كانت والدة عاصم البرغوثي تستعد للذهاب لمحكمة زوجها عمر البرغوثي، فجر اليوم الثلاثاء، حين قطع طريقها إليه خبر اعتقال ابنها آخر المطاردين لقوات الاحتلال في الضفة الغربية بعد موجة العمليات الأخيرة، والذي يتهمه الاحتلال بالوقوف خلف عمليتي إطلاق النار على مستعمرتين قرب رام الله في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما أسفر عن مقتل وجرح عدد من الجنود والمستوطنين.
عادت لتتابع الأخبار وتتصل بكل المؤسسات التي تُعنى بالأسرى، وتطمئنّ على مصير ابنها عاصم تقول لـ"العربي الجديد""علمت أنهم نقلوه إلى مركز تحقيق المسكوبية".
ومنذ إعلانها اغتيال شقيقه صالح إثر اعتقاله في الثاني عشر من الشهر الماضي، تطارد قوات الاحتلال عاصم البرغوثي، وتقتحم مدينتي رام الله والبيرة، وتخضع قرية كوبر، مسقط رأس عائلته، لشتى أنواع التنكيل.
لا تحفل الأم بكل تهديدات الاحتلال وتخويفه بأن مصير ابنها سيكون المؤبد، قائلة بكل ثقة "لا أعتقد أن اعتقال عاصم سيدوم أكثر من عامين.. سيتحرر إن شاء الله بصفقة قادمة لتبادل الأسرى أو بزوال الاحتلال الذي أؤمن أنه زائل لا محالة".
بطمأنينة كبيرة وكأنها يقين، تتحدث الأم التي عاشت نحو ثلاثة عقود من عمرها على قيد الانتظار، وزوجها يراوح بين سجون الاحتلال والمنزل، وهو الذي أمضى ما مجموعه 28 عامًا من سنوات عمره الـ66 أسيرًا، لتقوم بمهمتها كزوجة وأم في تربية الأولاد الذين غيّب منهم صالح قسرًا بين الشهادة والأسر، واعتقل اليوم عاصم، بعد شقيقيه عاصف ومحمد ووالدهما.
عاصم أيضًا (33 عامًا) كان قد أمضى 11 عامًا في المعتقلات الإسرائيلية، وأطلق سراحه في إبريل/نيسان 2018.
تقول الأم: "خلال تسعة شهور بعد الإفراج عن عاصم، تزوج، والتحق بعمل جديد، وتمت ملاحقته من السلطة والاحتلال. بعد الإفراج عنه في إبريل/نيسان 2018، اعتقله أمن السلطة الفلسطينية لمدة ثلاثة أيام، وقبل نحو أسبوعين من اغتيال شقيقه صالح، تم اعتقاله لدى الاحتلال والتحقيق معه بشراسة، وعرضه على جهاز كشف الكذب، لم يتركوه ليعيش حياته ويكوّن أسرته".
ويقول أحد رفاقه الذي عاش معه في سجون الاحتلال لـ"العربي الجديد" "كان يسعى لخطف مستوطن، ليستطيع أن يبادله بأعمامه وأخواله المعتقلين والمحكومين بالسجن المؤبد"، فعمه نائل البرغوثي قد دخل عامه التاسع والثلاثين في معتقلات الاحتلال قبل أسابيع قليلة.
ويرصد الصحافي علاء الريماوي بالأرقام حصيلة النضال الذي قدمته عائلة البرغوثي منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث وصل حصيلة ما أمضاه أبناء هذه العائلة في المعتقلات الإسرائيلية نحو 130 عامًا.
ويتابع الريماوي "يمضي نائل البرغوثي عامه التاسع والثلاثين في المعتقلات، ومجموع ما أمضاه أبو شادي وأبو عاصف (شقيقان) نحو 60 عامًا".
ويقول: "تم اعتقال كافة الأبناء وأبناء الخال والمقربين من الدرجة الأولى بواقع 129 حالة اعتقال مكرر، أما النساء في بيتهم: الأم والشقيقات والجدة والجد، وزوجات الأبناء، تعرضن للتحقيق بمعدل ثلاث مرات".
أما مداهمات المنازل فوصلت إلى نحو 219 مداهمة، منها 98 اعتداء وتخريبًا ومصادرة وهدم منزل مرتين، وحسب الريماوي: "فإن أخوال وأعمام عاصم متهمون بقتل نحو 19 جنديًا إسرائيليًا عبر العقود الماضية".
وحسب نادي الأسير، فقد وصلت حالات الاعتقال بين أفراد العائلة منذ استشهاد صالح في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى 40 حالة، وبذلك يصبح الأب وأبناؤه الثلاثة رهن الاعتقال، إذ اُعتقل في وقت سابق نجلاه عاصف ومحمد، يضاف لهما عاصم الذي اعتقل فجرًا في عملية اقتحام المنزل في قرية أبو شخيدم قرب رام الله، حيث كان يختبئ.
حتى الآن لا تهمة محددة لأبو عاصف سوى أن ابنه عاصم كان مطاردًا، الأمر الذي أوضحه ضابط "الشاباك" الإسرائيلي للأب بكل وضوح قائلًا له: "إذا بنطلعك وعاصم حر.. راح تطير رؤوس من الشاباك.. ابنك معه سلاح وذخيرة، وخبط على راس جنودنا وقتل من نقطة صفر" حسب ما نقلت عمته أم عناد البرغوثي لوسائل الإعلام اليوم عن أبو عاصف بعد مشاهدته في المحكمة ولقاء محاميه.
وبعد أن أشيع نبأ اعتقاله، بقيت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي تتناقل تسجيلًا مصورًا لكلمة عاصم في حفل الإفراج عنه، حين قال فيها ما تبدو أنها "نبوءة" أكثر من كونها كلمة عابرة: "يظنون أنهم يثنوننا بسجننا أو بالتنكيل بنا أو بقتلنا.. لا والله لن نهزم سنبقى في السجون أو نقتل، سنبقى كما أرادنا الله تعالى".