عامر الجواهري: المنطقة العربية جاذبة للاستثمار الأجنبي

29 يونيو 2015
الاستشاري في التنمية الصناعية والاستثمار العراقي عامر الجواهري(العربي الجديد)
+ الخط -
فنّد الاستشاري في التنمية الصناعية والاستثمار العراقي عامر الجواهري في مقابلة لـ "العربي الجديد" واقع الاستثمار في الدول العربية بعد اندلاع الثورات، وتطرق إلى الواقع العراقي، من حيث إعلان إفلاس العراق في العام 2017، وارتفاع حدة الفقر والبطالة داخل الطبقات الاجتماعية.

وهذا نص المقابلة:

*كيف تقيّمون الواقع الصناعي في العراق اليوم في ظل العائدات النفطية، ولماذا لا توظف الأموال في تنمية هذا القطاع؟


يعاني القطاع الصناعي العام والخاص في العراق في الوقت الحاضر من التدهور في كافة الجوانب، نخص بالذكر تقادم المعدات والتكنولوجيا، ضعفاً شديداً في منهجية الإدارة الصناعية وإدارة العمليات الإنتاجية، التوقف الجزئي أو الكلي للصناعات الحكومية وتوقف النسبة الأكبر من الصناعات في القطاع الخاص، بالإضافة إلى ضعف الخدمات وبيئة العمل أمام القطاع الصناعي الخاص، وضعف وصعوبات في تنافسيتهما.

في ستينيات القرن الماضي، كانت نسبة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي بحدود 8%، انخفضت طوال عقود من التدهور لتصل إلى حوالي 1,5% عام 2012، بشكل عام السبب ناتج من تأثير الحروب على كافة جوانب الاقتصاد ومنهجية التخطيط واستراتيجية الإدارات المتعاقبة. ومن هنا، فإن التوجه الأساسي في العراق للسنوات الأخيرة نحو تنويع الاقتصاد، بالرغم من التأخير في تبني وتنفيذ السياسات لتحقيق ذلك، إلا أنه تم مؤخراً إقرار استراتيجية الطاقة والاستراتيجية الصناعية واستراتيجية تطوير القطاع الخاص، ونحن ندعم الإسراع في الخطوات التنفيذية بالمشاركة مع مؤسسات القطاع الخاص.

*الموازنة العراقية لا تعطي أهمية كبيرة للصناعة والزراعة، بل إن معظمها متجه للأمن والدفاع، كيف ينعكس ذلك على الأوضاع الاقتصادية؟

في الأساس، العام 2015 له خصوصية في إعداد الموازنة العراقية من عدة جوانب، أولاً التحديات المصيرية الأمنية والاجتماعية والاقتصادية وما يتطلبه من تخصيصات وجهود خاصة لمواجهتها، وانخفاض أسعار النفط الخام مما انعكس سلباً على هبوط حاد في مواردها لكون إيرادات النفط تشكل المورد الأساسي للموازنة، كما إن البرنامج الطموح للحكومة العراقية الجديدة والحاجة للاهتمام بالخدمات والبنى التحتية المتدهورة، عوامل ساهمت في إضعاف القطاع الصناعي. في المقابل الأمور ليست بهذه السوداوية، إذ يمكن مواجهة هذه التحديات مع توفر الاستراتيجيات الحكومية، بالإضافة إلى البرنامج الحكومي الذي أكد على الشراكة مع القطاع الخاص، وتوفر الإرادة بتعزيز المؤسسات ذات المنهجية العلمية والعملية والمهنية لتمكين الجهات المسؤولة عن الملف الاقتصادي بتشكيل فرق أزمات تتولى السير ببرامج شراكات وتحالفات تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي.

اقرأ أيضا: السياسات النفطية العراقية: تكتيك جديد

*ما صحة التقارير التي تناولت إعلان إفلاس العراق في العام 2017، وما هو تقييمكم لهذه التقارير؟

بالتأكيد لا صحة لطرح كهذا، ولا يمكن أن يحصل بكافة المعايير في بلد لديه موارد نفطية عالية ويمكنه أن يبرمج نشاطه الاقتصادي وفق الإيرادات المتحققة، رغم التأثيرات السلبية الكبيرة لمواجهة الإرهاب والنازحين والدمار بالبنى التحتية، وباقي العوامل على الاقتصاد والتنمية. بالتأكيد هناك انخفاض في الإيرادات، في وقت يواجه العراق فيه تحدياً إرهابياً مصيرياً سيؤثر كثيراً على التوجهات لتنفيذ البرنامج الحكومي الجاد، لكن التحديات شيء، والإفلاس أمر آخر، لا أرى وجود منطق فيه.

