف تشيلو سراييفو" لستيفن جالواي القنّاصة المختبئين في التلال المطلّة على شوارع سراييفو، ورصَد فيها نماذج مختلفة من سكان المدينة في وقت الحرب، هنا شاب يواجه معضلة عبور المدينة للحصول على المياه لعائلته، وآخر يستولي عليه الخوف وفقد الثقة في كل أصدقائه، رواية ترصد في جانب منها ما جرى في سربرنيتسا التي تمرّ عليها هذه الأيام 25 عاماً.
كذلك هي رواية "درب الجزار" لجوليان بورغر، و"النجاة من سربرنيتسا" لحسن حسنوفيتش، و"نهاية اللعبة" لديفيد رود، و"مثل أكل حجر" لفوجسيتش توخمان، وهي رواية قوية من وجهة نظر الضحايا المدنيين، وإحدى الشخصيات الرئيسية فيها عالمة أنثروبولوجيا وتمارس الطب الشرعي، حيث تقوم بجمع وتحديد الرفات البشرية.
ورغم أن الدراسات الأكاديمية كثيرة حول مذبحة سربرنيتسا، لكن الأعمال الأدبية التي وقفت عندها ليست كثيرة، كما أن نقل هذه الروايات إلى لغات أخرى لم يكن كبيراً، غير أن الفنون البصرية المختلفة تناولت المذبحة عن طريق اللوحة والتجهيز والأداء في أعمال أنجزها فنانون من مختلف الجنسيات.
في هذا السياق، أقامت الفنانة عايدة شيخوفيتش أول أمس تجهيزاً في ذكرى المذبحة في سربرنيتسا أول أمس، العاشر من الشهر الجاري، ويتكوّن التركيب الفني من 8372 فنجان قهوة بوسنية تقليدية، وهو عدد ضحايا الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، والتي وقعت يومي 10 و11 تموز/ يوليو 1995.
تجهيزات وصور فوتوغرافية منها ما يبرز عبارات كتبها الجنود على جدران ثكنات الجيش
وكانت الفنانة قد أقامت هذا التجهيز في بينالي البندقية العام الماضي، وتقوم بطقوس العزاء هذه كل عام منذ خمس سنوات في مدينة مختلفة، وتضع جميع الفناجين في ساحة عامة وتشرك المارة لمساعدتها على ملئها بالقهوة كتذكار للضحايا.
الفنانة البوسنية سيجلا كامريتش قدّمت مجموعة من الأعمال التي عادت فيها إلى المذبحة، من بينها تجهيزات وصور فوتوغرافية منها ما يبرز عبارات كتبها الجنود على جدران ثكنات الجيش في بوتوتشاري بسربرنيتسا.
كما أنها قدّمت عملاً من الأكفان البيضاء بعنوان "النوم المشترك"، وآخر هو جدارية مكوّنة من جدران الثكنات المعدنية التي قطّعتها إلى مربعات صغيرة وألصقتها على الجدار، ومجموعة من الصور الفوتوغرافية بعنوان "فتاة بوسنية".
أما تجربة الفنان الاسكتلندي بيتر هوسون، فبدأت مع الحرب البوسنية حين سافر إليها خلال الصراع في أوائل التسعينيات، ويقول عن هذه التجربة إنها كانت جحيمه الشخصي، حيث أرسل هناك كفنان حرب.
يعيش الرسام البالغ من العمر 62 عاماً منذ ربع قرن في اضطراب مما رآه وشهد عليه، وخاض معركة مع الكحول والمخدرات وفترات الاكتئاب الحاد للتصالح مع ما عاشه كفنان حرب.
وفي عام 2013 ، قضى عامين في وحدة الطب النفسي بعد انهيار عقلي آخر يدعي الأطباء أنه ناجم عما شاهده في البوسنة.
على الرغم من ذلك قرّر الفنان أن يعيد النظر في الصراع من خلال لوحة جديدة كشّف عنها في "متحف سانت مونغو" في غلاسكو نهاية العام الماضي، وسوف تظلّ فيه لمدّة ثلاثة أعوام، وهي لوحة كبيرة تصور أسوأ فظائع الحرب في البوسنة.
يصور الفنان الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، رغم أنه لم يشهد المذبحة مباشرة لكنه رأى العديد من الأحداث التي أدّت إلى الفظائع، وبحسب شهادته "أخذني الجيش ورأيت البيوت التي تمّ تفجيرها وما زالت الجثث في الداخل".