قبل 8 أكتوبر 2016، كان مصطلح "الصالة الكبرى" يُذكَر كمجلس للأفراح والمناسبات في العاصمة اليمنية صنعاء، ثم أحاله قصف جوي إلى موقع لـ"الحادثة الكبرى" الأكثر دموية خلال ما يزيد عن عامين ونصف العام من الحرب المدمرة في اليمن، كما أنها تعتبر "المجزرة" الكبرى لمقاتلات التحالف، والذي تقوده السعودية والإمارات، في اليمن، ضمن عشرات الحوادث والمجازر التي استهدفت تجمعات مدنية في العديد من المحافظات. وتزامنت الذكرى السنوية الأولى لاستهداف التحالف الصالة الكبرى في صنعاء، مع إدراج الأمم المتحدة التحالف الذي تقوده السعودية في قائمة سوداء، بسبب مقتل وإصابة 683 طفلاً في اليمن، وهو ما سارع التحالف والرياض والحكومة الشرعية في اليمن إلى رفضه.
وبعد مرور عام، ووفقاً لرصد "العربي الجديد"، لا تزال صور "الشهداء"/ الضحايا، معلقة على لوحات إعلانية في شوارع متفرقة في صنعاء، شاهدة على إحدى أبرز الحوادث المأساوية والمجازر البشعة التي شهدتها البلاد، وذهب ضحيتها المئات بين قتيل وجريح، بينهم شخصيات بارزة، فيما اعترف التحالف بارتكابها وحاول إلقاء اللوم على قيادات يمنية موالية لـ"الشرعية". وفي الذكرى الأولى لمجزرة "الصالة الكبرى" يتذكر اليمنيون إحدى الحوادث التي كانت كفيلة، في نظر محللين ومهتمين، بأن تخلق مساراً جديداً للحرب في اليمن، يؤدي إلى نهايتها. وعلى الرغم من وجود قيادات عسكرية وأمنية رفيعة المستوى محسوبة على جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحلفائهم الموالين لعلي عبدالله صالح، في الموقع المستهدف، إلا أن ذلك، لم يدفع، حتى على مستوى مرتكبيها، إلى اعتبارها "مشروعة".
قصف الصالة الكبرى
في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2016 كانت "الصالة الكبرى" عنواناً لتجمع آلاف اليمنيين، بينهم قيادات ومسؤولون وشيوخ قبائل ومدنيون وعسكريون، حضروا لتقديم العزاء بوفاة وزير الداخلية المُعين من قبل الحوثيين في صنعاء، جلال الرويشان (كان معيناً قبل ذلك من قبل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي). وباعتبارها مناسبة إنسانية واجتماعية، فلم يكن هناك توقع باستهدافها من قبل التحالف، إذ كان العزاء معلناً ووجهت إليه دعوة على مواقع التواصل الاجتماعي. ويعتبر الوقت بين الثالثة والرابعة عصراً بتوقيت صنعاء، بمثابة "وقت الذروة"، كما هو معتاد في مجالس العزاء والمناسبات الاجتماعية المختلفة. وبينما كانت "الصالة الكبرى" تكتظ بالمئات إلى الآلاف من المُعزين، فوجئ الحاضرون ومعهم سكان المناطق القريبة، بسقوط صاروخ أطلقته مقاتلة حربية تابعة للتحالف العربي، في حدود الثالثة وعشرين دقيقة، قتل من قتل وجرح من جرح ونجا من نجا. وبعد نحو سبع دقائق جاء الصاروخ الآخر، مستهدفاً المسعفين والجرحى والعالقين بين الركام، مخلفاً مشهداً دامياً من القتلى والأشلاء والجرحى والحرائق.
الملابسات
على الرغم من إعلان التحالف أن القصف تم بناءً على "معلومات مغلوطة"، فقد أفادت، لـ"العربي الجديد"، مصادر يمنية قريبة من الحكومة، والتي تألفت باتفاق بين الحوثيين وحزب صالح، بأن القصف جاء بعد وصول موكب حراسة لقائد قوات "الأمن الخاصة" (الأمن المركزي سابقاً)، العميد عبدالرزاق المروني، إذ حضر الأخير بموكب لافت، ويُرجح أن التحالف اعتقد أن الموكب تابع لشخصيات بارزة، كعلي عبدالله صالح، على سبيل المثال. إلى ذلك، لا يمكن حصر تفسير الضربة الجوية بوصول الموكب، إذ إن المناسبة نفسها تخص مسؤولاً رفيع المستوى بموقع وزير الداخلية في حكومة الانقلابيين، في حين أن الحضور يشمل بين المعزين، قيادات سياسية وأمنية وعسكرية بمستويات عدة، ربما كان الدافع للتحالف للقيام بقصف مروع لتجمع يضم آلاف المدنيين.
التحالف يبرر
في 15 أكتوبر/ تشرين الأول (بعد أقل من أسبوع على القصف)، أقر التحالف بقصف "الصالة الكبرى"، إذ أصدر الفريق المشترك لتقييم الحوادث، بياناً، اتهم جهة في الجيش اليمني الموالية للشرعية بتقديم "معلومات مغلوطة"، جرى على ضوئها القصف من دون العودة إلى قيادة التحالف. وذكر البيان إنه "بعد اطلاع الفريق على جميع الوثائق، بما في ذلك إجراءات وقواعد الاشتباك، وتقييم الأدلة، بما في ذلك إفادات المعنيين وذوي العلاقة في الحادثة، توصل الفريق إلى أن جهة تابعة لرئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية قدمت معلومات إلى مركز توجيه العمليات الجوية في الجمهورية اليمنية - تبين لاحقاً أنها مغلوطة - عن وجود قيادات حوثية مسلحة في موقع محدد في مدينة صنعاء". وأضاف بيان التحالف أنه "بإصرار منها (أي الجهة اليمنية) على استهداف الموقع بشكل فوري باعتباره هدفاً عسكرياً مشروعاً، قام مركز توجيه العمليات الجوية في الجمهورية اليمنية بالسماح بتنفيذ عملية الاستهداف من دون الحصول على توجيه من الجهة المعنية في قيادة قوات التحالف لدعم الشرعية، ومن دون اتباع الإجراءات الاحترازية المعتمدة من قيادة قوات التحالف للتأكد من عدم وجود الموقع ضمن المواقع المدنية محظورة الاستهداف". وأقر أنه "تم استهداف الموقع بشكل خاطئ، ما نتج عنه خسائر في أرواح المدنيين وإصابات بينهم".