يمكن المقارنة مع معاناة بلدان عديدة تعرضت إلى أزمات اقتصادية كبيرة ومديونية عالية وانخفاض في ناتجها المحلي، وهي لا تملك موارد طبيعية ذات تاثير اقتصادي متميز، لكنها مع ذلك لم تتعرض للإفلاس. بالعكس فإن الأزمات تحفز الإصلاح والتطوير وتنويع الاقتصاد. هذه التقارير تستند إلى ضعف وخلل في فهم واقع وتأريخ العراق في حالة حسن النية من جانب، وتعتبر جزءا من التحديات ضمن الهجمة الأخيرة على العراق. تقارير كهذه تبتغي إضعاف تنافسية البلد الذي يصبو إلى النهوض الاقتصادي ليبقى سوقا للآخرين.

*كيف تربط العلاقة ما بين التنمية في العراق، بالرغم من ارتفاع معدلات البطالة، الفقر، وما بين العائدات النفطية، لماذا لم يتم استثمار هذه العائدات لإقامة تنمية شاملة؟

لم ينجح العراق في تقليل الاعتماد على النفط بما لا يقل عن 90% في تمويل الموازنة الاتحادية له، البطالة والفقر، هما نتائج تراكم التدهور الاقتصادي – الاجتماعي الناجم عن عقود من الحروب وسوء الإدارة، تلاها ما تعرض له البلد بعد 2003 من عدم الاستقرار والتقاطعات السياسية، انعكس بمجموعة على عدم تبني إدارة ممنهجة تبتغي تنويع الاقتصاد والتخفيف من نسبة الاعتماد على النفط تدريجياً. كما أن عدم وضوح الرؤية وغياب المنهجية الاقتصادية وعدم التوافق السياسي وضعف إرادة الفعل وضعف الإدارات كانت عوامل معوقة لاستثمار العائدات النفطية لإقامة تنمية شاملة، وبالتالي ارتفعت أرقام البطالة والفقر.

اقرأ أيضا: الخارطة الاستثمارية في العراق: الأرباح تنتظر المشاريع

*ما هو واقع الخصخصة في العراق، وهل ملف الخصخصة سيخرج العراق من أزمات اقتصادية؟

عملياً لا توجد إجراءات خصخصة فعلية في العراق على مستوى قابل للقياس، توجد تجارب بسيطة محدودة النجاح في اتفاقيات شراكة بتأهيل بعض المصانع الحكومية. هناك عدد من المؤشرات القانونية التي تدعم واقع الخصخصة بأشكالها المختلفة، منها الشراكة كما جاء في المادة (25) من الدستور التي تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس اقتصادية حديثة، وبما يضمن استثمار كامل موارده وتنويع مصادره وتشجيع القطاع الخاص وتنميته، والمادة (26) التي نصت على أن تكفل الدولة تشجيع الاستثمارات في القطاعات المختلفة، بالإضافة إلى قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006 وتعديلاته، فهذه القوانين ساهمت في تشجيع الخصخصة في العراق، لكن الواقع العراقي اليوم والحروب لم تساهم في مشاركة القطاع الخاص، وتقديم خدمات مفيدة للجمهور.


