تحل، اليوم السبت، الذكرى السنوية الثانية لبدء التدخل العسكري الروسي في سورية، والذي استطاعت موسكو من خلال إنقاذ نظام بشار الأسد من الانهيار، وتمكينه من بسط نفوذه العسكري على مناطق واسعة من البلاد، والدفع باتجاه إعادة تعويمه سياسياً عبر الانزياح عن مسار جنيف، ونقل العملية السياسية إلى مسار أستانة، والذي فكك المعارضة السورية، وفرض مناطق تهدئة يخشى أن تكون بديلاً للحل الدائم، وهي تهدئة يتم خرقها باستمرار كما يحصل منذ عشرة أيام في عموم المناطق السورية.
ورغم أن روسيا كانت تتوقع أن تدوم عملياتها لدعم نظام الأسد لبضعة أشهر فقط، إلا أن وجودها في سورية يتحول تدريجياً إلى وجود دائم بعد تحديد فترة بقاء القوات الروسية في قاعدتي حميميم وطرطوس بـ49 عاماً قابلة للتمديد.
وفي رصدها لهذه الذكرى، أفادت وسائل إعلام روسية بأن روسيا تمكنت خلال العامين الماضيين من استعادة مدينة تدمر، ومدينة حلب، وكذلك مدينة حمص وجوارها، مدعية أن قوات النظام باتت تسيطر اليوم على 85 في المائة من الأراضي السورية، والتي كان يسيطر عليها تنظيم "داعش".
ونقلت تلك الوسائل عن رئيس أركان القوات المسلحة الروسية في سورية، الجنرال ألكسندر لابين قوله، إن "القوات المسلحة السورية قامت خلال الأيام القليلة الماضية بتطهير أربعين كيلومتراً مربعاً من الأراضي من الإرهابيين، حيث تم طرد المسلحين من 59 بلدة، ولم يبق بيد التنظيم سوى 27800 كيلومتر مربع".
من جهته، قال رئيس إدارة العمليات الرئيسة في الأركان العامة للقوات المسلحة، الجنرال سيرغي رودسكوي، إن أهم إنجاز في الأيام الأخيرة كان العملية التي جرت بنجاح في منطقة دير الزور حيث تجاوز "هذا الانتصار كل الانتصارات التي كان ينتظرها الشعب السوري منذ أكثر من ثلاث سنوات"، مشيراً إلى أن الطيران الروسي شن خلال عملية دير الزور غارات على مدار الساعة، إذ كانت كل طائرة تنفذ 3-4 طلعات جوية في اليوم الواحد، من أجل حرمان الإرهابيين من التقاط أنفاسهم وإعادة تجميع قواتهم".
وكشف أن الطيران الروسي شن خلال العامين الماضيين (30650) طلعة جوية في أنحاء متفرقة من الأراضي السورية، منها 5165 طلعة في عام 2015 و13848 طلعة في عام 2016، والبقية في العام الحالي.
وأضاف أن الطيران الروسي "نفذ خلال هذه الطلعات 92006 غارات على مواقع، منها 13470 غارة في عام 2015، و50545 غارة في عام 2016، تمكن خلالها من تدمير 96828 هدفاً وموقعاً للإرهابيين"، حسب تعبيره.
وإلى جانب غارات الطيران الروسي، شاركت قوات الأسطول الروسي في العمليات العسكرية من خلال إطلاق صواريخ من طراز "كاليبر" على الأراضي السورية.
وإلى جانب الجهد العسكري، عمدت روسيا إلى إنشاء ما سمي بـ"مركز المصالحة" في مطار حميميم، بدعوى المساعدة على بناء حوار بين السوريين.
وتمكن الطيارون الروس لأول مرة في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي من المشاركة في معارك حقيقية واستخدام أحدث ما في جعبة روسيا من أسلحة وقنابل جوية موجهة بواسطة الأقمار الاصطناعية.
ووفقاً لخبراء روس، سمحت المشاركة العسكرية في سورية لوزارة الدفاع بالتحقق من الاستعداد القتالي لجميع الطيارين العسكريين تقريباً.
وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن ما يقرب من 90 في المائة من أفراد القوات الجوية تلقوا خبرة قتالية. وقد نفذ الحملة الروسية ثلاثة أرباع طواقم الطيران بعيد المدى، ونحو 80 في المائة من الطائرات التكتيكية التشغيلية، و88 في المائة من طائرات النقل العسكري، ونحو 90 في المائة من الطيارين في مجال الطيران. ولاحظت الأركان العامة أن نتائج الطلعات القتالية كشفت عن الجوانب الإيجابية والسلبية للتدريب على الطيران، وكانت الاستنتاجات التي تم التوصل إليها أساساً لتغيير عملية التعلم والتدريب.
أمّا إحصاءات وأرقام المعارضة السورية والمنظمات الدولية وعدد كبير من الدول الغربية، فتتحدث عن آلاف القتلى المدنيين الذين سقطوا من جراء القصف الروسي وعن آلاف المنشآت المدنية التي دمرها القصف الروسي.
ويقول مراقبون إنه بعد مرور عامين على تدخلها العسكري، لم تتمكن موسكو من تثبيت نظام الأسد فحسب، بل ثبّتت وجودها في الشرق المتوسط لنصف قرن مقبل، إذ حصلت على تنازلات كبيرة من نظام الأسد، لتثبّت أقدامها في المتوسط وتحتل الساحل السوري، إذ لا يسمح للسلطات السورية بدخول الأماكن التي ترابط فيها قوات روسية، ولا يخضع الجنود الروس للقوانين السورية، ولا تخضع كل الشحنات الروسية لأي تفتيش من جمارك النظام.
وتشير تقديرات أوساط المعارضة الروسية إلى أن العمليات العسكرية في سورية كلفت موسكو نحو 3.5 مليارات دولار أميركي، تشمل النفقات والخسائر غير المباشرة. وفي الوقت الذي تتحدث فيه الأرقام الرسمية عن عدد القتلى في صفوف القوات الروسية في سورية، والذي بلغ 40 قتيلاً، تشير تسريبات إعلامية إلى أن العدد أكثر من ضعف هذا الرقم.
ويرى مراقبون أن روسيا، وإن كانت قد حققت بعض النجاح العسكري في سورية بسبب تخاذل الأطراف الأخرى، خاصة الولايات المتحدة، فإنها على الصعيد السياسي لن تستطيع بالقوة العسكرية وحدها إعادة فرض نظام الأسد بسبب ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب السوري تجعله غير مقبول أبداً، أو أن يكون جزءاً من مستقبل سورية.