عالم بائع "المشموم" الصيفي

30 ابريل 2015
+ الخط -

يحب أحمد الصفاقسي العطل، خاصة تلك التي تتزامن مع فصل الصيف، ويعود ذلك إلى نشاط خاص يمارسه خلال العطلة الصيفية ويفتخر به، وهو بيع "مشموم" الفل والياسمين.

في أيام الصيف الحارة، يستيقظ أحمد، ابن الرابعة عشرة، مع ساعات الظهر الأولى ويخرج مسرعا لقطف أزهار الياسمين والفل من حديقة الجيران. ثم يعود إلى ركن في بيته يُرتّب عيدان الحلفاء ويضع في كل عود زهرة فل أو ياسمين، ويُصفف الأعواد بشكل دائري. هي سويعات قليلة ويتم صنع باقات الفل والياسمين، والتي اشتهرت في تونس بمسمى "المشاميم".

و"مشموم" الفل أو الياسمين جزء من التراث التونسي. اشتقت تسميته من فعل "شمّ"، وهو مرافق دائم للسهرات الصيفية في تونس لجماله، وخاصة لرائحته المحببة إلى قلوب التونسيين.

مع غروب الشمس وبداية انحسار النهار، يخرج أحمد حاملا طبقا من الحلفاء مزيّنا بـ"مشاميم" الفل والياسمين. يتجول في ساحات حيّه، يبيع "مشاميمه" الساحرة بزينتها وأشكالها وأحجامها المختلفة والتي يقبل عليها الشاب ليهديها لحبيبته، كما ترافق وحدة الشيخ وهو يترشف قهوته.

يقول أحمد لـ"جيل العربي الجديد": "إن صنع المشموم فن لا يتقنه الكثيرون". ويضيف "تتطلب هذه الحرفة حبا وإتقانا خاصا".

يُساعد أحمد في رحلته الصيفية اليومية بعض أقرانه، وهو يفخر بكونه معلمهم وقائدهم. يقول "إن أغلبهم يقدمون المال الذي يحصلون عليه طواعية أو مجبرين لعائلاتهم"، لكن هذا لا ينطبق عليه، فعائلته متوسطة الحال.

ويتحدث أحمد عن حرفته الموسمية لـ"جيل العربي الجديد" قائلا "أحب صنع "المشموم"، أكسب المال، ويشعرني ذلك بأني كبرت وبأنه من الممكن التعويل عليّ، ثم أشتري بما أكسبه بعض الملابس والمرطبات المحببة إلى قلبي، لكن وضعي مختلف عن حال أصدقائي".

ينتمي أصدقاء أحمد إلى عائلات فقيرة تستغل العطلة الصيفية لتشغيل أبنائها، قصد كسب بعض المال الذي يساعدها في شراء لوازم العودة المدرسية والجامعية في سبتمبر/أيلول المقبل.

ولا يقتصر يوم أحمد الصيفي على صناعة "المشاميم" وبيعها، إذ يقضي ساعات الليل في الألعاب الإلكترونية على حاسوبه. وتمثل هذه الألعاب قاسما مشتركا بينه وبين معظم أقرانه، وهي تشغل الحيز الزمني الأكبر من وقت أبناء جيله على اختلاف إمكانياتهم المادية، في المقابل لا يخصص أحمد وأصدقاؤه وقتا للمطالعة.

مجرد جولة صغيرة في حي أحمد في إحدى ضواحي العاصمة التونسية كفيلة بأن تكشف عشق شباب الحي للعب كرة القدم. "إنها اللعبة الشعبية الأولى لدى الشباب في تونس في الماضي والحاضر والمستقبل"، هكذا يقولون.

يضيف عادل، صديق أحمد، "أعشق هذه اللعبة وهي رفيقة يومنا. من يملك المال يكتري مع أصدقائه ملعبا صغيرا خاصا مجهزا وللبقية هذه الأراضي الخالية قرب منازلنا نلعب فيها وتكون متنفسنا، كما نتنقل أحيانا للعب الكرة على شاطئ البحر".

إضافة إلى لعب كرة القدم، تمثل الكشافة حيزا من أنشطة الشباب، خاصة خلال فصل الصيف، إذ تتعدد المخيمات الكشفية والتي تهدف إلى مساعدة الشباب على اكتشاف ودعم قدراتهم وإمكانياتهم الذاتية وتعودهم على الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية، هكذا حدثنا والد أحمد، الذي يُفضل النشاط الكشفي مقارنة ببقية الأنشطة الصيفية الأخرى. والكشافة التونسية جمعية تربوية شبابية تكونت مباشرة غداة الاستقلال بعد توحيد أربع جمعيات كشفية تونسية.

لأحمد أخت كبرى تفوقه بسنتين، ياسمين التي على عكس شقيقها لم تبد متحمسة لقرب العطلة الكبرى صارحتنا "لا أحب هذا الفصل. أقضي معظم الوقت أمام التلفاز أو أمام جهاز الحاسوب وأشعر بملل شديد. حيّنا محافظ كأغلب الأحياء التونسية وعائلتي لا تسمح لي بالخروج كثيرا رفقة صديقاتي".

في عالم آخر مختلف تماما رغم قربه الجغرافي، وتحديدا في أحد الأحياء الراقية من العاصمة التونسية أخبرتنا لينا صديقة أحمد، التي تعرّف عليها الصائفة الماضية، بأنها تعتبر "العطلة الصيفية مناسبة جيدة للسفر خارج تونس" وبأنها تفكر مع أصدقائها في القيام بجولة أوروبية خلال العطلة الصيفية للترويح عن النفس.

في تونس يقضي شباب العائلات الميسورة جزءا من الصيف خارج الوطن. فشواطئ إبيزا وشوارع باريس وجمال البندقية يُغريهم، كما يشتهرون بإقامة الحفلات الصاخبة. لكن تزامن جزء من العطلة الصيفية خلال السنوات الأخيرة مع شهر رمضان، وما لهذا الشهر من خصوصيات، غيّر جزءا من الأنشطة الصيفية الشبابية، والتي قد لا تتلاءم في منظور التونسي مع قداسة هذا الشهر.

عالم أحمد الصيفي خليط خاص، "مشمومه" وأخته وأصدقاؤه وشباب الحي وأقرانه من الأحياء المجاورة.. كل هؤلاء يكوّنون عالمه ويلتقون معه في بعض التفاصيل، كما يختلفون في أخرى لاعتبارات عدة، أبرزها مادي واجتماعي.


(تونس)

المساهمون