*لماذا لا تسعى الدول العربية إلى تنمية الصناعة في اقتصاداتها، ولماذا نحن مجتمع استهلاكي فقط؟

هناك العديد من الآراء، منها سيادة التفكير لدى القائمين على التخطيط، واعتبار النشاط التجاري الأهم بين باقي القطاعات مما انعكس سلباً على تبني سياسات تبتعد عن التوجهات التصنيعية، كما أن عدم وجود رؤية واضحة للتنمية الاقتصادية الشاملة المستدامة، أو ضعف القدرات المالية الحكومية لتبني عملية تطوير القطاع الصناعي في العقود المنصرمة، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية وبيئة العمل التي تتيح جذب الاستثمارات الخاصة المحلية بالصناعة جعلت من الدول العربية دولا استهلاكية، فمنهجية الإدارات المتعاقبة منذ استقلال البلدان العربية تباعاً والتي لم تبن سياسات تربوية وتعليمية واقتصادية – اجتماعية تستهدف السعي لاستثمار الموارد الطبيعية لأغراض تصنيعية، وتبنّي رواد العلوم والأعمال، ولتوجيه وتشجيع إنشاء المشاريع الإنتاجية ودعم رواد الأعمال خلف أجيالاً متعاقبة واقتصادات تعتمد على اقتصاد الخدمات، فوجدنا البطالة المتزايدة واستيراد الاحتياجات الضرورية التي يمكن إنتاجها محلياً وغير ذلك.

*ما هو رأيكم بالاستثمار في المنطقة العربية، وهل المنطقة العربية لازالت مصدر جذب للاستثمارات الأجنبية؟

تنوع الموارد الطبيعية المعدنية، ومختلف أنواع خامات الصناعات الإنشائية والمياه والأراضي والسوق الواسعة والجغرافية التي تحاذي العالم أجمع توفر القوى العاملة، وحتى توفر الرساميل العربية التي تذهب خارج المنطقة، تعتبرعوامل مشجعة للاستثمار سواء المحلي في كل بلد، أو العربي العربي، أو الأجنبي المباشر، وبأسلوب الشراكات والتحالفات المختلفة، فهناك آفاق مستقبلية غير محدودة للتطور الاقتصادي - الاجتماعي وعند تحقيق خطوات تقدم في السوق العربية المشتركة ومشروع السكك العربي المترابط مع بنى تحتية وتحسن في بيئة الأعمال جميعها ستكون مشاريع حقيقية.

إن التوجه لجذب الاستثمارات العربية يحتاج إلى اتفاقات على المستويات السياسية العليا والضمانات المطلقة والتنسيق بين هيئات الاستثمار الوطنية للترويج للمشاريع الكبرى ذات الجدوى والجاذبة لتحقيق قصص نجاح في البدء.

ولا يفوتنا إمكانيات الاستثمار في المشاريع المتوسطة كذلك وفي مشاريع البنى التحتية في العديد من البلدان العربية. بالتأكيد من الضروري الترويج لتوجه كهذا من خلال عقد الملتقيات الرسمية لإقرار المشاريع المشتركة العربية - العربية أو العربية - الدولية وتنسيق توزيع تلك المشاريع بشكل أو بآخر على كل بلد عربي بموجب معايير يتفق عليها. في تلك الملتقيات يتم إقرار الجهات العربية التي تشارك في كل مشروع والصيغ القانونية والإجرائية للمشاركة مع وضع آليات للتنفيذ وبرامج زمنية مرحلية ونهائية لتحقيقها.

اقرأ أيضا: بنكين ريكاني: مشاريع ضخمة في قطاع النقل العراقي

مبدئياً، إن المنطقة العربية مشجعة للاستثمار عند قناعة الإرادات السياسية لتوجيه الاستثمارات العربية الكبيرة نحو البلدان العربية وبنفس الوقت تحسين بيئة الأعمال والاستثمار لجذب الاستثمارات الأجنبية، لكن الظروف التي أدت مؤخراً إلى عدم الاستقرار السياسي في البلد الواحد وفي العلاقات فيما بين البلدان ابتداء بالربيع العربي ومروراً بالفصول الصعبة اللاحقة تعتبر معرقلة وطاردة بالوقت الحاضر. وبالتأكيد أن الاستثمار المحلي والعربي والأجنبي المباشر في المنطقة العربية يحتاج إلى كافة أنواع الاستقرار غير المتاحة في الوقت الحاضر، ولكن درجة أهمية الاستثمارات تحتم العمل عليه باتجاه خلق أجواء التنسيق على مستوى محدود في البدء باتجاه توسيعه عربياً، إذ لا يفوتنا أن درجة الأضرار في البلدان العربية غير المستقرة ستتطلب استثمارات عالية في المستقبل القريب.
المساهمون