يستعيد فيلم "عالمٌ ليس لنا" للمخرج الفلسطيني الدنماركي مهدي فليفل، الذي عُرض حديثاً في غاليري "إدج أوف أريبيا" (لندن)، مفهومي النفي والإلغاء لما يقارب 70 ألف شخص يعيشون في ما لا يتجاوز كيلو متراً مربعاً واحداً في مخيم "عين الحلوة" جنوبي لبنان.
الفيلم الذي ينتمي إلى سينما الواقع، والحاصل على أكثر من 20 جائزة دولية، أبرزها جائزة "برليناليه/ بانوراما برلين"، هو حصاد مُكثّف لعشرِ سنواتٍ من العمل على التوثيق الفيلمي؛ حصل خلالها فليفل على غنيمة تزيد عن 75 ساعة؛ تنوعت بين شهاداتٍ شخصية، وفيديوهات واقعية من المخيم، ومحفوظات تسجيلية عائلية.
لكن المخرج اكتفى بتسعين دقيقة شكلت كسراً للصورة النمطية المسبقة للمخيم كمكان حافل بالجريمة والبطالة والمخدرات. وكان الفضل لشخصيات عديدة من أبرزها "أبو إياد"، صديق المخرج، الذي جاءت عفويته لتقدّم الصورة البديلة من خلال تعبيره عن آراء سياسية مثيرة للجدل، بدأها بتناول تنظيمه (حركة فتح) بالنقد الحادّ، متّهماً قادتها باللصوصية واستغلال القضية للتربح، لتكون مدخله إلى الكشف عن بؤس حياته كإنسان فلسطيني في لبنان، متمنياً تفجير نفسه في عملية فدائية ليتخلّص من عبء هذه الحياة.
شخصية "أبو إياد" تختزل هذا الجيل الذي ناضل من أجل فلسطين من دون أن يعرفها، جيل لا يحلم بالعودة بقدر ما يحلم بالهروب من بؤس المخيمات. فلسطين في خاطر هذا الجيل هي حالة ذهنية لا تمتلك وجهاً، بل مخالب تفترس أبسط أحلام المنتمين إليها بالعيش كبشر طبعيين.
ثمّ تطلُّ علينا من المخيّم شخصية أخرى هي جدّ المخرج، الذي يعبّر عن جيل النكبة، ذلك الذي لا يزال أسير ذاكرةٍ رطبة لأرضٍ قرّر المكوث في غرفته مُنتظراً أن يعود إليها، قامعاً رغبة الجدّة بالسفر مع حفيدها إلى الدنمارك، إذ يرى في ذلك تخليّاً عن الحق الفلسطيني المقدّس.
أما العم، فيعيش عزلة نفسية بعد استشهاد أخيه، مُتّخذاً من بيع زجاجات المياه الغازية بعد تجميعها، وسيلةً للتحايُل على زمنه الثابت في المخيم، لا سيما أن أحد أقربائه باعه الأمل لإخراجه من هذا المكان.
تتناقض شخصية العم كليّاً مع شخصية "أبو إياد"، إذ حاول الأخير السفر إلى اليونان بشكلٍ غير شرعي، جرى ترحيله إلى المخيم، فيما اكتفى العم بانتظار أوراق هجرة ستهبط من السماء.
عمل المونتير مايكل أوغلاند على دمج صور المخيم بمشاهد حياة المُخرج أثناء تنقّله بين دبي والدنمارك، وزيارته إلى فلسطين المحتلة، لكي ندرك كمُشاهدين دور عنصر الزمن في تشكيل أحداث هذا الشريط.
في النهاية، سيفتش "أبو إياد" في كتبه وأوراقه قبل أن يترك بيته، فيتخلّص من منشورات "فتح" وبياناتها السياسية، مُبقياً على رواية غسان كنفاني، التي سيقول لنا المشهد الأخير إن الفيلم لا يحتاج لأكثر من عنوانها، ولتلك الكلمات الثلاث التي توجزُ المخيّم وشخوصه: "عالمٌ ليس لنا".