عامان على انطلاق "بيغيدا" في ألمانيا... والسلطات تبدأ المواجهة

19 أكتوبر 2016
تظاهرة لبيغيدا في درسدن (أوليفر كيليغ/فرانس برس)
+ الخط -

احتفلت حركة بيغيدا الألمانية، يوم الأحد، بمرور سنتين على تنظيمها لأول تظاهرة لها، رفضاً لسياسة اللجوء في ألمانيا، وما اعتبرته "أسلمة الغرب" وبدء مسيرتها المعادية للأجانب والمسلمين. وإذا كانت شعاراتها العنصرية التي اعتمدت عليها لجذب مؤيدين لم تثر قلق المسؤولين في البداية، إلا أن استمرارها طيلة هذه الفترة، مع خطر تخلّي المواطنين عن مناطق بعينها، بالإضافة إلى ازدياد أعمال العنف ضد الأجانب بنسبة 90 في المائة، دفع السلطات الالمانية أخيراً للاعتراف بخطرها مع ارتفاع أصوات المسؤولين المطالبين بالحدّ من تصرفات هذه الحركة ومواجهتها، ليس فقط لكراهيتها العمياء للاجئين والأجانب، بل لمحاولتها احتكار الشعارات المدافعة عن الحرية.

وفي وقتٍ لا ينفي الخبراء الدور الذي لعبته هذه الحركة وقدرتها على التأثير في المجتمع في فترة قصيرة، كان لافتاً خلال هاتين السنتين المواقف الرافضة لها ولنشاطاتها على ألسنة عدد من المسؤولين، كان آخرها للأمينة العامة للحزب الاشتراكي الديمقراطي في ولاية سكسونيا دانييلا كولبي، التي وصفت تصرفات الحركة بـ"الكراهية السافرة"، لافتة إلى أن "تلك الأفعال هزّت كل ألمانيا بعدما تجاوزت كل حدود الحرية والحشمة".

ويرى الكثير من مناهضي بيغيدا، أن مناصريها شوّهوا الصورة الجميلة لمدينة درسدن، التي انطلقت منها الحركة، كإحدى أهم أوجه الثقافة والفنون في ألمانيا، وهو ما حدا بأحد قادة الحزب المسيحي الديمقراطي أخيراً إلى دعوة المواطنين لـ"عدم ترك الساحات لليمين ومناهضي سياسة اللجوء والذهاب للدفاع عن الديمقراطية"، لافتاً إلى "أنهم الأقلية". وذلك في رد منه على التظاهرات التي نفّذتها بيغيدا في يوم الوحدة الألمانية في الثالث من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

في سياق متصل، اعتبر خبراء في علم النفس الاجتماعي، أن "أحد أسباب نجاح الأحزاب اليمينية، ومن بينها حركة بيغيدا، أنها تعمل على سياسة لغوية أكثر نجاحاً من الأحزاب المحافظة، من خلال فهمها الجيد لقواعد عمل وسائل الإعلام واعتماد أساليب الاستفزاز. وهي نجحت في تغيير خطابها وصوّبت على كل ما يتعلق بالهجرة واللاجئين، عبر استخدامها الاستعارات من المياه على سبيل المثال، كموجة بحرية ومدّ وتدفق".
وأضاف الخبراء أنه "من الواضح أن المقصود منها هو إظهار الخطر، وهي خطوة مهمة لربط العلاقة الوثيقة بين اللغة والإدراك، حتى إن الحركة أوقعت جمهورها تحت وطأة اليأس والخوف من المصير، عبر الإيحاء بأن هناك عصابات أجنبية تسيطر على وطنهم، ناهيك عن التركيز على مواضيع كالعبء الضريبي مثلاً، وازدياد التفاوت الطبقي في المجتمع الألماني". وهو ما دفع أخيراً وزير العدل الألماني هيكو ماس، للتحذير من أن "التحريض في ألمانيا وصل إلى مستوى لم يعد مقبولاً، وأن الديمقراطية في خطر، بعد أن تعزّز دور هذه القوى اليمينية".



ورأى هاس وغيره من السياسيين الألمان أن "هذه السياسة حققت أيضاً جزءاً من مبتغاها، بعد أن ركّزت في رسائلها على أسلوب التكرار الثابت بهدف إقناع شريحة واسعة من الجمهور بأفكارها"، ومؤكدين أن "الإعلام والإنترنت بدّل آراء ومزاج البعض لصالح التطرّف وزاد من النزاع وتسبّب بالكثير من الإثارة". وهو ما كان أخيراً محل انتقاد من قبل أساقفة أكبر كنيستين في ألمانيا، الكاثوليكية والإنجيلية، وذلك خلال حلقة حوار دينية أخيرة. وأوضح الأساقفة أن "الدعاية السلبية تحط من الإسلام وخطر المسلمين، وأدت دوراً في تجسيد صورة فظيعة عنهم وخلقت أجواء مشحونة في البلاد".

وامام ما يحصل انتقد متابعون، التلكؤ والتحفظ عند الوسط المعتدل، الذي لم يتخذ موقفاً إزاء ذلك، على الرغم من وصول الاعتداءات إلى حدّ تفجير مسجد نهاية الشهر الماضي في درسدن، فضلاً عن مهاجمة مجموعة من اليمينيين المتطرفين في مدينة سيبنيتز، ثلاثة أطفال من اللاجئين بالسكاكين.

في هذا السياق، حذّر متابعون من أن "هناك أقلية ترغب في إعادة الساعة في ألمانيا إلى الوراء، من خلال التحذير فقط من العواقب السلبية للهجرة، فضلاً عن نظرتهم إلى الإسلام بأنه معاد للنساء وأنه دين عنف، وأن المهاجرين من الذكور الشباب غير متعلمين وعدوانيون، وعليه فإن الصمت ليس خياراً".

وأردف هؤلاء أن "المشكلة تكمن في لامبالاة الأكثرية من المواطنين في ألمانيا، وتركها المنابر لحزب البديل اليميني الشعبوي ولحركة بيغيدا. وللمفارقة فإن العنصرية أكثر ما تظهر في شرق البلاد، حيث لا يتعدى عدد الأجانب 3 في المائة من السكان، وحيث حياتهم باتت تحت ضغط مستمر من العنف والكراهية". مع العلم أن صحيفة "زود فست بريسه"، ذكرت أخيراً أنه "في العام الماضي تم ضبط 562 نوعاً من المواد الحارقة والقابلة للانفجار بيد نازيين جدد. وهنا يطرح السؤال هل هذه الفئة مصدر للارهاب أم لا"؟

في المقابل، تواجه حملات العنصرية ردود فعل مستنكرة من قبل عدد كبير من المواطنين الألمان، وخير دليل على ذلك إشادة الكثير من الألمان باللاجئين السوريين الثلاثة، الذين تعاونوا أخيراً مع السلطات في مدينة لايبزيغ، لإلقاء القبض على احد المشتبه بهم بالتحضير لعمل ارهابي في البلاد، بأمر من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي شغل الأجهزة الأمنية في الأيام الماضية. حتى إنهم طالبوا بمنحهم إقامات في البلاد، ساخرين من حركة بيغيدا وحملاتها المناهضة للهجرة والإسلام. ولا ينسى المعارضون لحركة بيغيدا التذكير بأن اللاجئين وصلوا البلاد للبحث عن حماية وحياة آمنة ومستقبل أفضل لأطفالهم، بعد فرارهم من الإرهاب والبراميل المتفجرة.



المساهمون