ما بعد القصف
ولأنه حادث مهول و"جريمة مروعة"، فقد أثار سخطاً يمنياً ورفضاً، شمل المناصرين من مختلف الأطراف، بما فيها بعض المؤيدين للشرعية، إذ إن استهداف "مجلس عزاء" يعتبر أمراً مرفوضاً لكافة الأعراف والتقاليد الاجتماعية اليمنية، فضلاً عن العدد الكبير من الضحايا، والذين يتحدرون من مواقع مسؤولة ومحافظات وقبائل متفرقة، على نحو كانت معه أغلب التوقعات تتجه إلى أن ما بعد "قصف الصالة الكبرى ليس كما قبله". ومرت الأيام، وتراجعت الآمال، بتحول الحادثة الدموية الكبرى، إلى سبب يضع حداً للحرب المدمرة منذ أكثر من عامين، والتي خلقت كارثة إنسانية وملايين المحتاجين والفقراء والجوعى والمشردين، في أسوأ أزمة إنسانية، كما تصفها التقارير الحديثة لمنظمات الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن عدم توقف الحرب بعد مقتلة "الصالة الكبرى"، لا يقلل من كونها الواقعة التي ستظل حية في الذاكرة اليمنية لأجيال مقبلة، وستظل شاهداً على إحدى أكبر المجازر الدموية التي ارتكبها طيران التحالف، بقيادة السعودية، الذي وضعته الأمم المتحدة في قائمة سوداء، بسبب مقتل وإصابة 683 طفلاً في اليمن، وشن هجمات على عشرات المدارس والمستشفيات خلال عام 2016. وأدرجت في القائمة السوداء، الملحقة بتقرير سنوي من الأمم المتحدة عن الأطفال في الصراعات المسلحة، أيضاً جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وقوات الحكومة اليمنية، ومسلحون موالون للحكومة، وتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، بسبب انتهاكات بحق الأطفال في 2016 كما فعلت في تقرير صدر العام الماضي. وأضيف التحالف الذي تقوده السعودية إلى القائمة السوداء لفترة وجيزة العام الماضي، ثم استبعده في ما بعد الأمين العام السابق، بان كي مون، إلى حين إجراء "مراجعة"، وذلك تحت ضغط شديد من السعودية. وكانت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الأطفال والنزاعات المسلحة، فيرجينا غامبا، قد اعتبرت، أول من أمس، أنه "لا يمكن قبول أعداد الضحايا الأطفال الذين يسقطون بغارات التحالف العربي باليمن"، مناشدة المجتمع الدولي بوضع حد لانتهاكات حقوق الأطفال من قبل الأطراف المتورّطة في الصراعات.
ورفضت السعودية ما وصفته بأنه "معلومات وأرقاماً غير دقيقة ومضللة" في تقرير الأمم المتحدة. وقال السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبدالله المعلمي "نعبر عن تحفظاتنا القوية حيال هذه المعلومات". وأضاف "نحن نولي أكبر قدر من الاهتمام لتجنب إصابة المدنيين" في الحرب. واستنكرت الحكومة اليمنية، ورود اسمها في تقرير الأمم المتحدة عن انتهاك حقوق الأطفال في مناطق النزاعات، رافضة مساواة "الحكومة الشرعية" بـ "المليشيات الانقلابية المسلحة". وأعلنت الحكومة، في بيان، أمس السبت، أن "الحكومة الشرعية تسعى لحماية شعبها ولا تجند الأطفال للقتال، وتتعاون مع الأمم المتحدة، وملتزمة بتنفيذ قراراتها، وبالقوانين الدولية". كذلك أعلن التحالف "رفضه التام" لما وصفه "بمعلومات وبيانات غير صحيحة ومضللة". وطالب، في بيان، الأمم المتحدة بـ"الاستمرار في التعاون مع دول التحالف لتعزيز الإجراءات الكفيلة بحماية وسلامة الأطفال"، مؤكداً أنه "يتخذ أقصى درجات الحيطة والحذر لتفادي الإضرار بالمدنيين".
أبرز الضحايا
وأدى القصف على الصالة الكبرى إلى سقوط 132 قتيلاً، بينهم ستة مفقودين، ونحو 783 جريحاً، أغلبهم من المدنيين. وقضت شخصيات وقيادات بارزة، أبرزها، محافظ أمانة العاصمة، اللواء عبد القادر علي هلال، وهو شخصية سياسية يمنية تتمتع بشعبية وعلاقات مع مختلف الأطراف. بالإضافة إلى ذلك، فإن من أبرز الضحايا، قائد قوات الاحتياط (الحرس الجمهوري)، اللواء علي بن علي الجائفي، والذي كان يعد إحدى أهم الشخصيات القيادية المعروفة في الجيش اليمني، ورئيس "لجنة التهدئة" بشقها المحسوب على الحوثيين وحلفائهم، اللواء أحمد ناجي مانع، وعضو اللجنة علي الذفيف، والعديد من القيادات والمسؤولين الآخرين.